السِّياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة: جيمي كارتر نموذجًا 7 من 7
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
أحداث 11 سبتمبر: نموذج للإرهاب “الإسلامي” أم مكيدة لتشويه الإسلام؟
كما سبقت الإشارة، أوضحت الباحثة هدى عبادي، في تقريرها الصادر تحت عنوان “The Carter Center Works to understand and Counter Islamophobia-جهود مركز كارتر لفهم الإسلاموفوبيا ومكافحته”، والذي تضمَّن تقرير مركز كارتر الصادر في مايو 2018 ميلاديًّا، أنَّ الجماعات المعادية للإسلام في أمريكا ازداد نشاطها لإثارة الكراهية ضدَّ المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر. أثارت الاتِّهامات التي وجَّهتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دابليو بوش، لتنظيم القاعدة بتدبير تفجير برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر من عام 2001 ميلاديًّا، انتقادات بعض المطَّلعين على ملابسات الأحداث عن قُرب، وقد صدرت كتب ومقالات تنفي عن القاعدة الاتِّهامات، بل وتشير بأصابع الاتِّهام إلى الإدارة الأمريكيَّة ذاتها بالوقوف وراء الهجمات، التي لم يستفد منها أكثر من أباطرة تجارة المعدَّات الحربيَّة أو أنصار إسرائيل.
الخديعة الرهيبة (2002): تكذيب لإدارة بوش الابن واتِّهام ضمني للصُّهيونيَّة
سعيًا إلى دحض الرواية الأمريكيَّة الرسميَّة بشأن تفجير برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر من عام 2001 ميلاديًّا، نشر الصحافي والناشط السياسي الفرنسي تييري ميسان كتابه المثير للجدل L’Effroyable Imposture-الخديعة الرهيبة عام 2002 ميلاديًّا، أي العام التالي للتفجير، باعثًا الشكوك حول أهداف التفجير والجهات المنتفعة من الواقعة. حقَّق الكتاب مبيعات هائلة في زمن قياسي، في تأكيد على عدم اقتناع الكثيرين بالأدلَّة التي ساقتها إدارة جورج دابليو بوش على تورُّط جماعات إرهابيَّة محسوبة على الإسلام في الواقعة المدوِّيَّة، وعلى استعدادهم لتصديق ما يثير الشبهات حول ما نشرته الإدارة الأمريكيَّة من أدلَّة، خاصَّة فيما يتعلَّق بادِّعاء تورُّط انتحاريين في التفجير، الذي يرى ميسان أنَّه كان من تنفيذ إدارة بوش. تجدر الإشارة إلى أنَّ قادار بخش بالوش، أستاذ العلوم الإداريَّة في عدد من المؤسَّسات التعليميَّة الباكستانيَّة، قد نشر إصدارًا باللغة الإنجليزيَّة لكتاب تييري ميسان تحت عنوان 9/11: The Big Lie-9/11: الكذبة الكبرى.
نال الكتاب ترحيبًا في الأوساط العربيَّة، حتَّى أنَّه رئيس دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة السابق، الشيخ زايد بن سلطان، دعم ترجمة الكتاب إلى العربيَّة، وأهدى 5 آلاف نسخة منه إلى شخصيَّات عربيَّة، هذا إلى جانب دعم الجامعة العربيَّة ومجلس التعاون الخليجي، وفق ما تنشره موسوعة ويكيبيديا الرقميَّة. صاحب ما وجده الكتاب من ترحيب ودعم حملات انتقاد واسعة في عدَّة بلدان، من بينها فرنسا، موطن المؤلِّف؛ حيث انتقدت صحيفة لوموند الشهيرة ما يحمله الكتاب من تناقضات، مشيرة إلى أنَّ تلك التناقضات، إلى جانب غياب الرواية الرسميَّة الشاملة الداعمة لحجَّة ميسان، وراء الشعبيَّة الواسعة التي نالها الكتاب. وكما نقلت صحيفة الجارديان البريطانيَّة في مقال عنوان “US invented air attack on Pentagon, claims French book-الهجوم الجوِّي على البنتاجون من تدبير الولايات المتَّحدة، وفق مزاعم كتاب فرنسي” بتاريخ 1 أبريل من عام 2002 ميلاديًّا، صرَّح متحدِّث باسم وزارة الدفاع الأمريكيَّة (البنتاجون) بأنَّ الكتاب “صفعة على الوجه، وإهانة صريحة للشعب الأمريكي، خاصَّة لذكرى ضحايا الهجمات”. ويضيف مقال الجارديان أنَّ فرضيَّة ميسان بأنَّ مبنى البنتاجون لم تضربه طائرة مخطوفة من الخارج، بدأت بشائعة نُشرت عبر الإنترنت، ونالت رواجًا بفضل شهرته وظهوره الإعلامي؛ وذلك رغم أنَّ ميسان يستند في ذلك إلى تناقُض روايات شهود العيان، وقلَّة عدد الصور التي تؤرِّخ الواقعة، إلى جانب عدم العثور على حُطام تلك الطائرة. أمَّا عن تفجير برجي مركز التجارة العالمي، فرأى ميسان أنَّه كان بفعل طائرات خاضعة للتحكُّم عن بُعد. ويتكوَّن الكتاب من 11 فصلًا، وزِّعت على 3 أقسام، هي “إخراج دموي”، و “إعدام الديموقراطيَّة في أمريكا”، و “حملة الإمبراطوريَّة”.
القسم الأوَّل: إخراج دموي
يبدأ ميسان تفنديه الرواية الرسميَّة الأمريكيَّة للواقعة بتحليل الزعم بأنَّ طائرة من طراز بوينج 757 قد اصطدمت بمبنى البنتاجون، متسائلًا عن مصير حطام تلك الطائرة، التي زعمت الرواية الرسميَّة أنَّه احترق بأكمله، ما رآه ميسان خرقًا جليًّا لقوانين الطبيعة، خاصَّة مع عُمق الدمار الذي أحدثه التفجير، والذي لا يُحدثه سوى صواريخ مدبَّبة مخروطيَّة، كما رأى ميسان. ما يعزِّز هذا الرأي صغر حجم الثقب الذي أحدثه التفجير، الذي لا يتوافق مع حجم الطائرة (100 طن)، ولا مع سرعتها (250-440 ميللي أمبير في الساعة)، هذا إلى جانب عدم الإشارة إلى وجود ضحايا من ركَّاب تلك الطائرة، الذين يتساءل ميسان عن مصيرهم. يستنتج المؤلِّف من ذلك أنَّ التفجير لا يمكن أن يكون قد تمَّ إلَّا من خلال قذيفة ألقتها طائرة كانت تحلِّق في الأفق، وأنَّ تلك الطائرة تتبع الجيش الأمريكي؛ فلو كانت طائرة ركَّاب مدنيَّة، لأُسقطت في الحال بمجرَّد اقترابها من مبنى وزارة الدفاع.
يتناول ميسان في الفصل الثاني من كتابه تفاصيل الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي، بمحاولته إثبات أنَّ الطائرتين اللتين اصطدمتا بالبرجين ربَّما قيدتا إلى هدفيهما عبر إشارات راديويَّة أُصدرتا من خارج البرجين؛ ممَّا يعني أنَّ دمار البرجين لم ينتج عن احتراق أحدثه وقود الطائرة، إنَّما عن موادَّ متفجِّرة زُرعت داخل البرجين. لم توضع تلك الأمور في الاعتبار، وكأنَّ الإدارة الأمريكيَّة أرادت إلحاق التهمة بتنظيم القاعدة لغرض لديها. علاوة على ذلك، تعرَّض مبنى مركز التجارة العالمي 7 (WTC 7) للانهيار في 8 ثوانٍ، بعد 7 ساعات من انهيار البرجين التوأم، دون أي مسبِّب منطقي. الأخطر من ذلك أنَّ تلك هي المرَّة الأولى في التاريخ التي ينهار فيها برجان بُنيا من الفولاذ في ثوانٍ نتيجة الاحتراق. ويشير ميسان إلى عدَّة أمور أخرى تعجز النظريَّة عن تفسيرها، وهي: إذا كان الانهيار نتيجة احتراق تسبَّب فيه وقود الطائرة التي ضربت البرج الجنوبي، كيف ينهار ذلك البرج 30 دقيقة قبل البرج الشمالي، الذي أصيب قبله بـ 20 دقيقة؟ كيف ينهار البرجان بنفس الأسلوب، إذا كان البرج الجنوبي هو الذي اصطدمت به الطائرة من زاوية قريبة وتسبَّب الاصطدام في إنفاذ وقودها؟ كيف استمرَّ الحريق بدرجة ثابتة تصل إلى 3 آلاف درجة تحت الحطام، لأكثر من 3 أسابيع، إذا كان الجزء السفلي للبرجين من الخرسانة، التي تفتقر إلى وجود أوكسيجين يعزَّز استمرار الحريق؟
يثير المؤلِّف عدَّة تساؤلات: كيف انهار البرجان؟ هل استُخدمت موادُّ متفجِّرة، خاصَّة وأنَّ رجال الإطفاء سمعوا أصوات انفجار في الجزء السفلي؟ كيف انهار مبنى مركز التجارة العالمي 7 (WTC 7)، الذي كان منفصلًا عن البرجين، وظلَّ صامدًا لساعات بعد انهيارهما؟ هل كان هذا البرج يأوي قاعدة لوكالة المخابرات المركزيَّة (CIA)، ولذلك جرى تفجيره؟ لماذا قلَّ عدد الموجودين داخل المبنيين ذلك اليوم عن الأيَّام العاديَّة؟ ومَن الذي أرسل رسائل تحذيريَّة ساعتين قبل التفجير؟ الأهم من ذلك، كيف صرَّح الرئيس جورج دابليو بوش بأنَّه شاهد اصطدام طائرة بالبرج الأوَّل قبل وقت الإعلان عن الواقعة؟ يعني هذا التصريح للرئيس الأمريكي الأسبق أنَّ خدمات الاستخبارات الأمريكيَّة صوَّرت الواقعة، ممَّا يعني أنَّها كانت على علم مُسبقٍ بحدوثها، وهذا ما يدفع للتساؤل: لماذا لم تتحرَّك لإنقاذ الضحايا؟
يختتم ميسان القسم الأوَّل من الكتاب بإثارة شكوك حول نزاهة العاملين في بعض الأجهزة الأمنيَّة والاستخباراتيَّة في الولايات المتَّحدة، متسائلًا حول ما كان يحدث في البيت الأبيض يوم 11 سبتمبر، ومثيرًا الشكوك حول إمكانيَّة وجود مخطَّط انقلابي يومها. سارع مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بإعداد قائمة من الخاطفين يبلغ عددهم 19 شخصًا، جميعهم عرب ومسلمون تتراوح أعمارهم بين 25 و35 عامًا؛ المفارقة هي أنَّ 5 من بين الـ 19 مشتبهًا به وُجدوا أحياء، وخارج أمريكا. ما يزيد الشكوك أنَّ البورصة الأمريكيَّة شهدت نشاطًا مفرطًا خلال الأسابيع السابقة على هجمات 11 سبتمبر، وقد طُرحت أسهم الشركات المالكة للطائرات المختطَفة وشركات التأمين التي صارت معنيَّة بالأحداث لاحقًا، في تداولات داخليَّة، بصورة تثير الشبهات حول المعرفة المسبقة بإمكانيَّة ارتباط تلك الشركات أحداث هامَّة لاحقًا، الأمر الذي وعت إليه لجنة الأوراق الماليَّة وعمليَّات البورصة في شيكاغو لاحقًا؛ فمنعت المضاربين من الداخل من إتمام تعاملات لهم بقيمة 2.5 مليون دولار أمريكي. ويتساءل المؤلِّف: ألم يُجدر بمكتب التحقيقات الفيدرالي تتبُّع المضاربين الذين تربَّحوا من أموال الشركات المتضرِّرة قبل أيَّام من وقوع الحدث؟
القسم الثاني: إعدام الدِّيموقراطيَّة في أمريكا
يتناول ميسان في هذا القسم استغلال الإدارة الأمريكيَّة أحداث تفجير برجي مركز التجارة العالمي، في الإعلان عن “حرب مقدَّسة” على الإرهاب، من خلال صلوات أقيمت في الكاتدرائيَّة الوطنيَّة الأمريكيَّ، يوم 14 سبتمبر 2001 ميلاديًّا، شارك فيها، إلى جانب الرئيس جورج دابليو بوش، عددٌ من الرؤساء الأمريكيِّين السابقين (بيل كلنتون، وجورج بوش الأب، وجيمي كارتر، وجيرالد فورد)، في حضور المبشِّر الشهير بيلي جراهام. استغلَّ جورج دابليو بوش كلمته في الإشارة إلى أهميَّة “الردِّ على تلك الهجمات وتخليص العالم من الشرِّ”، ويقصد بذلك الإرهاب المنسوب إلى الإسلام، ليكون بذلك أوَّل رئيس أمريكي على الإطلاق يُعلِن حربًا من داخل كاتدرائيَّة، وهي حربٌ جرت تسميتها “الحرب الصليبيَّة العاشرة”، وكان الصحافي والسياسي الأمريكي، ألكسندر كوكبورن، أوَّل من أطلق هذه التسمية، في مقال نشره في 7 سبتمبر من عام 2002 ميلاديًّا. وقد جاء في نصِّ خطاب جورج دابليو بوش في اليوم الوطني لتأبين ضحايا الهجمات، البالغ عددهم 3 آلاف شخص، “هذه الحرب الصليبيَّة، هذه الحرب على الإرهاب، سوف تأخذ وقتًا”.
استغلَّت الإدارة الأمريكيَّة هجمات 11 سبتمبر الشهيرة في تضييق الحريَّات، من خلال فرض قانون باتريوت آكت، أو قانون مكافحة الإرهاب، أو قانون الوطنيَّة، كما يُترجم اسمه حرفيًّا (PATRIOT Act). تكمن خطورة هذا القانون في منحه السلطات الرسميَّة في أمريكا الحقَّ في الاطِّلاع على كافَّة الأوراق الشخصيَّة للمواطنين، دون إخطار، علاوة على عدَّة تجاوزات أخرى، من بينها:
-السماح للنائب العام باعتقال أيِّ شخص لمجرَّد الاشتباه؛
-تقييد السلطة القضائيَّة في منع السلطة التنفيذيَّة من استغلال البيانات الشخصيَّة في التحقيقات المتعلِّقة بمكافحة الإرهاب والتحقيقات الجنائيَّة العاديَّة؛
-السماح للسلطة التنفيذيَّة بالتحقيق مع المواطنين بحجَّة أنَّ التحقيق لأغراض استخباراتيَّة؛
- السماح للنائب العام باعتقال أي مواطني أجنبي يُشتبه به، إذا ما اعتُقد في تشكيله تهديدًا للأمن القومي، وقد تمتدُّ فترة الاعتقال إلى 6 أشهر، دون العرض على المحكمة.
القسم الثَّالث والأخير: حملة الإمبراطوريَّة
يتطرَّق ميسان في آخر أقسام كتابه العلاقة المعروفة بين عائلتي جورج بوش الأب الأمريكيَّة وبن لادن السَّعودية، ووجود شراكة بينهما، وبخاصَّة من خلال مجموعة كارليل لإدارة الأصول والخدمات الماليَّة. يثير ميسان الشكوك حول إمكانيَّة تعاوُن إدارة جورج دابليو بوش مع أسامة بن لادن في إحداث هجمات 11 سبتمبر، كما سبق وأن تعاوَنت معه وكالة الاستخبارات المركزيَّة في عدَّة عمليَّات، على حدِّ قوله. يستدلُّ المؤلِّف في اعتقاده ذلك إلى استمرار إدارة أصول مجموعة بن لادن الاستثماريَّة، برغم حظر عمل منظَّمات يُشتبه في تمويلها أسامة بن لادن وتجميد أصولها. ينتقل ميسان في الفصل العاشر إلى مسألة في غاية الحساسيَّة، وهي تعمُّد الأمريكيِّين اعتقال الأفغان، واقتيادهم إلى معتقل في خليج غوانتانامو، اشتهر بسوء سمعته، وبحرمان معتقليه من أبسط الحقوق البشريَّة، حتَّى حقوق أسرى الحرب. يستنتج ميسان من كلِّ ما سبق أنَّ أسامة بن لادن لا يمكن أن يكون المخطِّط لأحداث 11 سبتمبر، إنَّما مخطِّطها الفعلي هو الإدارة الحاكمة. قد يكون الأمر صادمًا لبعض الأمريكيِّين، ولكن لا أحد استفاد ممَّا حدث أكثر من العاملين في مجال الطاقة والتسليح، وهو أباطرة المال من اليهود.
المصدر: رسالة بوست