مقالاتمقالات المنتدى

قياس الوِرد القرآني بالوقت!

قياس الوِرد القرآني بالوقت!

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

 

يُقبل كثير من المسلمين في رمضان على قراءة القرآن بحماس بالغ، وهو أمر طيب ويضاف إلى بركة رمضان الذي اكتسب جزءً مقدراً من بركته من تنزّل القرآن فيه، لكن بنظرة فاحصة للمخرجات الناتجة عن هذه القراءة، تُظهر أنها ما زالت دون المدخلات بكثير؛ إذ يتنافس القراء على تلاوة أكبر عدد ممكن من المصاحف خلال الشهر، وقد تجد من يقرأ القرآن عشر مرات في الشهر، لكنك في الغالب لا تلحظ تطورا واضحا في شخصية القارئ الفكرية والسلوكية، وربما لا ترى أي فرق بين ما كان عليه هذا القارئ الصائم في شعبان وما صار إليه في شوال!

ومن خلال دراستي المتأنية لأقفال التدبر ومفاتيحه، وجدت أن العجلة من أهم أقفال التدبر، إذ يحرص كثيرون على قراءة أكبر عدد ممكن من الآيات خلال زمن قصير، ومن هنا فإنني أقدم نصيحة ومقترحا إلى محبي القرآن بأن يقيسوا وِردهم اليومي بالوقت الذي عمروه بالقراءة وبالمعاني التي أضاءت عقولهم والمشاعر التي عمرت قلوبهم في تلك الأثناء، لا بكمية الآيات التي قرؤوها والصفحات التي طووها.

وينبغي أن لا تنسى أيها القارئ الكريم أن الله راعى ظروفك، فقال: {فاقرؤوا ما تيسّر منه}، ولكنه عند الخوض في القراءة حثك على التدبر الذي يتطلب الأناة في التلاوة وتفعيل المدارك العقلية في محاولة فهم المراد بقدر الإمكان، مع استحضار عظمة من يخاطبك وافتراض أن القرآن أنزل اليوم عليك وكأن الله عز وجل يخاطبك وحدك من دون الناس، والانفعال بآيات الترغيب والترهيب والتفاعل مع القصص الواردة في القرآن، وإعمال العقل في استنباط الدروس والعبر وتنزيلها على الوقائع المتحركة في الواقع.

ولقد وصف الله المؤمنين في تفاعلهم مع القرآن الكريم، فذكر أنهم {يتلونه حق تلاوته}، فهل تلاه حق تلاوته من أنجز الكثير من الألفاظ ولم يستوعب حتى القليل من المعاني؟!

هل تلاه حق تلاوته من استغرق في تلاوته مع حرص ظاهر على الإنجاز السريع في ظل غياب العقل عن التفكر وخواء القلب من التبصر؟

هل تلاه حق تلاوته من جعل الإكثار غاية، اندفع من أجل الحصول عليها إلى تجاوز تعاليم القرآن نفسه الذي قال لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه وقل ربي زدني علما}؟!

ألم تربط هذه الآية بين عدم العجلة في القراءة وبين الاستزادة من العلم؟ وإذا كان هذا النهي عن التعجل للرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان خارقا في ذكائه ونباهته وفريدا في حساسيته ومشاعره، فكيف بغيره من المسلمين؟!

ألم يقل الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أيضاً: {لا تُحرك به لسانك لتعجل به}؟ أيعقل أن ينهى الله أعظم رجل في العبقرية والذكاء، عن التعجل بقراءة القرآن ويسمح للناس الذين لا يملكون نبوغه وعبقريته بالتعجل؟!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى