مع رمضان
بقلم د. عبدالله المشوخي (خاص بالمنتدى)
الكل يتحدث عن الشهر الكريم.
الكل يفرح ويبارك بمقدمه.
يجود فيه الناس لا سيما في أوله.
المساجد تغص بالمصلين بما في ذلك صلاة الفجر فلم تعد يتيمة بصف واحد.
المصاحف لا يكاد ترى لها أثراً على الرفوف بعد أن بقيت عدة شهور وقد اعتلاها الغبار .
الرحم تسعد بالصلة بعد قطيعة وطول انتظار.
بطون الفقراء تمتلئ بعد شهور من الخواء.
شهر خير وبركة يحمل معه أسمى معاني العطاء والإحسان.
ولكننا لو أمعنا النظر، لوجدنا أننا حققنا شيئا من الصيام وأخفقنا في تحقيق الجانب المهم، وهو تحقيق الصوم،
صوم الجوارح عن اقتراف الآثام.
من السهولة الامتناع عن الأكل والشرب ولكن من الصعوبة بمكان لجم اللسان وغض البصر وكف الجوارح عن الآثام.
الهدف من الصيام يتحقق بالوصول إلى التقوى.
قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
والتقوى بحاجة لجسم يسيطر فيه الروح – الذي هو من أمر الله – على الجسد الذي خلق من طين ويعشق الشهوات .
إنها النفخة من روح الله متى تمكنت من السيطرة على الجسد، جعلته يدب على الأرض وقلبه يتجه صوب
السماء، يتخيل نعيم الجنة ويرجوها. ويتخيل عذاب السعير ويتعوذ منها.
ولكي تتم سيطرة الروح على الجسد، كان لا بد من ترشيد قوة الشهوات وكبحها، وفي مقدمتها شهوة البطن وشهوة الفرج ، وذلك بالامتناع عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لمدة شهر.
كان لا بد من إرشاد العقل إلى التدبر في كلام الله آناء الليل وأطراف النهار في شهر القرآن.
كان لا بد من ترطيب اللسان بذكر الله.
كان لا بد من القيام والتهجد لترويض الجوارح على الوقوف بين يدي الله.
أما إذا اتبعنا الشهوات، وأطلقنا لها العنان وفق رغباتنا وهوى أنفسنا ، وأشغلنا ليلنا بالمسلسلات والأفلام وسائر الملهيات ، ونهارنا بالنوم ، وأفطرنا فطور المنتقم ، وتسحرنا سحور المودع ، فإن التخمة سنتجاور يطوننا لتطغى على قلوبنا، والملهيات ستشوش عقولنا وتسبب لنا غشاوة على عيوننا، فلا نستطيع أن نبصر الحق
من الباطل.
يا معشر الصائمين. إننا بحاجة إلى صيام بمفهومه الشامل.
تقبل الله من الجميع وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.