الريسوني: “مونديال قطر استثنائي ومتميز ومتفوق على جميع الأصعدة ومشرّف لقطر وللعرب والمسلمين”
أجرى المكتب الإعلامي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حوارا مع فضيلة العلاّمة المقاصدي الشيخ الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا، وتناول معه في سطور حول مونديال قطر فيفا 2022م.
س: ما رأيكم في نجاح وتميز “كأس العالم فيفا قطر 2022” من جميع النواحي والأصعدة؟
الريسوني: رأيي لا يخرج عن الإجماع الذي رأيناه وسمعناه وهو أن هذا المونديال وهذه الدورة كانت استثنائية ومتميزة ومتفوقة على جميع الأصعدة، وخاصة فيما يرجع الى الجانب القطري، فشهادة الجميع من عرب ومسلمين ومن غربيين ومن أفارقة ومن جميع القارات ومن جميع المواقع. الحمد لله الجميع شهد لدولة قطر بأنها قامت وأدت هذا العمل على أحسن الوجوه وكانت ناجحة بل أكثر من ناجحة على جميع الأصعدة.. ربما كانت هناك بعض الإشكالات وبعض التجاوزات من الجمهور ومن المشجعين لكن هذا لا علاقة له بدولة قطر وهي جزئيات وأمور صغيرة ترجع إلى بعض الأشخاص وبعض المجموعات، لكن الجانب القطري أدى الذي عليه وكان مشرّفا لدولة قطر وللعرب والمسلمين ولكل من يهمه نجاح هذه الدورة والمناسبة.
س: برأيكم هل غيرت استضافة دولة قطر لكأس العالم 2022 الصورة الذهنية “المشوهة إن صح التعبير” التي رسمت عن الإسلام والمسلمين؟
الريسوني: هذا موضوع كبير جدا لأن هذه الصورة الذهنية والصورة النمطية أو لنقل بعبارة واضحة -الصورة المشوهة- في الغرب بصفة خاصة عن الإسلام والمسلمين ، هي صورة قديمة جدا وتم تركيبها وترويجها على مدى قرون. فمنذ احتك الإسلام بالإمبراطورية البيزنطية وبــ أوربا شرقها وغربها بدأت هذه العملية -عملية تشويه- لأنه لا سبيل عندهم لصد الإسلام إلا بتشويهه وتشويه أهله.
واشتدت هذه المعركة وحملة التشويه ضد الإسلام و المسلمين خلال الحروب الصليبية وكان للكنيسة الباع الأطول في ذلك واستمر ذلك عدة قرون، ثم بعد ذلك جاءت الحملات الاستعمارية -خاصة في القرن 19 والقرن 20- وأيضا تجند الغرب ربما بمفردات جديدة وبأساليب جديدة -فجنّد جيشا من المستشرقين- واستعمل مدارسه وجامعاته واكتسب نخبة ثقافية أو نخبة مثقفة من العالم الإسلامي التي أصبحت تردد كلامه وتدافع عنه فكانت هذه موجة جديدة من التشويه والشيطنة للإسلام والمسلمين ، ثم بعد ذلك جاءت هذه الموجة الجديدة وخاصة في غضون الــ 20 إلى 30 سنة الأخيرة بدأت حرب الإرهاب والتطرف والهمجية والتخلف والدموية إلى آخره، وهي الموجة التي ما زالت مستمرة الى الآن.
كثير من الجهود يبذلها المسلمون بأشخاصهم ومنظماتهم لمصارعة هذا المخطط ولمصارعة هذه الشيطنة وهذا التشويه وخاصة المسلمين المقيمين في الغرب.. الآن جاءت هذه المناسبة فقدمت دولة قطر خدمة كبيرة وجليلة سيكون لها ما بعدها ،، قد كان لها ما لها أثناء انعقاد هذه الدورة، رأينا آثارا كثيرة ورأينا الناس من الغربيين بصفة خاصة ومن أمريكا اللاتينية يرون الإسلام والمسلمين بشكل مباشر لا بدعاية لصالحه ولا بدعاية ضده،، رأوا الناس في أسواقهم في مساجدهم في طرقاتهم رأوا المسلمين في الملاعب مشجعين ولاعبين واعترف كثير من الغربيين بصفة خاصة بما رأوه أنه غير صورتهم ونظرتهم للإسلام وللدول العربية خاصة، والآن هناك سجال في الصحافة و وسائل الإعلام الغربية حول هذا الموضوع فهناك منصفون يعترفون بالحقيقة التي برزت بل ذهب بعضهم إلى مطالبة الدول الغربية بأخذ النصائح والتوجيهات والخبرات من “دولة قطر” بدل أن تقدم لها النصائح المضادة..
وكان لشهادة رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، أثر بليغ كان شجاعا ومنصفا ولكن هذه التحولات وهذه التأثيرات الإيجابية الآن تُوَاجه من قبل بعض المتعصبين والحاقدين الذين لا يقبلون بأي وجه من الوجوه أن يسمعوا كلمة خير وكلمة إنصاف في حق الإسلام والمسلمين..
إذن على الأقل نستطيع أن نقول الآن إن المعركة احتدمت ، المعركة الثقافية ومعركة القيم قد احتدمت حول صورة الإسلام ما بين الصورة الحقيقية وما بين الصورة المصنوعة والمزيفة كما ذكرت منذ قرون. وهذا تقدم كبير لأننا ألفنا أن وسائل الإعلام الغربية ليس فيها إلا صورة واحدة تزداد قتامة وتزداد سوءا يزيدونها سوداوية وشيطنة يوما بعد يوم لكن الآن لا. الآن هناك شواهد وهناك تجربة ماثلة والناس رأوا بدون تحريف ولا تضليل فظهر الجانب الآخر المنصف أكثر فأكثر. فإذن باختصار التغيير الذي أحدثته دولة قطر وسياستها وتنظيمها لهذا المونديال شيء واقع معترف به يتحدث الناس عنه الآن في مختلف وسائل الإعلام وفي مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ولكن الهجمة المضادة لإبطال مفعول هذا التأثير أيضا قائمة ، فإذن حسب السنن وقواعد الصراع والتدافع إذا استمرت هذه الصورة التي قدمتها دولة قطر وتكرّست ووجدت من يدافعون عنها فإن شاء الله ستتسع هذه الصورة وتجتذب الناس من غير المسلمين إلى الإسلام أو على الأقل إلى النظرة الإيجابية والمحايدة والمنصفة، وإلا فإن الجانب الآخر قد يلتف على هذه المكتسبات ويطمسها بما هو معهود عنده من أساليب ومن أفكار بدون شك ظلامية وشيطانية عن العالم الإسلامي وعن الإسلام بنفسه.
*******
ماذا عن الجهود المبذولة للتعريف بديننا الإسلامي الحنيف وشرح تعاليمه وتوضيح سماحته وسهولته ويسره؟
الريسوني: هذه الجهود طبعا قائمة دائما وقائمة منذ عقود في هذا العصر الحديث وهي تؤتي ثمارها على قدر ما يُقدّم فيها وعلى نوعية ما يُقدم فيها، ولكنها جهود مقدرة على العموم ولها أثرها -يعني جهود لم تبدأ اليوم ولم تبدأ يوم أمس ولكنها قائمة ومستمرة- ولا شك أن ما قدمته قطر خلال المونديال يُعد نموذجاً يحتذى به، فقد فسحت المجال للدعاة وللشباب المتطوعين وللعلماء ولأئمة المساجد أن يستقبلوا الناس وأن يحاضروا باللغات المختلفة وأن يتحاوروا بلغات مختلفة وقدمت مطبوعات ولافتات أيضا بلغات مختلفة فأعطت مثالاً ممتازا وأعطت دفعة قوية للجهود المتعلقة بالتعريف الحقيقي بالإسلام فكان عملا موفقا ونحسب أنه قد يُنتج نقلة في التعريف بالإسلام ويحدث نقلة لدى الآخرين في تقبل هذا التعريف.. الناس اليوم في أوربا وفي أمريكا اللاتينية وغيرهما أكثر استعدادا ورغبة في التعرف على الإسلام، فاذا القابلية للاستماع والتحاور بل هم يبحثون بأنفسهم هذا كله ارتفع هذا هو الجديد في مونديال قطر و ما بعده ان شاء الله.
*****
ما تعليقكم على الحملة الشرسة التي تعرضت لها دولة قطر من قبل بعض وسائل الإعلام الغربي للحيلولة دون استضافة الحدث أو نجاحه؟
الريسوني: هذه الحملة ليست مستغربة وليست مفاجأة فنحن نعرف أن وسائل الإعلام الغربية -خاصة تلك التي تمتلكها الصهيونية أو تقف وراءها وهي وسائل إعلام متصهينة من ذاتها كالوسائل الإعلام المسيحية المتعصبة البروتستانتية بصفة خاصة- فإذن هؤلاء معتادون على أن يحرّفوا كل ما لدى المسلمين من فضل وينسبون إليهم كل ما يمكن من سوء ومساوئ وشر .. فإذا أن تتمكن دولة قطر من الحصول على قرار بتنظيم هذه الدورة من المونديال كان بنسبة إليهم فلتة حاولوا ما أمكن ألا تقع ولما وقعت حاولوا ما أمكن أن لا تنفذ وحين بدأت تنفيذها حاولوا ما أمكن ألا تكونا ناجحة بل أن تنقلب إلى دعاية مضادة ضد دولة قطر وضد العرب والمسلمين ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل وخابت وخسرت وخرجت دولة قطر والعرب يعني خروجا مشرفا من هذا المونديال ، والآن كل ماهوا مطلوب من الدعاة ومن الشعوب ومن القادة أن يواصلوا هذه المعركة الحضارية وهذه المعركة الثقافية بأن يقدموا دائما مثلما قدمت دولة قطر، أن يقدموا نماذج مشرّفة ومشرقة عن الإسلام وعن أوضاع المسلمين وعن الشعوب الإسلامية وعن التاريخ الإسلامي هذه الجهود إذا لم تتواصل كما ذكرت سابقا يمكن للأعداء أن يقلبوا هذه الأمور كلها إلى ضدها، فإذن هيا معركة مستمرة وطويلة يجب أن نتعامل معها بنفس طويلا وأن يشترك فيها الجميع.
الآن الحمد لله في هذا العصر وفي هذه الحقبة من هذا العصر هناك ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي فحين نقول على الجميع أن يشارك فعلا الآن بإمكان الجميع أن يشارك في التحدث وفي إنتاج مواد وفي ترويج مواد، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال الشبكة العنكبوتية يستطيع الإنسان أن يقوم الآن بجهود تصب في الصين وفي اليابان وفي أوربا وأمريكا اللاتينية وفي أفريقيا وأصبحت المشاركة والمساهمة الفردية والشعبية متاحة وممكنة وتقيم الحجة علينا جميعا، كل واحد وفي كل يوم يستطيع أن يقدم خدمات جديدة ويدافع عن دولة قطر وتجربتها الرائدة التي أصبحت قاطرة للعرب وللمسلمين، وأن ندافع عن الإسلام بصفة عامة وأن نتحاور ونتذاكر مع المخالفين بالتي هي أحسن، فهذا متاح للجميع ولم يبقى عذر لأحد في ذلك وبالله تعالى التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: (المكتب الإعلامي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)