مقالاتمقالات المنتدى

حكم إحتكار السلع

حكم إحتكار السلع

 

بقلم أ. د. بلخير طاهري الإدريسي الحسني المالكي الجزائري (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، إن المعاملات المالية هي من أهم الصورة التي أصبحت تحدث شرخا و خصاما بين الأفراد ، و تتجلى في. كل مرة بظاهرة معينة.
و سوف نتحدث في هذا المقال عن ظاهرة الاحتكار للسلع ، وما يترتب عن ذلك من مفاسد عامة وخاصة.
و أعظم الاحتكارات التي أراها في زماننا هو إحتكار المعلومة و عدم تركها تصل لأهلها و محتاجيها.
وهذا مما يعطل التنمية في جميع مناحي الحياة ، رغم أن ثقافة و معركة الوعي هي التي يجب أن تسود في المجتمعات والتجمعات.
بل إن الاحتكار المادي (السلع) هو فرع عن هذا الاحتكار المعنوي ( المعلومة)، و هو ما يسبب تصحراً فكريا ، وجفافا ضمائريا، و إنحرافا أخلاقيا بكل ما تحمله قيمة الأخلاق من معاني فلسفية.
. أسباب الكتابة في الموضوع:
إن سبب الكتابة في هذا الموضوع القديم الجديد هو مايلي:
السبب الأول: هو ما حدث مؤخرا ، من تخزين بعض السلع بسبب ندرتها أو قلتها، مثل الزيت و الحليب أو بعض المواد التي تدخل في التصنيع بشكل عام .
السبب الثاني: هو إمتناع بعض الفلاحين عن جني محاصلهم مثلا : من البطاط وغيرها من المحاصيل التي تعتبر مادة أساسية في غذاء المواطن البسيط فضلا عن الميسور.
فقرر بعض الفلاحين نظراً لوجود ضرر قد مسهم كممونين للسوق المحلية، بسبب القيود القانونية المفروضة عليهم، و بسبب زيادة أسعار المادة الأولية، و المواد الكيماوية الداخلة في تحسين النوعية، كماً وكيفاً، و زمانا.
فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: تعريف الإحتكار بشكل عام : هو حبس التجار طعام الناس وأقواتهم، أو كل ما تمس إليه الحاجة عند قلتها ليرتفع السعر ويغلى.
ثانياً: دليل تحريم الإحتكار :
لقد أرجع علماء المذاهب التحريم للنصوص النبوية التالية: وهي بين. الصحيح والحسن والتضعيف، وهي تعضد بعضها بعضا، و من ذلك :
ما أخرجه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحتكر إلا خاطئ.. وفي المستدرك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى: أن يحتكر الطعام.
وفي مسند الامام أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى، وبرئ الله تعالى منه. وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله.
وفي المستدرك للحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال: المحتكر ملعون.
.مقاصد تحريم الاحتكار :
أولاً: كل ما يلحق ضررا أو حرجا أو ضيقا في معاش الناس.
ثانياً: التحكم في السعر ثم في السوق.
ثالثاً:استغلال الندرة لرفع الاسعار.
.ما ليس من الاحتكار:
أولا: إذا كانت السلعة رائجة ومتوفرة في السوق، و اشتراها الشخص بنية تخزينها إلى موسم قلتها ليبيعها بسعر جيد.
فهذا لا يسمى إحتكاراً، بشرط ألا يجفف هذه السلعة من السوق. بنية التخزين و إنما مع وفرتها.
ثانيا: إذا كانت هذه السلعة مخزنة بسبب التنازع عليها أو فيها حقوق أخرين . كسلعة من ميراث. فلا تلحق بالإحتكار.
ثالثا: إحتكار سلعة لغرض شخصي بنية استعمالها في مشاريعه الخاصة الٱنية والمستقبلية، لا بنية إعادة بيعها، فهذه لا حرج فيها.
رابعا: إحتكار سلعة ليست من الأساسيات ، و ليس الناس في حاجة إليها في عمومهم.
خامسا: إحتكار سلعة، ليس بغرض بيعها و لا استعمالها واستغلالها، و إنما من أجل إتلافها و منع رواجها لفسادها إما على الأبدان والأنفس، و إما على العقول. بل هذا مأجور في إحتكاره هذا.
.النازلة و التنزيل الفقهي :
سؤال النازلة: هو إقدام بعض الفلاحين على الامتناع عن جني محاصيلهم بالكلية، و إنما بقدر ؟ هل يعد ذلك إحتكارا أم لا ؟
أولا: لا بد من تصور المسألة من كل جوانبها ومعرفة الدوافع لهذا السلوك من الفلاحين .
ثانيا: التحاكم لقواعد الشرع المرعية، في مثل هذه المواطن و هي قاعدة : لا ضرر ولا ضرار. وقاعدة : أن الضرر لا يبطل حق الغير.
ثالثا: قررنا فيما سلف، أنه ليس كل إحتكار حرام، و ذكرنا في ذلك صورا لا تدخل في الاحتكار.
رابعا: أن المسألة المعروضة، عندما ينظر إليها بشكل عام دون تفصيل ، نقول أنها تدخل في دائرة صورة الإحتكار المحرمة لما فيها من التسيب في قلة هذه المادة في السوق.
خامسا: أما إذا نظرنا الى هذه المسألة من جهة التفصيل، نجد أن الفلاحين يشتكون و أنهم متضررون للأساب التالية:
1. الزيادة الفاحشة في المواد الأولية المستوردة من أجل انتاج هذه المادة .
2. التكاليف المرتفعة للسقي بالماء المحوري من جهة المازوت و من جهة الكهرباء ، و من جهة آلات السقي المحوري.
3. التكاليف الباهضة على التخزين لها في المستودعات المعدة لها .
4. هامش الربح الضعيف الذي يتحصل عليه صاحب الارض ، بمقابل المضاربين في هذه المادة في سوق الجملة، فضلا عن التجزئة.
5.صعوبة التسويق المحلي و الخارجي.
سادسا: أن ما دفع الفلاحين إلى عدم جني هذه المحاصيل؛ إلا أنه يعود عليهم بفوائد أهمها:
1. بقاؤها في الأرض يربحهم التخزين في المستودعات والثلاجات.
2.يحافظ على جودة المادة وهي في تربتها.
3. يجعل الفلاح يبيع بحسب الطلب، مما يجعله يتحكم في سعرها، لأنه يرى كلما كثر الطلب زاد السعر ، و كلما قل العرض زاد السعر.
.الخلاصة:
أولا: على الدولة أن تخفف من الاجراءات القانونية ، و تخفيض الضرائب ، و تخفيض الجمركة على المواد الأساسية المستعملة في إنتاج هذه المادة.
ثانيا: تسهيل سبل التسويق الداخلي والخارجي، وعدم وضع عراقيل تحيل دون هذه التنمية التي تعود على الداخل بوفرة الإنتاج، و على الخارج بجلب العملة الصعبة.
ثالثا: على الفلاح ألا يكون جشعا، و أن يكون ربحه معقول بحيث يحقق قاعدة : لا ضرر ولا ضرار. و ألا يستغل حاجة المواطن ليصفي حساباته مع الدولة.
رابعا: على المواطنين ترشيد استهلاكهم لهذه المادة الأساسية، و عدم تخزينها في البيوت و المستودعات الخاصة.
خامسا: على الدولة بالضرب من حديد على المضاربين في هذه المادة عن طريق تجفيفها من الأسواق.
سادسا: على الدولة أن تتدخل عند ارتفاع أسعارها بدعم سعرها، و إما باستيرادها كاجراء مؤقت لجبر السوق .
.في الأخير :
يبقى الضمير الإنساني، و الخطاب النبوي والقرٱني، و العقاب السلطاني، هو خير رادع لمثل هذه الكائنات البشرية.
– فعن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى” قال ابن بطال: “فيه الحضُّ على السَّمَاحَة، وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة والرقة في البيع، وذلك سبب إلى وجود البركة فيه؛ لأن النَّبي عليه السلام لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم، في الدنيا والآخرة” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى