المكرُ الكُبَّار!
بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وبعد
فإن من أخطر الكيد للإسلام: أن يحرر علماني فكرة باطلة تنادي على فسادها وضلال من أطلقها!
ثم يأتي بعد ذلك مفتون فيتلقف تلك الفكرة خبيثة المظهر والجوهر؛ فيعمل على المحافظة على جوهرها وتعديل مظهرها حتى لتبدو كأنها فكرة إسلامية!
وتتعدد مداخل الإفك على المسلمين بتعدد المفتونين!
وعبر التاريخ الإسلامي كانت الانحرافات الكبرى تبدأ من هذه النقطة، فيلقي يهودي أو نصراني أسلم نفاقا بدعته، ثم ينتهي الأمر إلى بعض من يتلقفها عنه من المفتونين ضعاف العقل والإيمان، فيلبسوا على الناس تلك الضلالات؛ فتنتشر في الأمة!
وما انتشرت بدعة الرفض والقول بالقدر،إلا من هذا السبيل!
وكثيرا ما فشلت وتفشل التيارات الفكرية الإلحادية والأطروحات العلمانية والتغريبية التي يطرحها غير المسلمين في بلاد المسلمين، حتى يتبناها بعض المفتونين من بني جلدتنا،أو من بني دعوتنا؛ فيسعى خداعا لأسلمة الشكل منها والمظهر، ويبقي على الجوهر والمخبر!
فإذا بالعلمانية ترتدي زيا إسلاميا!
وسواء أكان من يسعى لأسلمة الانحرافات من المفتونين أم كان من المغفلين،أم من المأزومين؛ فإن النتيجة التي تترتب على تلبيسه الحق واحدة!
والأمثلة كثيرة، فما كانت فكرة فصل الدين عن الدولة لتسمع في الشرق حتى زعم شيخ معمم مفتون هو: علي عبدالرازق أن الإسلام دينٌ لا دولة فيه ولا دولة تخصه!
وقد قام أكابر العلماء قبل نحو مائة سنة بالرد عليه، وحكموا بإخراجه من زمرة العلماء، ومنهم من دعاه لتجديد إسلامه لإتيانه كفرا!
منهم أصحاب الفضيلة المشايخ:
محمد الخضر حسين شيخ الأزهر
محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية
الطاهر بن عاشور المفسر والقاضي المالكي شيخ جامعة الزيتونة
وللأسف بعد أن انسحب علي عبدالرازق من مقولته، إذا بنا نسمعها مجددا على يد بعض الدعاة المتفلسفين والساسة المأزومين! ووجد من يؤصل ليجعل من دولة الإسلام مسخا علمانيا مشوها،تارة تحت اسم مدنية الدولة، وأخرى بزعم “أنتم أعلم بأمور دنياكم”وثالثة بإنكار أن في الإسلام نصوصا تنظم شأن الدولة!
وعلى يد جماعة المهزومين والمأزومين والمأجورين أصبح الدين الحق بشريعته الخاتمة اشتراكيا ورأسماليا وقوميا وليبراليا ومتوافقا مع كل مذهب ونحلة وملة!
ثم ذهبت تلك الجماعة الضالة إلى كل فروع التراث الإسلامي عقيدة وتفسيرا وحديثا وأصولا وتاريخا وحضارة وثقافة، وكل باب من أبواب شريعة الرحمن لتعيد صياغة موقف المسلم منه، وتعدل فهمه له، بما ينتج دينا جديدا يرتضيه أعداؤه!
ولقد تمخض كيدهم لأصول الإسلام عن تحويل التوحيد إلى فلسفة و وحدة وجود، مع القول بتاريخية النص القرآني وأنسنته، واطراح تفسير السلف له، وتفسيره برؤية علمانية تؤصل للإلحاد في آيات الله، وتخرج في التفسير عن إجماعاته، ويبتدعون أصولا جديدة في التفسير، ومثل هذا يصنعون في الحديث!
فيذهبون إلى طرح حديث الآحاد وعدم اعتباره، وزعم عدم حجيته ولو كان صحيحا، ولا يأخذون به في علم أو عمل، ولا يثقون بثبوته ولا دلالته إلا إذا كان متواترا!
وتجديد علم أصول الفقه، يعني عندهم إحداث أصول جديدة، وإسقاط أصول ثابتة، ومعارضة أصول أخرى بأوهام وترهات ما قام عليها من برهان!
ولا يلزمهم من أحكام الفقه إلا ما كان إجماعا وهو نزر يسير من الأحكام!
والتجديد في الفقه عندهم: اعطاء حق الاجتهاد لمن لا يحسن قراءة النص ولا يفهم لسان العرب!
وهكذا يصنعون في سائر العلوم، فلا يسلم من التخريب علم ولا فن ولا قضية علمية أو فكرية أو واقعية؛ وليصبح المسلمون بلا فهم للإسلام ولا هوية تنبع من أصوله وشريعته، ولا وعي بحقه أو قضيته!
واستبانة سبيل المجرمين مطلب شرعي، والرد على إفكهم عمل مرضي، وحراسة ثوابت الدين ومحكماته واجب عيني على كل قادر بما يستطيع، ولينصرن الله من ينصره.