مقالاتمقالات مختارة

القضية ليست الإطاحة بـ (المفتي الماجن)

القضية ليست الإطاحة بـ (المفتي الماجن)

بقلم مصعب الأحمد

هل تسائل أحدكم نفسه لما يلغى منصب المفتي بعد كل هذا الزمن؟ ولماذا الآن؟ ولماذا المفتي العام منه والخاص؟
وهو كما يعلم الجميع، الدلفري الجاهز، وكلب الحراسة الأمين، الذي يفتي لهم بما يريدون، ويحلل ويحرم بناء على طلبهم، ومستعد أن يصلي للولي الفقيه، هو وكل مفتي للنظام وعالم سلطان، أليس هو نفسه، الذي أعلنها أمام الاتحاد الأوربي داخل برلمانهم أن إسرائيل دولة من دول بلاد الشام؟ ولو أردنا عد سقطاته لما وسعنا ذلك، فلماذا يلغون منصبه الآن؟ ولماذا يصور الأمر على أنه خلاف بين الوزير والمفتي، أو تجديد للخطاب الديني؟
ولماذا يصور الأمر على أنه انتقام من الحسون وإشغال الناس بالشماتة به، وإن وسائل التواصل أسقطته كما أسقطت مأمون رحمة خطيب الأموي من قبل.
أي عزيزي: لنفهم ما يجري الآن علينا العودة قليلا الى الوراء. لا ريب الشام مهد خلافة بني أمية، ومنطلق فتوحات عدد من مناطق العالم الإسلامي، وفيها دفن معاوية، وخالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي، والكثير من الصحابة، الذين كسروا شوكة الفرس والروم والصليبيين.
الشام ليست كغيرها من البلدان فهي ضاربة الجذور في التدين الحق، وتمثل ركنا متينا من أركان أهل السنة والجماعة، ومحوراً للعلم والعلماء، والكثير من علماءها الكبار هم خريجوا الأزهر يوم كان شريفاً، وكان أعظم تجمع إسلامي في القرن الأخير، وقبلة العلم والعلماء فالشام هي واسطة للعقد في العالم الإسلامي وليست إندنوسيا والبلقان.
أرادوا ضرب هذا التاريخ المطنب المتجذر بالاعتدال والسماحة والممثل لأهل السنة في مراكز قرارها، من العراق إلى ليبيا إلى اليمن فالسعودية والحبل على الجرار، وكانت سوريا من خلال دعم العسكر والسيطرة على الجيش من قبل طائفة نصيرية شيعية، ودعم للأقليات العرقية والحزبية، ثم تمكن حزب البعث من السيطرة على كل شيء، وبدأ بعملية تحويل ديمغرافي عرقي للبلاد. ودعم الأقليات على حساب الأكثرية، اعتقل وقتل وهجر العلماء الحق الذين رفضوا وجوده، وطوع المؤسسة الدينية، وجعلها أداة بيده من خلال إلغاء (رابطة العلماء) التي ضمت كلا من العلامة أبو الخير الميداني، وحسن حبنكة، ومكي الكتاني وآخرون من أهم علماء البلد حينها. هذه الرابطة تمثل اليوم مجلس الفتوى الذي استحدثه جديداً! مع الفرق أن تلك لأهل السنة فقط وهذه ولأول مرة منذ دخول الإسلام إلى الشام للطوائف الأخرى !!.
ولا صحة لما يروجه النظام أن الشيعة مع الأقليات يمثلون 35% من الناس والحقيقة أن الشيعة والعلوية، لا تمثل أكثر من 6% من الشعب السوري على أحسن تقدير. ثم ألحق ذلك باختراق كلية الشريعة من قبل عملائه ولهذه قصة طويلة، واستحداث معاهد الأسد لتحفيظ القرآن وتعيين مخبرين داخلها منها أو من ( القبيسيات) وهن لمن لا يعرفهن، حركة نسائية ظاهرها الدعوة والإرشاد وتحفيظ القرآن – ولم يكن لها لتنجح بغير هذا الثوب – وباطنها عمل مخابراتي عميق لتطويع النساء، واختراق البيوت، وكشف الأسرار، والدخول الى مخادع البنات، والوصول إلى منع أي حركات بيتية أو مسجدية، قد يقوم بها آخرون دون علم النظام، فبدلاً من أن يلغيها ويستثير الناس يطوعها، ويخترقها، ويشكلها كيفما يشاء ويحقق من خلالها أهم النتائج لتثبيت حكمه.
كما قام بتطويع المدارس الشرعية وإجبارها على تعليم الطلاب كما يريد من أن الشيعة إخواننا، وأن الخلاف بيننا بالفروع، وأنهم مجاهدون وعصب الإسلام، وغير ذلك من الأمور التي يطول ذكرها واستجاب الكثير منهم على اختلاف تلك الاستجابة، وهو ليس محض صدفة بل تهيئة للقادم. ثم تم البدئ بنشر الحسينيات، والزينبيات، والحوزات العلمية، والدعوة الفردية، دون قيد أو شرط بينما يحتاج من يريد إقامة درس من السنة في مسجد لموافقات أمنية متعددة، ثم إلحاقها بإنشاء الجامعات الشيعية الخاصة. كل هذا كان الصادقون من علماء الشام يعونه ويحذرون منه ويعملون على ضربه حتى بلغ الكيل الزبى، وقامت الثورة لتسرع وتيرة العمل. أو أريد قيامها وتيسير أسبابها، لتحقيق التغيير الكامل وإنهاء هيمنة أهل السنة الدينية على كل شيء في البلاد، والبدئ بدخول الشيعة دون اعتراض أو سخط. إيران وروسيا والأسد والمخابرات والأقليات ليسوا أكثر من وقود لتنفيذ هذا المخطط الشيطاني الصليبي.
جرى وسيجري المزيد من تغول الشيعة ودعم الأقليات وسط تهجير عشرة مليون كلهم من أهل السنة. سبق هذا ظهور علماء شيعة في الإعلام السوري، وكما قلنا إنشاء حوزات وجامعات، ولم يكن ذلك ليكون لولا الحرب الأخيرة، في ظل استدعاء وتوطين لمئات الألوف من الشيعة العراقيين والإيرانيين وحتى اللبنانيين. سيلحق هذه الخطوة خطبة (للشيعة في المسجد الأموي) ضرباً لرمزية مسجد بني أمية. وكانوا سابقا قد طالبوا بذلك وفشلوا، ومن ثم إلغاء كثيراً من صلاحيات القضاء الشرعي أو إلغاءه كله مع الوقت وتحويله لقضاء مدني علماني، وإن كان الظاهر يروج لغير هذا من أن القاضي المعراوي عضو في اللجنة الفقهية، سنشهد تغول للدولة العلمانية ثم لسيطرة الدولة الشيعية على كل شيء في البلاد إن لم يكن سياسياً فدينياً وهذا يكفيهم حالياً.
الأسد يمكنه فعل ذلك كله بلحظة ودون أي تدرج أو خطوات وهو يظهر أنه منتصر. ولكن ليست هذه سياسة النظام مذ كان وهو توجيه أجهزة المخابرات كما عرفناه تضييق على أهل السنة وتوسيع على الشيعة بهدوء.
وسبق ذلك ما قامت به بعض دول الخليج بتوجيهات نفس (المعلم )، بالتصوير للعالم الإسلامي أن أهل الشام، أهل بدع، وتصوف منحرف، وخرافات، وعباد قبور، وإنهم مشركون، وإبعاد الناس عن العلماء وإبعاد العلماء عن الناس، وضرب العلماء في نفوس الناس حتى يسهل فيما بعد استباحة دماءهم، وقد راينا ذلك جليا في إرسال دعاتهم محملين بأطنان من الأموال لضرب الثورة في مقتل، وإشعال الفتن، وتسليم المناطق، والبعرجة الإعلامية، وترسيخ الفرقة ، واستجلاب طيران سبعين دولة بالإضافة لأمريكا وروسيا.
ولا يعلم الكثير أن -التصوف هو السائد نعم- لكنه في غالبيته منضبط بضوابط الشريعة دون غلو وشطط ، وان كانت هناك جيوب مصطنعة وأخرى مستهبلة هنا وهناك .
الحسون ليس سوى غراب، “خلق ليطير”، من ينظر الى عزله بمعزل عن كل هذا فقد حاز أعلى مراتب السذاجة.
على أهل الشام أن يلتفوا حول علماء الحق، وأهل الصدق، وأن ينتبهوا لما يحاك للبلاد فهم مع كل هذا الدمار والتهجير أغلبية، وأهل الأرض، وأهل السنة، وان يعملوا متعاونين على إصلاح ما أفسده النظام، وتشكيل مؤسسات، وآليات منظمة متقنة لعملها وتيار مضاد، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإفشال هذه المشاريع التي ستنتهي إن شاء الله، إذا عمل أهل السنة مخلصين لله بصدقهم ودعم إخوانهم من العالم الإسلامي، ولا يتخلوا فيتركوهم لتأكلهم كلاب الشيعة والأقليات، وذئاب الصليبيين. أما المجلس الفقهي فيأخذ شرعيته من العلماء والناس لا من فرع المخابرات، وهو عندهما لا يعدو أن يكون شعبة لفرع أمن الميسات السياسي. أما “حسون” فهو ساقط قبل أن يكلّف في عيون العلماء والناس، وكل سوريا كانت تتغنى ولا زالت بأنشودة (يا حسون يا حسون شيل اللفة وحط قرون)، اللفة (العمامة) تلك التي نصبت فوق تل نفاق.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى