فتوحات صلاح الدين الأيوبي في عهد نور الدين الزنكي
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
إنَّ الشجاعة من أَحْمَدِ الأوصاف التي يلزم الملك أن يتصف بها ضرورةً ، وأن تكون له طبعاً ، فيتطبع بها؛ ليحسم بهيبته موادَّ الأطماع المتعلقة بقلوب نظرائه ، ويحصل منه حماية البيضة ، ورعاية المملكة، والذبُّ عن الرعية، ولقد كان صلاح الدين من عظماء الشُّجعان ، قويَّ النفس ، شديد البأس ، عظيم الثبات ، لا يهوله أمر ، وقد حقق فتوحات عظيمة، في حياته العسكرية، وحقق إنجازات واضحة وكبيرة في عهد نور الدين الزنكي يظهر فيها ذكاؤه ودقة تخطيطه وحنكته العسكرية، ومن هذه الفتوحات:
1 ـ ضمُّ المغرب الأدنى:
عمل صلاح الدين على تحصين إنجازاته التي حققها في مصر ، وذلك بتأمين حدود بلاده؛ حتى لا يؤخذ على غرَّةٍ، وأسفرت جهوده عن ضمِّ المغرب الأدنى ، فقد كانت شمال إفريقية مرتبطةً عضوياً ًبمصر منذ الفتوحات الإسلامية الأولى ، فكان من الطبيعي أن تتَّجه أنظار صلاح الدين إلى ضمِّ بلدانها للاستفادة من ثرواتها من جهة ، وبفضل موقعها الجيد في حماية حدود مصر الغربية من جهة أخرى ، ففي عام 568هـ/1173م أرسل صلاح الدين قوةً عسكريةً إلى المغرب الأدنى بقيادة شرف الدِّين قراقوش ، غلام المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ، فدخل طرابلس ، وبرقة ، وبعض بلاد المغرب الأدنى؛ حتى قابس ، باستثناء المهدّيَّة ، وسفاقس ، وقفصة ، وتونس. [تاريخ الأيوبيين في مصر وبلاد الشام ص46]
2 ـ ضمُّ اليمن:
يدخل ضم اليمن ضمن المخطط النُّوري الهادف إلى توحيد جبهة إسلامية واحدة لمقاومة الغزو الصليبي. [تاريخ اليمن الإسلامي د. محمد عبده السروري، ص211].
وقد حقَّقت سياسة صلاح الدين في ضم اليمن إلى:
أ ـ التضييق على أنصار الفاطميين ، وبخاصة: أنَّ والي اليمن عبد النبي بن مهدي كان شيعياً رافضياً ينتمي إلى خليفة مصر الفاطمي.
ب ـ استطاع صلاح الدين تأمين حدود مصر الجنوبية؛ لأنَّ ضم اليمن؛ الذي يُعدُّ مفتاح البحر الأحمر من ناحية الجنوب يؤمن له السيطرة العسكرية ، والتجارية على الأقاليم الجنوبية ،
|
ويبُعد احتمال حدوث تقارب بين الصليبين الذين يتطلعون للسَّيطرة على البحر الأحمر ، وبين الحبشة التي تدين بالدِّيانة النصرانية؛ حتى لا يقع بين فكي الكماشة الصليبية على سواحل البحر المتوسط في الشمال ، والأحباش على سواحل البحر الأحمر في الجنوب.
ج ـ كانت اليمن آنذاك تمرُّ بمرحلة عدم استقرار ، تتنازعها الأهواء السياسية ، والدينية ، والمذهبية، وبخاصة بين زبيد، وصنعاء، كما ظهر دعيُّ زعم: أنَّه المهدي المنتظر، هو عبد النبي بن مهدي، وتغلَّب على اليمن، وخطب لنفسه بعد أن قطع الخطبة للعباسيين، وتسمَّى بالإمام ، وبنى على قبر أبيه قبَّةً عظيمةً ، وأمر أهل اليمن بالحجِّ إليها، ومنعهم من الحجِّ إلى مكة.
د ـ أراد صلاح الدين وضع حدٍّ لهذه التجاوزات ، والمساوئ التي تُهدِّد وحدة المسلمين ، وبخَّاصةٍ بعد أن أرسل إليه أهل اليمن يستنجدون به لإنقاذهم. [تاريخ الأيوبيين في مصر وبلاد الشام، ص48].
ومهما يكن من أمر؛ فقد وجه صلاح الدين سرية بقيادة أخيه الأكبر شمس الدولة توران شاه الذي ورد مكة ، فاعتمر بها ، وسار منها إلى زبيد ، فامتلكها ، كما سار إلى عدن ، وامتلكها ، ومنع الجيش من نهبها ، وقال: ما جئنا لنخرب البلاد ، وإنما جئنا لعمارتها ، وملكها ، ثم سار إلى بقية الحصون ، والمخالف ، والمعاقل ، فملكها ، واستوثق له ملك اليمن بحذافيره ، وخطب للخليفة العباسي. [الطريق إلى بيت المقدس، ص96].
وقتل الدَّعي المسمَّى بعبد النبي؛ وصفت اليمن من أكدارها، وعادت إلى ما سبق من مضمارها، وكتب شمس الدولة إلى أخيه الملك الناصر صلاح الدين يخبره بما فتح الله عليه ، وأحسن إليه ، فكتب الملك صلاح الدين بذلك إلى نور الدين ، فأرسل نور الدين بذلك إلى الخليفة يُبَشِّره بفتح اليمن ، والخطبة بها له.
3 ـ فتح بلاد النوبة:
وكانت النوبة وقتها مملكة نصرانيةً عاصمتها مدينة دنقلة ، تقع في أعالي النيل ، وتربطها بمصر روابط متينة بشكل عام منذ الفتح الإسلامي ، ولمَّا قامت الدولة الأيوبية في مصر؛ أراد صلاح الدين فتح بلاد النوبة لحماية مصر من التعدِّي عليها من ناحية الجنوب ، وأرسل أخاه تورانشاه في شهر جمادى الاخرة عام 568هـ/شهر كانون الثاني عام 1173م إلى بلاد النوبة ، ففتح إبريم ، وسبى ، وغنم ، ثم عاد إلى قوص ، ودخل الإسلام إلى أماكن لم تطرقها سنابك خيل المسلمين من قبل ، وعيَّن إبراهيم الكردي والياً عليها [تاريخ الأيوبيين في مصر وبلاد الشام ص49]. وكان هذا الفتح سبباً في إزالة الحواجز التي كانت تؤول دون انتشار الإسلام فيها. [جهاد الأيوبيين والمماليك ضد الصليبيين والمغول د. فرست ص52].
المراجع:
- تاريخ الأيوبيين في مصر وبلاد الشام والجزيرة ، محمد سهيل طقوش ، دار النفائس ، الطبعة الأولى ، لبنان 1400 هـ 1999 م.
- تاريخ اليمن الإسلامي، د. محمد عبده السروري، مكتبة خالد بن الوليد، صنعاء، الطبعة الثانية 2003 م.
- الطريق إلى بيت المقدس ، د. جمال عبد الهادي د. وفاء محمد رفعت ، دار التوزيع والنشر الإسلامية طبعة ثانية 1422 هـ 2001 م.
- جهاد الأيوبيين والمماليك ضد الصليبيين والمغول ، د. فرست مرعي ، صنعاء 2003 م الطبعة الثانية ، المنتدى الجامعي.
- صلاح الدين الأيوبي، د. علي محمد الصلابي.