مقالاتمقالات المنتدى

سلسلة قدوات من التاريخ الإسلامي(1) – إطلالات على سيرة الشيخ أبو عمران الفاسي

مهندس الخطوط العريضة لدولة المرابطين

سلسلة قدوات من التاريخ الإسلامي(1) – إطلالات على سيرة الشيخ أبو عمران الفاسي
مهندس الخطوط العريضة لدولة المرابطين

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

ذكر القاضي عياض في «ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك» ترجمة أبي عمران الفاسي فقال: «هو موسى بن عيسى بن أبي حاج بن وليم ابن الخير الغَفَجُومي، وغَفَجُوم فخذ من زناتة من هوارة، وأصله من فاس، وبيته بها بيت مشهور، يعرفون ببني أبي حاج، ولهم عقب، وفيهم نباهة إلى الآن ».(القاضي عياض، 1983، ج7، 244)

1 ـ شيوخه:

تفقه بالقيروان عند أبي الحسن القابسي، وسمع بها من أبي بكر الدويلي، وعلي بن أحمد اللواتي السوسي، ورحل إلى قرطبة، فتفقه بها عند أبي محمد الأصيلي، وسمع الحديث من أبي عثمان سعيد بن نصر، وعبد الوارث بن سفيان، وأحمد بن قاسم، وغيرهم، ثم رحل إلى المشرق، فحج ودخلَ العراق، فسمع من أبي الفتح بن أبي الفوارس، وأبي الحسن علي بن إبراهيم المستملي، وأبي الحسن الخضر، وغيرهم من العراقيين(1)، ودرس الأصول على القاضي أبي بكر الباقلاني، وسمع بالحجاز من أبي الحسن بن أبي فراس، وأبي القاسم السقطي، وبمصر من أبي الحسن بن أبي جدار، وأحمد بن نور القاضي، ثم رجع إلى القيروان، وسكنها، وأصبح سيدها المطاع، وأقبل عليه طلاب العلم من كل صوب، وطارت فتاويه في المشرق والمغرب، واعتنى الناس بقوله.(الشواط، 1990،ج2، ص765)

2 ـ أثـره وتلاميذه:

ابتدأ نشاطه العلمي سنة 402 هـ، حين عاد من المشرق، فقد جلس للطلبة في المسجد، وفي داره أيضاً، وسرعان ما عُرف قدره، واشتهرت إمامته، وطار ذكره في الآفاق، وقد خلف الإمام القابسي المتوفى سنة 403 هـ، في نشر علوم السُّنَّة في إفريقية ورئاسة العلم بها، ورحل إليه الناس من الأقطار لسماع مروياته، واستجازه من لم يستطع الاجتماع به.

وكان يجلس في حلقته العلمية من بعد صلاة الصبح إلى صلاة الظهر، يحدثهم، ويملي عليهم، ويقرأ لهم: «فلا يتكلم بشيء إلا كُتب عنه إلى أن مات»(3). (الشواط، 1990،ج2، ص766)

وكان يحدث بصحيح البُخاري و«التاريخ الكبير» له أيضاً، و«تصحيف المحدثين» للدارقطني، وكان يحدّث كذلك بمصنفاته في الحديث والرجال والفقه، وقد انتشرت روايتها في الأندلس أيضاً عن طريق تلاميذه من أهلها.

وكان متضلعاً في كلام الرواة جرحاً وتعديلاً، ومعرفة سيرهم ووفياتهم، وغير ذلك.

وكان العامة من أهل القيروان خصوصاً يرجعون إليه فيما يلم بهم، ويستفتونه. كما كان الموفدون في مهمات سياسية إلى القيروان يسألونه، ويستفتونه، ويستفيدون من علمه.

وكان له اهتمام بالبلاد البعيدة، ويرسل إليها من يقوم بنشر العلم كما حدث في اهتمامه بصحراء المغرب، وما نتج عن ذلك الاهتمام من قيام دولة المرابطين في تلك المناطق النائية.

وقد تتلمذ عليه عدد كبير من الناس من أهل إفريقية والمغرب والأندلس وصقلية، حتى قال الذهبي: «تخرج بهذا الإمام خلق من الفقهاء والعلماء».(الذهبي، 1982، ج17، ص 546)

3 ـ ثناء العلماء عليه:

قال تلميذه الحافظ حاتم الطرابلسي: «لقيته بالقيروان في رحلتي سنة 402 هـ، وكان من أحفظ الناس، وأعلمهم، وكان جمع حفظ المذهب المالكي، وحفظ حديث النبي ﷺ، والمعرفة بمعانيه، وكان يُقرئ بالسبعة، ويُجودها مع المعرفة بالرجال، والمعدلين منهم والمجروحين…». ».(القاضي عياض، 1983، ج7، 246)

وقال الذهبي: «الإمام الكبير العلامة عالم القيروان.. أحد الأعلام .. تخرج به خلق من الفقهاء والعلماء».( الذهبي، 1982، ج17، 245)

وقال أبو بكر الباقلاني لأبي عمران الفاسي: «لو اجتمعت في مدرستي أنت وعبد الوهاب بن نصر ـ وكان إذ ذاك بالموصل ـ لاجتمعَ فيها علم مالك: أنت تحفظهُ وهو ينصره، لو راكما مالك لسر بكما».(القاضي عياض، 1983،ج7، 246)

4 ـ شعره:

عندما كتب محمد بن علي الطبني أبياتاً من الشعر وأرسلها إلى أبي عمران الفاسي بمناسبة العزم على الذهاب إلى بيت الله الحرام، أجابه أبو عمران الفاسي بهذه الأبيات:

حياك رب من خل أخي ثقة وصان نفسك بالتكريم مولاها
من كل غم وشان لا يوافقها

 

 

فهو العليم بما يبديه مولاها
ولا أضاع لها الرحمن حرمتها وقولها إن تسر ودعتك الله
فالله يجمعنا من بعد أوبتنا ويؤتنا من وجوه البرّ أسناها

 

 هذه ترجمة موجزة لواضع الخطوط العريضة لدولة المرابطين. وتوفي ـ رحمه الله ـ سنة ثلاثين وأربعمئة من الهجرة.

 

_______________________________________________

مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، تاريخ دولتي المرابطين والموحدين في الشمال الإفريقي، دار المعرفة بيروت، 1426ه-2006م ص17-19

القاضي عياض، ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، مطبعة فضالة – المحمدية، المغرب،1403ه-1983م

شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1402 هـ.،1982م

الحسن بن محمد شواط، مدرسة الحديث في القيراون من الفتح الإسلامي إلى منتصف القرن الخامس الهجري، الدار العالمية للكتاب الإسلامي،1411ه-1990م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى