تطبيق الاشتراكيَّة في دار الإسلام: أسبابه وتداعياته المؤسفة 9 من 10
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
إفرازات الآلة الإعلاميَّة لبثّ الفكر القومي وتأييد الاشتراكيَّة
أصدرت السُّلطات الرَّسميَّة المصريَّة قرارًا ببدء البث التّلفزيوني في أعقاب نجاح ثورة يوليو 1952م، لكنَّ العدوان الثُّلاثي أواخر 1956م أعاق تلك الخطوة حتَّى نهاية عام 1959م، ليبدأ البثُّ المتلفز في 21 يوليو 1960م، نقلًا عن موسوعة ويكيبيديا الرَّقميَّة. ويُشهد بأنَّ الإنتاج الإعلامي استهدف استقطاب الجماهير العربيَّة إلى الفكر الاشتراكي بعد إذكاء الحس القومي لديهم، وإقناعهم بأنَّ سبيل نهضة العرب والقضاء على الاستعمار، متمثّلًا في الكيان الصُّهيوني، يكمن في القوميَّة العربيَّة المدعومة بنظام اشتراكي يقوم على التَّشارك في الثَّروات. ومن بين ما أنتجه التّلفزيون المصري أغنية “صوت الجماهير”، التي أُنتجت عام 1960م، وتعتبر من أفضل النَّماذج على إشاعة الفكر القومي العروبي بين العامَّة ونبْذ مساعي التَّشتيت والفُرقة، “الظـــلم حــاول يـعادى دايما شـــمل القلوب“. تندّد كلمات الأغنية بالاحتلال الصُّهيوني لأرض فلسطين، بل وتنادي بالكفاح في مواجهة الاحتلال “باسم اتحادنا قوم يا كفاحنا قل للصهاينة المعتدين“، ولكن يشترط لنجاح هذا الكفاح لمّ الشَّمل العربي ورفْع راية العروبة، “راية العروبة عرفت نجومها من عام ثمانية وأربعين“. تعلن الكلمات بداية العمل الثَّوري في فلسطين باسم الجماهير“، كما تدعو الجماهير للثَّأر بالقوَّة من المتآمرين، “مهما تآمروا عليك حقك خذوا بإيديك”.
صوت الجماهير هو اللي بيصحي الاجيال | صوت الجماهير هو انتفاض عزم الابطال |
هو اللي بيتكلم هو اللي بيتحكم هو البطل ورا كل نضال | |
مـــن عهد ادم والظـــلم حــاول يـعادى دايما شـــمل القلوب | والشعب دايما كان صوته عالي والنصر دايما كان للشعوب |
في تاريخ كل نضال | على مر الاجيال |
يبتدى من همسات بترج آهات الظلم في كل ضمير | |
وانتصرت خطوات | وانطلقت صيحات |
تفضل تكبر تفضل تعلا لحد ما تبقى صوت الجماهير | صوت الجماهير صوت الجماهير |
واليوم بنجني ثمار جهادنا والخطوة عايزة عزم وثبات | في كل خطوة ملايين بتبني أجيال طويلة بالمعجزات |
أتقابلوا الملايين | يوم ثلاثة وعشرين |
يوم الشعب العربي ما فجَّر أول ثورة للتَّحرير | |
أتعاهدوا الثوار | واتفقوا الأحرار |
يبنوا طريق العزة وحطوا أيديهم في أيدين الجماهير | صوت الجماهير صوت الجماهير |
بطل العروبة رسم حروفها خطوط عريضة فوق الطريق | أهـــلا ومرحب بكل عربي يمد أيده لأخوه الشــــقيق |
أهلا بالأبطال | صناع الأجيال |
يا اللي الوحدة الأم طريقكم خلوا بقية الركب يسير | |
سيروا بعون الله | واسعوا بأمر الله |
غير الله ما في قوَّة حتوقف من تيار زحف الجماهير | صوت الجماهير صوت الجماهير |
باسم اتحادنا قوم يا كفاحنا قل للصهاينة المعتدين | راية العروبة عرفت نجومها من عام ثمانية وأربعين |
حطَّمنا الأصنام | ومحينا الخدام |
ما بقاش فيه عميل بيردد صوت أسياده على المزامير | |
خط النار موجود | والجماهير بتسود |
دقت ساعة العمل الثَّوري في فلسطين باسم الجماهير | صوت الجماهير صوت الجماهير |
يا دولة كبرى فرضت وجودها فداك يا ما ضحى شباب | شهيد حياتك عرف النهارده مارحش دمه تحت التراب |
عهد على الملايين | عهد بألف يمين |
نحمي تراب أرضك ياجزائر ونحوش عنك بحب كبير. | |
عهد على الملايين | عهد بألف يمين |
عاش النصر بأرض اليمن الحرة وعاش صوت الجماهير | صوت الجماهير صوت الجماهير |
يا شعوبنا الحرة يا عربية كافحي وزيدي ثبات وعناد | وان كان فيه للغدر بقية نار الغدر حطبها رماد |
نار بتصحينا…نار بتقوينا | مهما اتآمروا علينا…مبادئنا بتحمينا |
مابقاش فينا خضوع | بابتسامات ودموع |
توب الغدر بيفضح نفسه حتى ولو ملفوف بحرير | |
خط السير معلوم | وطريقنا مرسوم |
هو الوحدة والاشتراكية والاتنين هدف الجماهير | صوت الجماهير صوت الجماهير |
وهناك نموذج آخر لتمجيد “بطل العروبة”، كما أطلقت عليه أغنية “صوت الجماهير”، ولتعظيم شأن نهجه في توزيع الثَّروة على أفراد الشَّعب المصري، من خلال تأميم الشَّركات والمصانع ومصادرة الأراضي الزّراعيَّة، “أرض ولادي ورجعت ليَّه“، من الرَّأسماليين والإقطاعيين الذين أذاقوا الشَّعب الويلات، “حرمونا سنين وســــنين“. تشهد كلمات الأغنية بتضاعُف الإنتاج القومي، وتحقيق اكتفاء ذاتي يغني عن الاستيراد، بل وازدياد الإنتاج عن الحاجة لدرجة تصدير الفائض وتعظيم الدَّخل القومي، “الخير زاد منا وفاض والفايض صدَّرناه“؛ فتحقَّق للشَّعب الازدهار والرَّخاء، “حققنا بعون الله للشَّعب دعاه ومناه”.
عاش الجــيل الصاعد عاش | جيل من شعب مجاهد عاش |
عاش يبني ويجاهد عاش بكفاحه الخالد | راجل واحد مبدأ واحد |
عاش جيل ثورتنا عاش | |
عاش الجندي يوم ما حطم شوكة الاسـتعمار | كان عنوان النَّصر الثَّوري في كل بلد أحرار |
وسـمعناه بيقولها قويَّة | باسم مبادئ أمَّة أبيَّة |
أنا خط هجوم ودفاع أنا رمز سلام وصراع | أفدي بالرُّوح وأعيش في النَّصر بطل وشجاع |
حيُّوا معايا قولوا معايا | عاش الجندي العربي عاش |
عاش الزَّارع يوم الشَّمس ما حست بيها عينيه | فرشت نورها وكبر الزرع وهو مداري عليه |
وسمعناه بيقولها قويَّة | أرض ولادي ورجعت ليَّه |
حرمونا سنين وســــنين | وافتكروا النَّاس نايمين |
وطلعنا عليهم يوم | خلَّصنا حقوق ملايين |
حيُّوا معايا قولوا معايا | عاش فلاح الثَّورة عاش |
عاش الفن حضارة لأمَّة يبنيها الفنان | يروي حياتها في غنوة في كلمة في صورة بروح وإيمان |
وســمعناه بيقولها قويَّة | مجد بلادي عهد عليَّ |
قلبي وروحي ملك لفني والاثنين لبلادي هدية | |
حيوا معايا قولوا معايا | عاش الفن رسالة عاش |
عاش العامل يوم ما فكر يبني لبلده دار | فيها مداخن طالع منها لهب النور والنار |
وسمعناه بيقولها قويَّة | ده إنتاجي وصنع إيدي |
حققنا بعون الله للشَّعب دعاه ومناه | والخير زاد منا وفاض والفايض صدَّرناه |
قولوا معايا حيوا معايا | عاش عاش العامل عاش |
عاش الطالب يوم ما طلب العلم كتاب وسلاح | عرف العلم وســـــيلة تحقق غــــاية كل نجاح |
وســـمعناه بيقولها قويَّة | في الإعدادي وفي الكليَّة |
العلم ســـــــلاح جبار بيحوّل ليلنا نهار | يسعى للنُّور بالنُّور ويواجه النَّار بالنَّار |
قولوا معايا حيوا معايا | عاش الجيل الصَّاعد |
عاش الشَّعب العربي كله شعب سلام وأمان | عاش الوعي العربي كلُّه ثورة في كل مكان |
ثورة مـــارد للحريَّة | هب ونادى بالقوميَّة |
ردّينا عليك يا جمال وإيدينا ف إيديك يا جمال | وطلعنا معاك يا جمال نبني ويَّاك يا جمال |
حيوا معايا قولوا معايا عاش عبد الناصر عاش |
أغنية الجيل الصَّاعد
يبدو حرْص الآلة الإعلاميَّة في تلك الحُقبة على استعراض القوَّة العسكريَّة والتَّأهُّب لتغيير الواقع بقوَّة اليد، كما تقول أغنية “صوت الجماهير” في إحدى عباراتها “مهما تآمروا عليك حقَّك خذوا بإيديك“، وتقول في أخرى “خط النار موجود“، في إشارة إلى الاستعداد لخوض أيّ معركة في مواجهة أعداء الوحدة العربيَّة في الخارج، بعد أن طهَّرت الثَّورة الدَّاخل من العملاء “محينا الخدَّام… ما بقاش فيه عميل بيردد صوت أسياده على المزامير“. يمضي ركب الكفاح القومي في مواجهة “نار الخديعة” والتآمر، ولا حلَّ لقضايا الأمَّة إلَّا بالقوَّة، بما في ذلك قضيَّة فلسطين، بعد أن صار الوطن العربي “دولة كبرى فرضت وجودها” و “دقَّت ساعة العمل الثَّوري في فلسطين باسم الجماهير“. غير أنَّ ما حدث هو هزيمة القوَّات العربيَّة هزيمة منكرة في حرب يونيو/حزيران 1967م. وقد أورد مايكل أورين، الكاتب السّياسي اليهودي، الإسرائيلي أمريكي الأصل، والَّذي شغل منصب السَّفير الإسرائيلي إلى الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة (2009-2013م) ويعمل أستاذًا للتَّاريخ بمركز شاليم بالقُدس المحتل، في كتابه Six Days of War: June 1967 and the Making of the Modern Middle East (2002م)، أو ستَّة أيَّام من الحرب: يونيو 1967 وصناعة الشَّرق الأوسط الجديد، نتائج الحرب وتداعيات تطبيق أنظمة اشتراكيَّة في دول المواجهة المحيطة بالكيان الصُّهيوني (صـ553-557):
في تلك الفترة القصيرة خسر المصريون ما بين 10000 و15000 رجل، من بينهم 5000 سُجّلوا مفقودين؛ وقُتل 700 جندي أردني، وجُرح أو فُقد أكثر من 6000. أمَّا خسائر سوريَّة فقُدّرت بـ 450 قتيلًا، وأربعة أضعاف هذه العدد جرحى. اعترفت إسرائيل بمقتل 679 وجرح 2563، رغم أنَّ أرقام جيش الدّفاع الإسرائيلي فيما بعد ارتفعت إلى 800 قتيل…
والفجوة الأوسع، لم تكن من البشر، بل في البنود الماديَّة. دُمّرت جميع المعدَّات الحربيَّة المصريَّة ما خلا 15% فقط، وبلغت كلفتها 2 بليون دولار، إضافة إلى مخزون كبير أصبح غنيمة لإسرائيل-320 دبَّابة، و480 مدفعًا، وبطَّاريتي صواريخ سام، و10000 مركبة. وكانت القائمة الأردنيَّة طويلة ومؤلمة كذلك: 179 دبَّابة، و53 APC، و1062 مدفعًا، و3166 مركبة، و20000 قطعة سلاح منوَّعة. خرج السُّوريون من الحرب بأقلّ خسائر من بقيَّة الجيوش العربيَّة، فقد خسروا 470 مدفعًا، و118 دبَّابة، و1200 مركبة، بالإضافة إلى أربعين دبَّابة سُلّمت للإسرائيليين… استولت إسرائيل على 42000 ميل ربع وأصبح حجمها الآن ثلاثة أضعاف ونصف ما كانت عليه في الأصل، وأصبحت أكثر عرضةً للخطر ممَّا كانت عليه قبل الحرب، فمدنها كلُّها غدت ضمن مرمى المدفعيَّة العربيَّة، وأصبحت الدَّولة اليهوديَّة تهدِّد دمشق والقاهرة وعمَّان، وتوحَّدت عاصمتها القُدس.
المصدر: رسالة بوست