مقالاتمقالات المنتدى

الخصائص الفنية في القصص القرآني ومقاصد سورة يوسف (عليه السلام)

الخصائص الفنية في القصص القرآني ومقاصد سورة يوسف (عليه السلام)

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

تناولت القصّة القرآنية عدّة ظواهر فنيّة لها حساب معلوم في الدّراسة الفنيّة للقصّة الحرّة في عالم الفنون، نحصرها في هذا المقال بثلاثة أمور، وهي:

أولاً: تنوع طريقة العرض:

ففي قصص القرآن الكريم أربع طرق مختلفة للابتداء في عرض القصّة:

  • مرّة يذكر ملخصاً للقصّة يسبقها، ثمّ يعرض التفصيل بعد ذلك، من بدئها إلى نهايتها، وذلك كطريقة قصّة أهل الكهف.
  • وثانية تُذّكر بعاقبة القصّة ومغزاها، ثمّ تبدأ القصّة بعد ذلك من أوّلها وتسير بتفاصيل خطواتها، وذلك كقصّة موسى u في سورة القصص، وقريب من هذا النحو قصّة يوسف u.
  • وثالثة تُذكر القصّة مباشرة بلا مقدّمة ولا تلخيص، ويكون في مفاجآتها الخاصّة ما يُغني، وذلك مثل ذلك قصّة مريم عند مولد عيسى u، ومفاجآتها معروفة، وكذلك قصّة سليمان مع النّمل والهدهد وبلقيس.
  • ورابعة: يجعل القصّة تمثيليّة فيذكر فقط من الألفاظ ما ينبّه في ابتداء العرض، ثمّ يدع القصّة تتحدّث عن نفسها بوساطة أبطالها، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾ [البقرة: 127] ؛ هذه إشارة البدء، أما ما يلي ذلك فمتروك لإبراهيم وإسماعيل: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127]، إلى نهاية المشهد الطويل، ولهذا نظائره في كثير من قصص القرآن الكريم.

ثانياً: تنوّع طريقة المفاجأة:

  • فَمَرّة يكتم سرّ المفاجأة عن البطل وعن القارئ، حتّى يُكشف لهم معاً في آن واحد، مثال ذلك قصّة موسى u مع العبد الصّالح، والعالم في سورة الكهف.
  • في أخرى يكشف السرّ للقارئ، ويترك أبطال القصّة عنه في عماية. وهؤلاء يتصرّفون وهم جاهلون بالسرّ وأولئك يشاهدون تصرّفاتهم عالمين وأغلب ما يكون ذلك في معرض السخرية ومثل ذلك ما نراه في قصّة أصحاب الجنة في سورة القلم. [بعض المبادئ التربويّة المستنبطة من قصّة يوسف، ص 33].
  • في ثالثة يكشف بعض السرّ للقارئ وهو خاف على البطل في موضع، وخاف عل القارئ وعن البطل في موضع آخر في القصّة الواحدة، مثال ذلك قصّة عرش بلقيس الّذي جيء به في غمضة، وعرفنا نحن أنّه بين يدي سليمان u في حين أنّ بلقيس ظلّت تجهل ما نعلمه نحن، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: 42]؛ فهذه مفاجئة عرفنا سرّها سلفاً، ولكنَّ مفاجأة الصرح الممرّد من قوارير ظلّت خافية علينا وعليها حتّى فوجئنا بسرّها معاً حين: ﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ [النمل: 44].
  • وفي رابعة: لا يكون هناك سرّ، بل تواجه المفاجأة البطل والقارئ في آن واحد، ويعلمان سرّها في الوقت ذاته وذلك كمفاجأة قصّة مريم.

ثالثاً: الفجوات بين المشاهد في عرض القصّة:

 تلك الفجوات بين المشهد والمشهد الّتي يتركها تقسيم المشاهد و (قص) المناظر مما يؤديه في المسرح الحديث: إنزال الستار. [بعض المبادئ التربوية المستفادة من سورة يوسف، ص 37].

مقاصد سورة يوسف (عليه السلام):

1- التّعقّل والتّدبّر والتبصّر، فقال سبحانه: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: 2]؛ أي: تعقلون ما أنزل الله تعالى من الآيات والقصص، وتتفكرون في مآلات الأمور، ولا تكتفوا بظاهر الأمور فقط، بل بباطنها ومآلاتها ونتائجها وآثارها، في الدنيا والآخرة.

2- إحداث الوعي الشّامل والتّوعية القريبة والبعيدة الكاملة حتّى يخرج المسلم عن الغفلة والسطحيّة، ويكون قادراً على فهم الأشياء والقضايا على حقيقتها ومقاصدها.

3- تقوية الإيمان بالله تعالى، والتّوكل الكامل عليه، وتفويض الأمر إليه: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [يوسف: 67]؛ فما على الإنسان إلّا الأخذ بالأسباب بقدر الإمكان مع التّوكل على الله حقّ التّوكّل.

4- الرضا التّام من المؤمن بقضاء الله تعالى وقدره، وحسن اليقين بالله تعالى، بأن المصائب والابتلاءات والمحن تحمل في طيّاتها المنح الربانيّة ما دام صابراً راضياً مطيعاً لله تعالى، فلا يستيئس من رحمة الله، ولا يقنط من فضل الله، بل يطمع في نصر الله، وفي تفريج الله تعالى ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87] ؛ فالسّورة تؤكّد على هذا المقصد من بداية محن يوسف u في البئر إلى السجن، ثمّ من السجن إلى القصر وإلى التّمكين. كما أنّ سيدنا يعقوب u كان يمثّل قمّة الرضا والأمل الكبير، وطردِ البأس والقنوت.

5- العبرة والاتّعاظ لأصحاب العقول السّليمة والألباب الواعية فقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كلّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [يوسف: 111].

6- بيان أنّ الحسد لا يعود بالخير حتّى على صاحبه بل يؤدّي إلى الخذلان والذلّ والهوان، وإن الله تعالى قد يجعل حسد الحاسد سبباً لارتفاع المحسود، فكما يقول الشاعر أبو تمّام:

وإذا أراد الله نشــــــــر فضيــــــــــــــــلة          طُويتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ
 لولا اشتعال النار فيما جاورتْ    ما كان يُعرف طيبُ عرف العود.

7- الدعوة إلى توحيد الله I وإنكار الشّرك وإفراد الله بالعبادة والدلالة على ملّة إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

8- الدّعوة إلى تزكية النّفس البشريّة من خلال التّعريف بها وبطبيعته وترغيب النّاس بمحاسبتها ومراجعتها، والرجوع إلى الله بالاستغفار والتّوبة.

9- الدّلالة على الطريق الّتي تؤدّي إلى تقوى الله من خلال بيان وإظهار ثمارها في حياة يوسف u وأنّه سبب للمخرج من كلّ ضيق وبها ييسّر الله الأمور وينوّر العقول، ويطهّر النّفوس، وبها تتنزّل البركات الماديّة والمعنويّة، وبها الحفظ من كيد الأعداء ومكرهم.

10- الإشادة بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة كالإخلاص والصدق والإحسان والعفّة، والكرم والعفو والصّبر والحكمة والعلم… إلخ.

11- أهميّة تقديم الخير والإحسان، ومعاونة النّاس على حلّ أزماتهم والتّخلص من نكباتهم مهما كانت عقيدة هؤلاء البشر ويكون ذلك الفعل والعمل ممّا يتقرب به إلى وجه الله I.

12- أنّ التّمكين لعباد الله I محض فضل من الله تعالى يسوق له أسبابه ويوفّر له شروطه، وسننه وصفات أهله وهو خاضع لمشيئته وقدرته.

13- أنّ القوة والتّمكين من الوسائل الّتي يتقرّب بها إلى الله في خدمة الفقراء والمحتاجين والمساكين وتقديم العون للمحتاجين، وصلة الأرحام مع الأقارب… إلخ.

14- بيان أنّ من كان مع الله كان الله معه، ومن وقع في الذنوب والمعاصي والآثام عاش في همّ وغمّ وحزن، كما أنّ رحمة الله قريبة من عبادة سواء الطائع، أو العاصي.

15- أنّ الغاية من الحياة تحقيق العبادة وعمارة الأرض والحرص على الوفاء على الإسلام، وأن يُلحق العبد بالصّالحين إلى غير ذلك من المقاصد والغايات في هذه السّورة العظيمة. [يوسف عليه السلام قدوة المسلمين في غير ديارهم، القره داغي، ص 20].

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من مسودة كتاب: “النبي الوزير يوسف عليه السلام”، للدكتور علي محمد الصلابي، واعتمد في كثير من معلوماته على كتاب: “يوسف عليه السلام”، للدكتور علي محي الدين القره داغي.

المراجع:

  • بعض المبادئ التربوية المستنبطة من قصة يوسف عليه السلام، محمد بن زريق الرحيلي، جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، 1434ه.
  • يوسف عليه السلام، د. علي القره داغي، دار النداء، إستنبول – تركيا، الطبعة الأولى، 2018م.
  • د. مسودة كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام، د. علي محمد الصلابي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى