مقالاتمقالات المنتدى

بين رؤية القائد و رؤية الفرد

بين رؤية القائد و رؤية الفرد

 

بقلم د. عبدالله المشوخي (خاص بالمنتدى)

 

هناك تباين واجتهاد مختلف بين نظرة القائد ونظرة الفرد العادي في الحكم على الأشياء.
فغالبًا نظرة الفرد للأمور ترتبط بحالته النفسية واجتهاده الشخصي ونظرته للأمور من زاوية معينة متأثراً بواقعه ومعيشته و نشأته و ثقافته وبيئته … إلى غير ذلك من المؤثرات.
بخلاف القائد الذي صقلته التجارب و شعوره المفعم بالمسئولية و مراعاته لمصالح البلاد والعباد واحاطته للأمور ونفاذ أمره لذلك يرى ما لا يراه عوام الناس….(وهنا اعني بالقائد المخلص الذي يحرص على مصالح رعيته).

و عودة إلى تباين المواقف بين القائد والفرد العادي نسوق بعض الأمثلة:

عندما تولى الخلافة أبوبكر الصديق رضي الله عنه امتنعت بعض القبائل عن دفع الزكاة، فأمر الصديق بقتالهم فقال له عمر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها، وحسابهم على اللّه عزَّ وجل).
فرد الخليفة : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.

و هذا الخليفه عُمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يرفض تقسيم أرض السواد ( العراق )على الفاتحين رغم الحاح بعض الصحابة عليه وذلك اجتهادا صائباً منه رضي الله عنه ؛ كي يكون نفع الأرض لكافة الأجيال القادمة.

وهذا الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه يُطالب الصحابي الجليل (أبو ذر رضي الله عنه ) أن يعتزل الناس عندما اجتهد بحمل الناس على تحريم الإدخار و أن كل من يمسك مالاً زائداً عن حاجته فهو آثم مُتأولاً قوله تعالى:(والذين يكنزون الذهب والفضة …..الاية) و ذلك خشية أن يسبب فتنة بين الناس.

وهذا امير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرفض طلب بعض الصحابة بالقصاص من قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه قبل استتباب الأمور وعقد البيعة على إمام واحد والتحقق من القتلة.

وهذا الخليفة الخامس عُمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يرد على ابنه الذي طالبه بسرعة الإصلاح قائلا : ( لا تعجل يابُني فإن اللَّه قد ذم الخمر في القرآن مرتين و حرمها في الثالثة و إني أخافُ أن أحمل الحق على الناس جملة فيدفعوها جملة ويكون في هذا فتنة ).

مما سبق يتضح أن نظرة المسئول تختلف عن نظرة الفرد فغالبًا ما تتسم نظرة القائد بالشمولية وتحقيق مصالح العباد والبلاد و التدرج في الإصلاح و إدراك مقاصد النصوص و تجنيب الناس الفتن و معالجة الأمور بحكمة و روية و مراعاة المصالح من المفاسد والإلمام بفقه الضرورات و فقه مرحلة الضعف و الشدَّة و الضيق وتقدير الامكانات ومشاورة أهل الرأي والخبرة بخلاف الأفراد فقد يحكم من زاوية ضيقة أو من منطلق اجتهاد شخصي إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر ، ولكن اجتهاده لا يترتب حملُ الناس عليه أو وجوب الأخذ به.
لذلك نجد بعض الأفراد يطالبون من القادة المخلصين طلبات مثالية أو يحتجون على قرارت معينة دون الأخذ بالاعتبار للظروف المحيطة لاجتهاد القادة والتي قد تخفى على بعضهم.
فالقيادة تتطلب الحُنكة والتكتيك وادراك المعادلات وفقه الموازنات والأولويات وكما ذكرت فقه الضرورات و ادراك المصالح من المفاسد و الاطلاّع على كافة الأمور لاسيما فيما يتعلق بالظروف الدولية وتشابك العلاقات والمصالح وموازين القوى وسائر التعقيدات بين الدول إضافة الى مشاورة أهل الرأي والتدبير.

في الختام ليتنا قبل التسرع في إصدار الأحكام أن نضع بعين الاعتبار كافة مسوغات اتخاذ القرار لدى القادة (المخلصين) قبل الحُكم عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى