إسرائيل وأنظمة الاستبداد والفساد والتبعية
عقدة أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية في منطقتنا هي الشعوب، لذلك يربطون مصيرهم بالصهاينة حماية لهم من غضبة الشعوب. الكل يرتمي في أحضان داعميه من القوى المؤثرة، لذلك بعد الربيع العربي تحول التطبيع مع الاحتلال من الطابع السري إلى الطابع العلني.
مثلا، الحضور الصهيونى يتعزز يوما بعد يوم في المنطقة المغاربية وفي إفريقيا عموما.. في سنوات “أوسلو” الأولى، طرح شمعون بيرس، وزير خارجية الكيان الصهيونى في حكومة رابين حينها، ضمَ “إسرائيل” إلى الجامعة العربية، ورُفض اقتراحه، وهذا تغير اليوم، مع التوقيع على اتفاقات أبراهام. فالكيان الإسرائيلي أصبح مصدر إلهام لعديد من حكام الدول العربية، من الإمارات إلى السودان، مرورا بالمغرب.
والحقيقة المُرة أن “إسرائيل” طوّرت علاقتها من وافد سري غريب يُخفي الجميع علاقاته معه؛ إلى لاعب محوري مركزي في كل تطورات وسياسات المنطقة، ففى الأشهر الأخيرة طلبت مصر من “إسرائيل” مساعدتها في إيجاد حل للأزمة التي نشبت مع إثيوبيا في مسألة سد النهضة.
وتضغط “إسرائيل، اليوم، لإنقاد حكم العسكر في السودان وتسوية الخلاف بين الجيش وطرف في الحكومة السودانية، وتبين أن نفوذها في الخرطوم كبير، بل وأكثر من نفوذ واشنطن!!
وفي ليبيا أعرب مرشحون في الانتخابات لرئاسة الدولة عن تأييدهم للتطبيع مع إسرائيل، ورأينا ابن الجنرال خليفة حفتر زار تل أبيب، على وعد بترسيخ العلاقات إذا فاز والده بالانتخابات الرئاسية، بل تعاقد مع شركة “إسرائيلية” لتحسين صورة والده وجلب الدعم الغربي له.
وفي المغرب وقَع وزير الدفاع الصهيوني بيني غانتس، يوم الأربعاء الماضي مذكرة دفاع مع نظيره المغربي عبد اللطيف لوديي، بهدف تعميق التعاون الاستخباراتي والعسكري بعد عقود من العلاقات السرية.
بدون شك، العلاقة مع الكيان الصهيوني، فضلا عن الارتباط به عسكريا واقتصاديا، جريمة كبرى وانعدام للحس الأخلاقي وانحطاط سياسي وعدوان على العقل والقلب والضمير والتاريخ.. “إسرائيل” لم تضف للمتهافتين على التطبيع معها كثيرا، لأنها أعجز من أن تحمي غيرها وهي غارقة في تحصين وتأمين أمنها القومي في الداخل الفلسطيني. وبعض نخب العار في دولة المغرب وهم”قله” يبررون تطبيع النظام المغربي مع الكيان الصهيوني لتحصين دفاع المغرب وتقوية جيشهم، وحماية العرش الملكي، وتعزيز الجبهة القتالية على الصحراء الغربية، أيضا في مواجهة الجزائر، لكن غالبية الشعب المغربي ومثقفيه وعقلائه رافضون للتطبيع كارهون لأي علاقة معه، رغم أن إسرائيل تتعاون استخباريا وعسكريا من خلال مؤسسات الأمن العام والجيش الصهيوني مع المغرب منذ أكثر من 60 عاما، وباعت أسلحة ومعدات استخبارية، ودرَبت أفراد الاستخبارات والجيش في المغرب، والجديد اليوم هو الطابع العلني وزخم الارتباط وتوثيقه وتعميقه.
