ذاق صنوف الملاحقة من أجل القدس والأقصى.. لماذا يشكل الشيخ رائد صلاح رقما صعبا لإسرائيل؟
إعداد محمد وتد
عانق القيادي الإسلامي الشيخ رائد صلاح، يوم الاثنين 13-12-2021، الحرية بعد 17 شهرا في الحبس الانفرادي بالسجون الإسرائيلية، عقب الحكم عليه في “ملف الثوابت” بـ24 شهرا مع احتساب 4 أشهر مع وقف التنفيذ صدرت بحقه في ملف “خطبة وادي الجوز”، وكان أمضى 11 شهرا من العقوبة بالاعتقال الإداري خلال فترة التوقيف والمحاكمة.
قضى الشيخ صلاح 17 شهرا بالعزل الانفرادي، بفصله عن العالم والفضاء الخارجي وحظر الزيارات له، باستثناء زيارة واحدة شهريا لمحاميه أو لأفراد عائلته من الدرجة الأولى، كما مُنع من الاختلاط بالأسرى والاحتكاك بالمساجين، بزعم أنه قد يؤثر فيهم ويؤلّبهم على المؤسسة الإسرائيلية ويتسبب في تمرد داخل السجون.
عاش الشيخ صلاح (من مواليد عام 1958)، رئيس الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا، عقودا من الملاحقة السياسية والاعتقال والمحاكمة والزجّ به في غياهب السجون الإسرائيلية.
الأقصى في خطر
أُبعد الشيخ صلاح عن القدس والأقصى، انتقاما منه لكشفه عن المخططات التهويدية والاستيطانية بالقدس القديمة والأقصى وساحة البراق وتل باب المغاربة وسلوان، فقضى سنوات طويلة من السجن والعزل الانفرادي بالسجون الإسرائيلية.
وخلال مسيرته النضالية في الداخل الفلسطيني انتخب رئيسا لبلدية أم الفحم عام 1989، واستقال من منصبه عام 2001، بعد أن انتخب لفترة 3 ولايات رئاسية ليتفرع للقدس والأقصى.
ولم يمنعه منصبه في رئاسة البلدية من نصرة القدس والأقصى، إذ أطلق من أم الفحم مهرجان “الأقصى في خطر” الذي تحول إلى حدث سنوي حاشد بالداخل الفلسطيني، ثم أردفه بمشروع “البيارق” لتسيير الحافلات إلى القدس، وإقامة الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني نصرة للأقصى، ولدعم وتعزيز صمود أهل القدس في مواجهة مخططات التشريد والتهجير التي نفذتها المؤسسة الإسرائيلية.
ملاحقة وتضييق
تعود ملاحقة واستهداف المؤسسة الإسرائيلية للشيخ رائد صلاح إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حين وضع مع العديد من رفاقه البذور الأولى للحركة الإسلامية بالداخل الفلسطيني، علما أنه اعتقل عام 1981، وأدين بالانتماء لمنظمة محظورة تعرف بـ”أسرة الجهاد”، وفرض عليه الاعتقال الإداري والإقامة الجبرية بضعة أشهر.
وعلى الرغم من الملاحقة والتضييق، رفع الشيخ صلاح في تسعينيات القرن الماضي شعار “الأقصى في خطر”، ووضع مشروع الدفاع عن القدس وتعزيز صمود المقدسيين في صلب عمل الحركة الإسلامية والعمل الوطني، حيث تحولت القدس إلى القلب النابض للقضية الفلسطينية.
رمز للدفاع عن الأقصى
حمل الشيخ صلاح هم قضية القدس إلى خارج فلسطين التاريخية، من أجل التصدي لإفشال مخطط الاحتلال الإسرائيلي تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا، وبناء الهيكل “المزعوم” مكان قبة الصخرة.
وتتعلق دوافع ملاحقة المؤسسة الإسرائيلية بشخص رائد صلاح الملقب بـ”شيخ الأقصى”، الذي ينظر إليه على أنه شخصية كاريزمية، لها نفوذها وتأثيرها الكبير في الداخل الفلسطيني على مختلف الشرائح الاجتماعية والتيارات السياسية والحزبية والدينية، بل إن نفوذه تخطى فلسطين التاريخية وكذلك تأثيره، فقد بات الشيخ صلاح مثالا للقائد الوطني في العالمين العربي والإسلامي.
ولذلك مثّل شخص الشيخ صلاح تحدّيا مصيريا وسياسيا للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ففرضت عليه الإقامة الجبرية ومنعته من السفر منذ عام 2002 إلى اليوم، وذلك بقرار من وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي.
رفض وصدام
تبنّى الشيخ صلاح مشروع “المجتمع العصامي” والاستقلال الذاتي عن المؤسسات الإسرائيلية، وخلال توليه منصب رئاسة بلدية أم الفحم، أعلن انشقاقه عن الحركة الإسلامية، وأسس حركة إسلامية ترفض المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وتشدد على رفضه الانصياع لقواعد اللعبة السياسية التي سعت إسرائيل لرسمها لفلسطينيي 48، وهو ما تسبب باندلاع المواجهة والصدام بين الشيخ صلاح والمؤسسة الإسرائيلية.
فرفض صلاح أن يكون الكنيست الإسرائيلي سقفا للمشروع السياسي لفلسطينيي 48 والحركة الإسلامية، التي حظرتها تل أبيب في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وحظرت نشاط 20 مؤسسة وجمعية أهلية تابعة لها، بموجب أنظمة الطوارئ الانتدابية، بذريعة أنها تشكل خطرا على أمن إسرائيل.
ورغم احتدام الصدام والمواجهة، بادر الشيخ صلاح قبل أشهر من اندلاع الانتفاضة الثانية إلى ترميم المصلى المرواني وإعادة فتحه، وأفشل بذلك مخطط سلطات الاحتلال لتحويل المصلى إلى كنيس تحت الأرض، كما أسهم في افتتاح بوابات المصلى الكبير في المسجد الأقصى، وأحبط بذلك مخطط الاحتلال لربط شبكة الأنفاق تحت الأقصى بساحات الحرم القدسي الشريف.
وشكل نصب سلطات الاحتلال الإسرائيلي البوابات الإلكترونية في يوليو/تموز 2017 قبالة أبواب المسجد الأقصى محطة فارقة لفلسطينيي 48 وللشيخ صلاح، المبعد عن القدس والأقصى، الذي وظف على مدار 14 يوما المنابر لحشد الفلسطينيين للدفاع عن القدس وإسقاط مشروع الاحتلال الإلكتروني.
وأمام الحشود الفلسطينية بالقدس القديمة تراجعت سلطات الاحتلال عن مخططها، وفككت البوابات الإلكترونية من أمام أبواب الأقصى، وانتقاما لدوره اعتقلت الشرطة الإسرائيلية الشيخ صلاح من منزله بمدينة أم الفحم في أغسطس/آب 2017، وأخضع للاعتقال الإداري والإقامة الجبرية مدة عام ونيف، حظر عليه خلالها الحديث لوسائل الإعلام وإلقاء الخطب أو المشاركة بأي فعاليات واحتجاجات.
إدانة وسجن
وحيال هذه المستجدات، تم تجديد ملاحقة الشيخ صلاح بعد حظر إسرائيل الحركة الإسلامية التي كان يرأسها بموجب قانون “مكافحة الإرهاب”، ويأتي الحكم على الشيخ صلاح من قبل محكمة الصلح في حيفا، التي أدانته في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بتهمة “التحريض على الإرهاب”، و”تأييد منظمة محظورة”، بعد تصريحاته ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي إزاء المقدسات والأقصى والبوابات الإلكترونية.
ووجهت النيابة العامة الإسرائيلية للشيخ صلاح لائحة اتهام من 12 بندا تتضمن “التحريض على العنف، والإرهاب في خطب وتصريحات له”، وفُرضت عليه عقوبة السجن الفعلي 28 شهرا، وقضى الشيخ صلاح 11 شهرا بالسجن الفعلي، قبل أن يفرج عنه إلى سجن منزلي مع مواصلة فرض الإقامة الجبرية عليه، ومنعه من مغادرة البلاد ودخول القدس والضفة الغربية المحتلتين.
واعتقل الشيخ صلاح في أكتوبر/تشرين الأول 2009، في حي وادي الجوز، وأبعد عن القدس المحتلة بموجب أمر عسكري يحظر عليه دخول القدس والوجود بالأقصى، وهو القرار الذي ما زال ساريا حتى اليوم.
تحريض وكراهية
لجأت النيابة العامة الإسرائيلية إلى التضييق على الشيخ صلاح، فاعتقل في مايو/أيار 2003 بعد اتهامه وعدد من قادة المشروع الإسلامي بتبييض الأموال لمصلحة حركة حماس. واعتقل مجددا في أغسطس/آب 2007، خلال حفل خيري في وادي الجوز، واتهم بالتحريض و”الإرهاب”، وذلك بعد تصدّيه لمخطط الاحتلال لهدم باب المغاربة واستحداثه بجسر عسكري.
وفي مطلع عام 2010 حكمت محكمة الصلح بالقدس المحتلة على الشيخ صلاح بالسجن 5 أشهر بذريعة التحريض، وذلك على خلفية خطابه في وادي الجوز، كما اعتقل في مايو/أيار من العام نفسه لمشاركته في أسطول الحرية لفك حصار غزة، بعد أن أخفق الجيش الإسرائيلي في اغتياله إثر وصول الأسطول قسرا إلى ميناء أسدود.
جددت السلطات الإسرائيلية اعتقال الشيخ صلاح في فبراير/شباط 2011 لمدة شهرين بتهمة الوجود في القدس، وفي عام 2013 حُكم عليه بالسجن مدة 8 أشهر، بعد أن وجّهت له النيابة العامة الإسرائيلية له تهمتي التحريض على العنف والتحريض على الكراهية، وهي التهم التي لطالما اعتمدتها المؤسسة الإسرائيلية بإعادة محاكمة الشيخ صلاح وأسره في العقد الأخير.