الله أكبر.. هذا شيخ الأزهر!
بقلم د. محمد الصغير “الأمين العام للهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام” (خاص بالمنتدى)
جبهة علماء الأزهر مؤسسة علمائية لمنتسبي الأزهر الشريف، ترأسها وشارك في تأسيسها د. محمد عبد المنعم البري الأستاذ بكلية الدعوة وأحد رموز الحركة الإسلامية، ولم تلق خطوة إنشاء الجبهة ترحيبا من المؤسسة الرسمية، وأعلن شيخ الأزهر في حينها د. محمد سيد طنطاوي رفضه لها، وتحول الأمر إلى سجال في ساحات المحاكم مع شيوخ الجبهة، وفي هذه الأثناء كنت مع أستاذنا د. محمد البري في سيارته وكانت عادته أن يأخذ طلابه ليوصلهم في طريق عودته، وفي الطريق ظهرت خلفنا سيارة شيخ الأزهر، فوجدت الشيخ البري يأخذ أقصى اليمين ويفسح لها الطريق، فسألته عن سبب ذلك مع ما بينهما من خلاف؟ فقال: خلافي مع شخص شيخ الأزهر، لا ينسحب على مقام شيخ الأزهر، ولا بد أن نحافظ على هيبة المشيخة، وإن اختلفنا مع الشيخ طنطاوي!
الإمام الأكبر
هذا الدرس لعله من المُسلّمات في نفوس المصريين حكومة وشعبا، فعلى المستوى الرسمي شيخ الأزهر على درجة رئيس وزراء، وقصة فضيلة الإمام الأكبر عبد الحليم محمود مع الرئيس السادات عندما حاول انتقاص ذلك بَلْقاء مشهورة، وعلى المستوى الشعبي عُرف شيخ الأزهر عند العامة بشيخ الإسلام، وتغير إلى “الإمام الأكبر” مع حكم ضباط 23 يوليو، وكان شيخ الأزهر بالفعل شيخا للإسلام، والمرجعية الكبرى للمسلمين، وحتى في حالات خلاف الرؤساء مع شيوخ الأزهر، كان الأمر في أضيق نطاق، ولا يخرج في الغالب إلى العلن.
أما الحقبة الحالية فأظهرت أن ثمة خطة ممنهجة للنيل من مكانة شيخ الأزهر، والاشتباك مع فضيلة الإمام، ويتولى كبر ذلك دهاقنة الإعلام، الذين يعرف عنهم العالم والجاهل أنهم لا يقدحون من رؤوسهم، ولا يتصرفون من عنديات أنفسهم، وكنت قد كتبت في مقالات سابقة أن السبب الرئيس في ذلك يرجع إلى نأي شيخ الأزهر بالمؤسسة الكبرى عن الخوض في الشؤون السياسية، ومحاولة الحفاظ على الأزهر الشريف بعيدا عن تجاذباتها، فاعتُبر موقفه توليا يوم الزحف، في إطار سياسة: ما دمت لا تطبل لي.. فأنت عدوي!
والدليل على أن التهجم على شيخ الأزهر -الذي يأخذ زمام المبادرة فيه المذيع عمرو أديب- مقصود وبرضى الدولة، أن دار الإفتاء دخلت على خط الإعلاميين، لأنها أصبحت في الآونة الأخيرة تؤدي كأدائهم، وتتبنى موضوعاتهم نفسها، ومعلوم أن النظام حاول أن يجعلها كيانا موازيا للمشيخة، ومنافسا حكوميا للإمام الأكبر، وهي بذلك تتنكر لصريح آية قرآنية، في تلاعب بالألفاظ لا يليق بمنتسب إلى طلب العلم، فضلًا عن متصدر للإفتاء.
الخطة المرسومة
ويأتي كل ما سبق في إطار الخطة المرسومة لخلخلة الثوابت الأصيلة للمجتمع المصري، ومحاولة طمس هويته الإسلامية، وزعزعة ثقته في المرجعية الدينية، وكل قطر عربي ينفذ هذه الخطة حسب طبيعة مجتمعه ومعطياته، فهي من المقررات الموحدة على الجميع، لكن أن يُعهد بهذا في مصر لإسلام بحيري، ويفسح له المجال للتطاول على مقام فضيلة الإمام، ويتجرأ على مكانة شيخ الأزهر، فهذا تقويض للفكرة الإسلامية من أساسها، ومحاولة لاقتلاعها من جذورها، لأن هذا البحيري سجنه القضاء المصري بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، وإذا كانت مبادئ الحرية تتيح له أن يحترم الإسلام أو يزدريه، فهل من يزدري دينا يحق له أن يشرح نصوصه، وأن يتولى تفسيرها؟ مُخطِّئًا أكبر شخصية دينية في مصر؟! وكيف يسمح له بالعودة للحديث عن الإسلام، وهذا نص حيثيات حكم المحكمة “إنه ثبت في يقيننا أن المتهم “إسلام بحيري” عكف على بث أفكار متطرفة تحت ستار الدين، عن طريق استغلال حلقات برنامجه التلفزيوني “مع إسلام” وتدويناته على مواقع التواصل الاجتماعي والندوات العامة، التي اعتاد خلالها التشكيك في ثوابت الدين الإسلامي والسنة النبوية المطهرة، بزعم تجديد الخطاب الديني والتنوير، وأثبتت المحكمة فى حق المتهم ارتكابه جريمة استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة، بصفة دورية ومسلسلة ومعروضة على العامة، وتبين من الأوراق أنه تعمد إعطاء المعلومات المغلوطة للجماهير والتشكيك في الثوابت الدينية وعلم الحديث، دون امتلاكه لأي سند صحيح، وأكدت المحكمة في أسباب حكمها، على أن إسلام بحيري أراد من بث أفكاره مصحوبة بمعلومات مغلوطة، إثارة الفتنة بين أطياف المجتمع المصري وزعزعة عقيدته الدينية الوسطية، للنيل منه وإهدار ثوابت علم الحديث ومصادره، بهدف التحقير من الدين الإسلامي وازدرائه” أ.ه
ربما نجاح الأذرع الإعلامية المُوَجّهة في النيل من الحركة الإسلامية وتشويهها وشيطنة رموزها، أغراهم بتوسيع الدائرة لتشمل المؤسسة الإسلامية الكبرى، من خلال توجيه سهامهم إلى قلبها ورمزها، وهذا يؤكد أن المشكلة مع الإسلام بكل تجلياته وصوره، وليست مع جماعة أو فصيل، وهذا هو عين اللعب بالنار، وإن من قرر أن يدحرج كرة اللهب سيكون أول من يكتوي بنارها.