الصحوة الإسلامية في ميزان النقد
بقلم د. عبدالله المشوخي (خاص بالمنتدى)
مرت الصحوة الإسلامية بمراحل عدة أشبه ما تكون بمراحل نمو الإنسان حيث يقضي مرحلة الطفولة ضمن البراءة والفطرة السليمة، ووفق معيشة يسيرة .
ثم ما يلبث أن يكبر الطفل فتكبر طموحاته وأحلامه وآماله حتى يغدو شابا يافعا مسؤولا عن أسرة ليخوض غمار حياة تجمع كافة المتناقضات بين الأمل والألم والنجاح والفشل والفرح والترح والحب والكراهية والراحة والشقاء والطمأنينة والقلق ..الخ.
بعد ذلك يهرم وتهرم معه كافة الطموحات…
هكذا دورة الحياة لا تقف على حال واحدة بل من المحال البقاء على حال إنما هي أطوار شتى ولكل طور ما يناسبه.
كذلك شأن الصحوة في العصر الحديث سلكت مراحل عدة: أولاها محاضن تربوية تهدف إلى تزكية النفس وتحصينها من الوقوع من على شفير الهاوية الذي انتاب أغلب شرائح المجتمع من لوثات فكرية هدامة و معتقدات دخيلة فاسدة.
وكان من أبرز أولويات الصحوة كما ذكرت تزكية النفس وربطها بالله ضمن أسرة إيمانية هدفها الثبات على الحق والتواصي به.
و امتد العمل ليشمل فئات الشباب لاسيما الطلاب في كافة مراحلهم الدراسية وصاحب ذلك بعض المشاريع الخيرية ثم اتسعت الدائرة صوب المنافسة السياسية على مقاعد النقابات والبرلمانات والبلديات…الخ .
بعد ذلك أصبح للصحوة في بعض البلدان مقرات ومدارس ومعاهد ومستشفيات ومراكز وجمعيات خيرية …الخ .
هذا الكم الهائل من العمل المؤسسي اقتضى جيشا من الموظفين والعاملين والإداريين مما أدى إلى ظهور بعض الآفات بين أبناء الصحوة من تنافس وأثرة ومحسوبية ….إلى غير ذلك من أطماع الدنيا وزينتها التي أصبحت عند بعضهم مثارا للتنافس بعد أن كانت شبه معدومة مع بداية الصحوة.
ونتيجة لهذه الآفات التي اعترت بعض أفراد الصحوة انبرى بعض النقاد بالتركيز على نقد هذه الآفات من منطلقات شتى :
منهم وجه سهام نقده من منطلق الحرص والغيرة والخوف على مستقبل الصحوة من الانزلاق أو الانحراف أو فقدان البوصلة ومن ثم يخشى سقوطها.
ومنهم من يقف موقف الشامت المتربص الذي يهدف إلى تصيد الأخطاء من أجل تشويه الصحوة وتسليط الضوء على سلبياتها دون ذكر أية إيجابية لها بهدف التشويه والحط من قيمتها.
ومنهم من ينطلق من باب المصلحة الذاتية فإن أعطي رضي وإن منع سخط وغضب غضبة مضرية لا هوادة فيها.
ما يهمني الصنف الأول الناقد الغيور الحريص.. وسؤالي لهم:
هل يمكن أن تكبر الصحوة وتتشعب وتصبح لها مؤسسات ومصالح ومنافع وسلم قيادي ووظيفي….الخ وتبقى القلوب على ما كانت عليه يوم أن كانت في مراحلها الأولى دون مطامع دنيوية ودون مغانم؟.
وهل بلغ فينا الطموح والأمل في الصحوة بأن تكون وفق أحلام الفيلسوف اليوناني (افلاطون) ….المدينة الفاضلة؟.
وهل نريد من الصحوة أن تكون على منوال المجتمع المدني في عهدي (عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمر بن عبدالعزيز رحمه الله) لسنوات عدة فقط ونغض الطرف عن واقع مجتمعات وما شابها من أخطاء خلال عدة قرون من حروب ومعارك دامية بين الإخوة.
وتوريث للحكم لأفراد غير أكفاء وأحيانا لغلمان كوصاة على العرش حتى يتم بلوغهم .
وترف عاشه بعض الخلفاء والأمراء بل وتبديد أموال من بيت المال على شعراء من أجل مدحهم والثناء عليهم.
واستعانة بعضهم بالكفار على بعض.
واتخاذ بطانة من أهل البدع والسوء… إلى غير ذلك من المشاكل التي اجتاحت العديد من المجتمعات في ظل خلافة إسلامية.
بل لو عدنا إلى خير القرون فهل خلت من بعض المخالفات؟
• ألم يختلفوا فيما بينهم حتى وصل الأمر إلى حد الإقتتال؟.
• ألم يحرص بعضهم على المكاسب والمناصب وطلب الإمارة؟ .
• ألم يقل بعضهم من منطلق العصبية يا للأنصار فرد الآخرون يا للمهاجرين؟.
• ألم يفر أغلبهم يوم حنين تاركين رسول الله صلى الله عليه وسلم على أرض المعركة؟.
• ألم يؤثر فريق منهم الغنائم على أمر رسول الله صلى الله عليه؟.
• ألم يقولوا منا أمير ومنكم أمير؟.
كل ما سبق لم يحدث منه شيء أثناء الفترة المكية ولا مع بداية الفترة المدنية.. لماذا؟ لأن الدنيا لم تكن قد بسطت لهم كي يتنافسوها.
ولا يعني مما سبق تبرير الأخطاء أو القبول بها أو التسليم بالانحراف أو الرضى بالفساد أو عدم النقد أو عدم إنكار المنكر أو عدم المحاسبة كلا.. وإنما وجود صحوة خالية من الأخطاء أو المآخد ضرب من الخيال مخالف لطبيعة البشر ورغباتهم وميولهم وأطماعهم ومن يبحث عن صحوة خالية من المثالب فلا يجدها إلا في بطون الكتب أو في أحلام اليقظة.
وإذا ما أضيف لما سبق من مثالب داخلية كيد الأعداء الخارجي ومكرهم بالليل والنهار وتسليطهم للظلمة على رجال الصحوة ومحاولة تفتيتها والاجهاض عليها ووضع كافة المعوقات أمامها وتشويه سمعة رجالها ومحاولة اختراقها والنيل منها….لكل ماسبق يدرك كل ناقد للصحوة حجم ما تعانيه من عقبات ومتاعب حينها قد يلتمس لها بعض الأعذار لإدراكه حجم السهام المسلطة عليها وفق قول الشاعر:
ولو كان سهما واحدا لاتقيته ###
ولكنه سهم وثانٍ وثالثٍ
وبالرغم مما سبق يبقى النقد الموضوعي والواعي والبناء محل تقدير واحترام إذ يساعد قادة الصحوة ورجالها على تجاوز الأخطاء والعيوب التي قد تخفى على بعضهم، كما يساهم على تلافي السقوط أو الانحراف.
ولعل مقولة الفاروق رضي الله عنه: (رحم الله امرأ اهدى إلي عيوبي) تعد نبراسا لكل سالك طريق يبتغي النجاح وسلامة الوصول إذ أن الناقد الحريص الغيور الأمين خير من يعين على نوائب الدهر ويصحح الأخطاء ويقوّم الاعوجاج ويسدد الخلل ويساعد على تعديل المسار.
لذلك ينبغي على أصحاب القرار الإستماع لكل ناقد حريص واحترام وتقدير نقدهم واخذه بعين الإعتبار والعمل به حال تبين نفعه وامكانية تنفيذه وبذلك تستمر مسيرة الصحوة بسلام ونجاح نحو الهدف المنشود وإلا فسوف تشيخ الصحوة كما يشيخ الشاب اليافع ويصيبها الهرم ويهرم معها كافة الطموحات والآمال إن اتبعت هواها وأغلقت الباب أمام كل ناقد أمين.