التراث الإسلامي في الهند: روعة التاريخ وصرخة الحاضر
بقلم صبغة الله الهدوي (خاص بالمنتدى)
على حين تعلو من أبواق المنظمات الهندوسية المتطرفة صرخات لتدمير وتزوير الآثار الإسلامية في الهند فمن كشمير إلى كيرالا، ومن بنغال إلى غجرات تمتمد ظلال التراث الإسلامي الوارفة على مدى ماضيها وحاضرها، مساجد عريقة جذورها وشامخة مآذنها لتطل على الحاضر وتستغيث لاسترداد بوحها المفقود، وشوارع تحمل أسماء السلاطين الأعلام الذين مروا بها بأبهتم ونكهتهم من إله باد وفيروزاباد وأحمد آباد وحيدر آباد وسكندر آباد وأخرى تقف منهارة بعد أن كانت تملأ الدنيا شهرة وصيتا، فللهند تاريخ عميق، وجذور متعمقة أكثر، كانت كنف الحضارات وراعية الفنون، وعاصمة الثقفات المتنوعة، مرت على متنها الفرسان والسلاطين الذين جاءوا من الجزيرة العربية وإيران وأفغان وتركيا، وعاش فيها الرهبان والدروايش، لتكون مجمع الأديان القديمة والحديثة من الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والجينية والسيخية والهندوسية، فكلها تركت على روحها بصمات هائلة وجميلة لترفع الهند شعارها الخالد ” الوحدة في التنوع”، وأما الإسلام كان له القسط الكبير في هذا المجال كما قال علي الطنطاوي رحمه الله ” إن أكثرنا يجهل تاريخ الإسلام في الهند، فتاريخها يعدل ربع تاريخ العالم الإسلامي”، لأن الحضارة الإسلامية كانت أداة التفاعل والتواصل مع الحضارات العالمية الأخرى وذلك في إطار أخذ وعطاء وتأثير وتأثر، فمنذ أن غزاها محمد بن قاسم السند وتلاه محمود الغزنوي ومحمد الغوري أصبح الحكم الإسلامي ينتشر ويزدهر في مختلف مناطق الهند من السلاطين الخلجية والباهمية والمغولية، إذن فماذا خلفت كل هذه السلاطنة المسلمة في الهند، وكيف شقت طريقها إلى روح الهند، وكيف سيطرت قلوب الملايين من البشر الذين لم يعرفوا عن الإسلام إلا القليل، وما هي المآثر والمعالم الإسلامية التي تتباهى بها الهند حتى الآن؟، ففي خضم المساعي الهدامة من قبل أطراف عدة لطمس الهويات الإسلامية ورسمها من جديد في قالب هندوسي يجدر بنا البحث عن سيادة الفنية الإسلامية التي تركت على روح الهند آثارا رائعة.
تاج محل : شعر منحوت من الرخام الأبيض
يعد تاج محل من أجمل وأخلد ما تركه المغول في الهند، بناه السلطان شاهجهان تذكارا لزوجته ممتاز محل، ويعد تاج محل أحد الأعجوبات العالمية السبعة لما يمتلك من رونق وألق وبهاء، ويطل على ضفاف يامونا ليكون رمز الحب والغرام في وقت تشتعل الهند عنفا وكراهية، بل هو يعكس واقع مسلمي الهند، فكلما كان ضوءه ألمع كان المسلمون في نمو وازدهار فلما بدا بريقه يخفت أصبح المسلمون يندب حالهم، وهكذا أصبح تاج محل رمز المد والجزر لمسلمي الهند.
قلعة آغرا الشموخ والمجد
تقع قلعة آغرا أو القلعة الحمراء في آغراء بولاية أوتربرداش بعيدا من جارتها الحسناء تاج محل، بناها السلطان أكبر في آغرا وقت آن كانت عاصمة السلاطين المغولية، وتضم هذه القلعة عدة منشآت مغولية من أهمها بوابة الغزنوي وشاهجهاني محل وجرس العدل الشاهجهاني.
قلعة دهلي
بناها السلطان شاهجهان بنفس الهندسة والمعمارية التي بنيت عليها قلعة آغرا لتكون دهلي العاصمة الجديدة للإمبراطورية المغولية ومن بعدها عاصمة الهند مع ما تحمل من أريج التاريخ والحضارة، وفي أيام الهجمات التي قام بها الملك نادر شاه تم سرقة المجوهرات والأشياء الثمينية من القلعة كما تعرضت لأحداث تخريبات مسلسلة إبان فترة 1857م حيث اندلعت الثورة الاستقلالية الهندية الكبرى، وقد تم إدراجها في قائمة يونيسكو للتراث العالمي.
قطب منار سبابة تشهد أن المجد كان لنا
فحين تقف تحت ظلال ظلال قطب منار المهيبة يستوقفك التاريخ والحاضر، بل ينفخ في روحك الهامدة نوعا من الطاقة القوية لتدفعك إلى الأمام، فقطب منار تعد الأطول من نوعها في الهند وثان أطول المنارات في العالم الإسلامي بعد منارة الجيرالدا في أشبيلية، وقد قامت منظمة يونسكوا بإدارجه في قائمة التراث العالمي، يقع قريبا من دهلي، بناه السلطان قطب الدين أيبك ليكون منارة مسجد قوة الإسلام الذي يعد أول بيت للناس في دهلي، وللحكام المماليك من سلالة الأتراك فضل كبير في نشر الإسلام وترسيخ قواعده على عموم شمال الهند.
تشار منار: البوابة إلى عمق التاريخ
لمدينة حيدرآباد نكهتها الخاصة، وأجواءها توحي إليك جمال المعالم وجلال الأيام الماضية، هي غضة بالآثار الإسلامية، وقد اهتم حكامها بتعميرها وإثراءها مساجد وحدائق ومكاتبا، وتشار منار عبارة عن أربع منارات شاهقة تبلغ 48.7 متر عن الأرض، بناها السلطان محمد قلي قطب شاه السلطان الخامس من سلالة قطب شاه، فثمة رواية تتحدث عن وباء الطاعون الذي هاجم الدكن، وأن هذا البلاء رفع عن الإقليم بعد توجه محمد قولي قطب شاه بالصلاة والدعاء ليرفع الله عن رعيته الوباء الأسود، حيث أمر السلطان بتشييده في ذات الموضع الذي تمت فيه الصلاة ورفعت والدعوات، وبجوارها يقع مسجد مكة الذي يعد من أكبر مساجد الهند حيث يضم أكثر من عشرة آلاف مصلين، وسمي بمسجد مكة لأنه بني على الأحجار التي أتيت من المكة تيمنا وتبركا، ولآخر يوم الجمعة من رمضان في مسجد مكة نكهة خاصة تملأ في القلوب المؤمنة الشجو والحزن من وداع موسم الخيرات، ولشهود هذه اللحظات الشجية يحضر الآلاف من المناطق المجاورة لحيدآباد.
وعلاوة على هذه المآثر الجميلة والجليلة تركت العهود الإسلامية أثرا كبيرا في نفوس الملايين الهنود، ليعتنقوا الإسلام ويستنيروا بنوره، ومن لم يعتنق علم وأدرك القوة الروحية التي يفرزها الإسلام لأتباعه، وامتدت تلك التأثيرات الإسلامية إلى جميع المعتقدات والأفكار كما امتدت ظلالها إلى الفنون والعلوم من الهندسة المعمارية والأناشيد الروحية واللغات والأدبيات ونمط الحياة العامة والثقافة، وهكذا عمر الإسلام أكبر دولة ديمقراطية في العالم وثاني أكبر بلد من حيث عدد السكان، ليقول عنها المؤرخون ” لقد كانت الهند أندلس الشرق، عوضها الله للأمة عن أندلس الغرب” فكانت كذلك لولا هذا الواقع المرير الذي لا يبث إلا العنف والكراهية.