عموما، من يعتقد أن استقرار نظام ملكه يمر عبر التطبيع والتحالف والارتباط الاستراتيجي وطلب الحماية من الكيان الصهيوني، فهو واهم. فإسرائيل أعجز من أن تحمي غيرها، لكنها تنهب الأموال وتسوق لأسلحتها وتغزو المغرب بسُيّاحها وأكثرهم جواسيس، حتى أصبح النظام المغربي ساحة تمدد وتمكن للسياسات الصهيونية. وليت الأمر اقتصر على مخاطر وكوارث التسلح والتعاون الاستخباري، بل يمتد إلى الاختراق الثقافي وكسر الحواجز النفسية والعقدية، والهجوم على مفاهيم الإسلام وتسفيه مفاهيمه وقضاياه وأحكامه ودعم الأيديولوجيات المحاربة له، لأن نفوذ الصهاينة مرتبط بتيارات معادية حاقدة تمهد له وتسوغ للتطبيع معه، وتنكر على المقاومين لتغلغله.
لذلك شاهدنا محور التطبيع (الإمارات والسعودية والبحرين ومصر وأمريكا وإسرائيل ومعها فرنسا) قد تبنى عقيدة الحرب على الإسلام، ويرفض تماما الحضارة الإسلامية وثقافتها وطموحاتها السياسية، ويعلن الحرب على كل من يدافع عن هذا الإرث، ويجر العالم العربي نحو الهاوية، ويقدمه هدية لأمريكا وإسرائيل كما تم تقديمه من قبل هدية للإنجليز في الحرب العالمية الأولى. واليوم وعبر مفردات التطبيع تتم تصفية القضية الفلسطينية تحت مسميات مثل: صفقة القرن، اتفاقية أبراهام، الحل الإقليمي، الحل الاقتصادي.
إن لهذا الاستسلام والانبطاح الواسع للكيان الصهيوني وجه اقتصادي مرعب، ويحتلَ اليوم الصهاينة جيوب العرب وأسواقهم. وقد احتفت صحيفة “غلوبس” الصهيونية بما أسمته “الإنجازات الإستراتيجية” لاتفاق “الماء مقابل الكهرباء” مع الأردن، وتركز خاصة على أهميته في تمكين الكيان من الانخراط في سوق الطاقة الإقليمي، وكونه سابقة تعكس اعتماد دول المنطقة على الكيان في احتياجاتها الأساسية.
التطبيع هو الاسم “الشيك” للتحالف العربي الإسرائيلي، وهو يعني باختصار جملة من الاعتبارات: حلف مركزه الكيان الصهيوني، تحالف شرق أوسطي يقوده الاحتلال الصهيوني يتبع الأمريكي، تحالف بديل عن أي منظومة عربية، تحالف فُرض أعضاؤه على الشعوب؛ فالاحتلال الصهيوني فُرض على الشعب الفلسطيني والنظام العربي فُرض على الشعوب العربية، الأنظمة العربية المشاركة في هذا التحالف سوف تتبني خيارات الاحتلال الصهيوني وتفرضه على الشعوب كما فُرض من قبل خيارات الاتحاد السوفييتي وبعدها خيارات القوى الغربية، الأنظمة العربية المشاركة في هذا التحالف ترى أن الشعوب العربية خطرا عليها تماما كما يعتبر الاحتلال الصهيوني الشعوب العربية خطرا عليه، تحالف ضد تحرك الشعوب حتى لا تفرض خياراتها فهذا يمثل خطرا على أنظمة التحالف والاحتلال الصهيوني، تحالف ربط مصيره بمصير الاحتلال الصهيوني، تحالف لحماية الأنظمة العربية المستبدة أكثر من كونه تطبيع، تحالف ضد الصعود التركي، تحالف يسمح بالتمدد الإسرائيلي أو ما يسمى إسرائيل الكبري، وما خفي كان أعظم.. ولذلك ليس صحيحا “اختزال” التطبيع في التبادل التجارى والسياحي.
الخلاصة:
– أصبحت الأنظمة العربية مجرد تابعة مطيعة، وأصبحت تل أبيب عاصمة القرار لبعض الحكومات العربية.
– الواجب على أصحاب الضمائر والشرفاء في المغرب وغيرها، وهم كثر، أن يقاوموا هذا الانبطاح والاستتباع للكيان الصهيوني، وأن لا يستسلموا لتلك الأنظمة الهرمة، التي رهنت مصيرها بيد الصهاينة.
– تحية خاصة للشعب المغربي الذي انتفض رافضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
المصدر: عربي21