هل صار بناء الهيكل الثَّالث على أنقاض الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قريبًا؟5 من 5
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
ختام الدّراسة
أوضحت الدّراسة عدم وجود دليل من الشَّريعة اليهوديَّة على أحقيَّة بني إسرائيل في ممارسة طقوسهم الدّينيَّة فوق هضبة موريا، أو منطقة جبل الهيكل كما يطلقون عليها، حيث يقع الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى المبارَك. لم يُحدد أمْر الرَّبّ في العهد القديم ببناء بيت له موقع ذلك البيت (سفر الخروج: إصحاح 25، آيات 2-9)، الَّذي كانت نواته خيمة الاجتماع الممكن تغيير موقعها مع تنقُّل بني إسرائيل قبل استقرارهم في الأرض المقدَّسة. والمفارقة الواجب التَّنبيه إليها أنَّ بني إسرائيل لم يشرعوا في بناء بيت الرَّبّ إلَّا في عهد الملك “سليمان” في القرن العاشر قبل الميلاد (سفر الملوك 1: إصحاح 5 إلى 8؛ سفر أخبار الأيَّام 2: إصحاح 3 إلى 4)، أي بعد دخولهم الأرض المقدَّسة بقرنين من الزَّمان على الأقل. أثبتت دراسات المؤرّخين أنفسهم وجود جدال كبير بشأن صحَّة بناء هيكل سليمان على هضبة موريا، حتَّى أنَّ عالم اللاهوت اليهودي مايك إم. جوزيف (2011) اعتبر أنَّ الزَّعم بذلك بمثابة “خدعة الألفيَّة”. أمَّا عن نتائج الحفريَّات، الَّتي يجريها المستوطنون اليهود في محيط الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى منذ القرن التَّاسع عشر للميلاد، فلم تثبت سوى كذب المزاعم الَّتي تصرُّ على أنَّ الْأَقْصَى بُني على أنقاض هيكل هيرودس؛ بل، وهناك مِن الصَّهاينة مَن أقرَّ بأنَّ هدف تلك الحفريَّات هو تسهيل انهيار الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى-لا قدَّر الله-إذا ما وقع زلزال. ومن المذهل أن تجد أنَّ برغم تحريم الحاخاميَّة الكبرى في إسرائيل أداء الصَّلاة في الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، يتحايل بعض أعضائها لإباحة أداء الطُّقوس اليهوديَّة خلال الاقتحامات اليوميَّة. ونتساءل ونذكّر بما سبق التَّساؤل عنه:
1.هل يتعطَّل تدشين الهيكل الثَّالث من داخل حرم الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، بمباركة خليجيَّة، بعد خسارة “ترامب” السّباق الرّئاسي لعام 2020؟ أم يبدأ تنفيذ المخطَّط الصُّهيوني بزعامة “وريث كورش” الجديد، “جو بايدن” الَّذي صرَّح بقوله “أنا صهيونيٌّ وليس على المرء أن يكون يهوديا ليكون صهيونيًّا…لو لم تكن إسرائيل موجودة، لأوجدتها الولايات المتَّحدة لحماية مصالحها في المنطقة”؟
2.ألا يدحض حديث الصَّحابي عوف بن مالك، الوارد في صحيح البخاري (3176) عن نبيّنا مُحمَّد (ﷺ) أنَّه قال “أُعدُدْ ستًّا بين يدي الساعةِ: مَوتي؛ ثم فتحُ بيتِ المقدسِ…”، مزاعم مقال صحيفة عكاظ السَّعوديَّة بأنَّ بيت المقدِس يقع في الجعرانة، الَّتي كانت في الأساس ضمن آخر حدود للدَّولة الإسلاميَّة في زمن النَّبيَّ الكريم (ﷺ)؟
3.هل الاعتقاد المستمدّ من العقائد الباطنيَّة بأنَّ الرَّب تجلَّى لـ “يعقوب” فوق هضبة موريا، وتحديدًا فوق الصَّخرة المشرَّفة، كما يُروى في سفر التَّكوين (إصحاح 28، آيات 12-19)، وكما يشير كتاب الزُّوهار (זֹהַר)، دستور القبَّالة، أو التُّراث الباطني اليهودي، هو أساس إصرار اليهود على بناء هيكلهم في ذلك الموقع، برغم دحْض صحيح العقيدة الإسلاميَّة لمثل ذلك الزَّعم؟
4. ذكر موقع مصر العربيَّة بتاريخ 31 أغسطس 2020م، نقلًا عن دراسة نشرها مركز الدّراسات الإسرائيلي “القُدس الدُّنيويَّة”، عن أنَّ اتّفاقيَّة السَّلام المبرمة بين إسرائيل والإمارات تتضمَّن بندًا سريًّا يسمح لليهود بالصَّلاة في “جبل الهيكل”، أي الْمَسْجِد الْأَقْصَى؛ وقد سبقت الإشارة إلى تعمُّد التَّلاعب بالمسمَّيات بفصل مصلَّى قبَّة الصَّخرة عن الْمَسْجِد الْأَقْصَى كأنَّه مستقل عنه، وليس أحد مصلَّيات أولى القبلتين. ومن المثير للانتباه أنَّ وفدين من البحرين والإمارات زارا الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى يومي 17 و18 أكتوبر 2020م، على التَّوالي، قاصدين مصلَّى قبَّة الصَّخرة، وقوبل الوفدين بالطَّرد وبوابل من السُّباب من قِبل المصلّين.
ومن المثير للانتباه كذلك أنَّ أحد دعاة التَّطبيع من السَّعوديين قد غرَّد، خلال حملته عبر وسائل التَّواصل الاجتماعي لدفع بلاده لإبرام اتّفاقيَّة للتَّطبيع مع الكيان الصُّهيوني، واعدًا بصلاة قريبة في “مسجد الصَّخرة”، في إشارة إلى مصلَّى قبَّة الصَّخرة وكأنَّه مسجد مستقل عن الْمَسْجِد الْأَقْصَى ، في تكرار لما روَّج له الكاتب الصُّهيوني الأمريكي-الإسرائيلي “جويل روزنبرغ” قد تعمَّد في روايته The Jerusalem Assassin-قاتل القُدس (2020)، بأن روَّج لأنَّ ما يطلق “جبل الهيكل” يتكوَّن من “قبَّة الصَّخرة والْمَسْجِدِ الْأَقْصَى” (ص144).
وكان موقع إسرائيل هايوم قد نشَر، نقلًا عن موقع الحرَّة بتاريخ 1 يونيو 2020م، عن مفاوضات تجري بين السَّعوديَّة وإسرائيل تسعى الأولى من خلالها إلى الحصول على تمثيل لها في صندوق القُدس للأوقاف الإسلاميَّة، في إطار تنفيذ بنود “صفقة القرن”. والسُّؤال: هل في ذلك تمهيد لاستبدال الوصاية الهاشميَّة على المقدَّسات الدّينيَّة في القُدس بوصاية سعوديَّة قد تسمح بصلاة غير المسلمين في أولى القبلتين، بموجب اتّفاقيَّة تطبيع قد تُبرم مستقبلًا؟
5. يتنبَّأ الكاتب “تشارلز بروكاو” في روايته The Temple Mount Code-شفرة جبل الهيكل (2011) بازدياد النَّشاط الزّلزالي في القُدس بما قد يفضي انهيار الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وفقًا لنبوءة في العهد القديم تقول: “فَيَخْرُجُ الرَّبُّ وَيُحَارِبُ تِلْكَ الأُمَمَ كَمَا فِي يَوْمِ حَرْبِهِ، يَوْمَ الْقِتَالِ. وَتَقِفُ قَدَمَاهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ الَّذِي قُدَّامَ أُورُشَلِيمَ مِنَ الشَّرْقِ، فَيَنْشَقُّ جَبَلُ الزَّيْتُونِ مِنْ وَسَطِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ وَنَحْوَ الْغَرْبِ وَادِيًا عَظِيمًا جِدًّا، وَيَنْتَقِلُ نِصْفُ الْجَبَلِ نَحْوَ الشِّمَالِ، وَنِصْفُهُ نَحْوَ الْجَنُوبِ” (سفر زكريَّا: إصحاح 14، آيتان 3-4). السُّؤال: هل يُعتبر ذلك تهميدٌ لإحداث هزَّة أرضيَّة مفتعَلة لإسقاط الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أو بعض مُصليَّاته لإفساح المجال لبناء الهيكل الثَّالث؟
6. تشير الأحداث إلى أنَّ القسم الَّذي يضمُّ مصلَّى قبَّة الصَّخرة ومصلَّى باب الرَّحمة المقابل له هو الجزء المستهدف في حال تمرير اتّفاقيَّة تنصُّ على تقسيم الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، بحجَّة إتاحة الصَّلاة لأصحاب مختلف العقائد الدّينيَّة، تنفيذًا لما اقترحه دافيد بن غوريون في ثلاثينات القرن العشرين عن تحويل البلدة القديمة في القُدس إلى متحف ديني-روحاني-ثقافي لكلّ الأديان، يخضع لحماية دوليَّة. وقد حرِص الحاخام “ديفيد شلوش”، وهو أحد كبار حاخامات جماعات الهيكل، على إلقاء درس على طلَّاب المدرسة التَّوراتيَّة “يشيفات هار هبيت” في زاوية باب الرَّحمة، في 18 أكتوبر 2020م. جدير بالذّكر أنَّ بعض المؤرّخين يعتقدون أنَّ صلاح الدّين الأيُّوبي قد أغلق بابي الرَّحمة والتَّوبة، خشية تسلُّل الصَّليبيين للْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عبر ذلك الباب، بينما يفترض أهل الكتاب أنَّ مخلَّصهم سيدخل الهيكل الثَّالث من باب الرَّحمة (BBC عربي، 11 مارس 2019). وهنا يكمن السَّبب في إصرار اليهود على الاستيلاء على موقع وجود البابين تحت ذريعة تأسيس مدرسة دينيَّة.
وصاحَب ذلك ممارسة أحد الحاخامات شعيرة يهوديَّة من شأنها التَّعجيل بقدوم المخلّص، بأن نَفَخ الحاخام “يهودا غليك” في البوق في مقبرة باب الرَّحمة، بالقرب من قبر الصَّحابي الجليل “شدَّاد بن أوس” (رضي الله عنه وأرضاه)، في نفس اليوم.
والسُّؤال: هل يتحقَّق بذلك ما تنبَّأ به الشَّيخ الدُّكتور “سفر الحوالي”، أستاذ العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة في الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة سابقًا، في كتابه المسلمون والحضارة الغربيَّة (2018م)، الَّذي اعتقلته السُّلطات السَّعوديَّة بسببه مع أبنائه وأخيه منذ يوليو 2018م، حينما أثار مسألة الابتزاز الأمريكي، لتقل الصُّهيوني، للعرب بعد أن “بدأ التَّطبيع العلني مع اليهود، وشعاره أعطنا ما نريد لكي نعطيك فوق ما تريد“، متسائلًا عن هويَّة الدَّولة الخليجيَّة الَّتي ستتكفَّل ببناء الهيكل بقوله “وما بقي إلَّا تكلفة بناء الهيكل فهل تبنيه الإمارات مثلًا؟ تلك الإمارات الَّتي تشتري البيوت من المقدسيين وتعطيها لليهود، أم تبنيه السَّعوديَّة وتحفر القناة بين البحر الأبيض وخليج العقبة لينجح مشروع (نيوم)” (صـ2797)؟
7. تستمدُّ الصَّخرة المشرَّفة، الواقعة اليوم داخل بنيان مُصلَّى قبَّة الصَّخرة في الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى المبارك، قدسيَّتها في عقيدة القبَّالة من افتراض أنَّها الموقع الَّذي رأى فيه يعقوب رؤيا المعراج السَّماوي وتحدَّث فيه إلى الرَّبّ، كما جاء في سفر التَّكوين (إصحاح 28، آيات 12-19)؛ ويفترض أنَّ ذلك الموقع هو أنسب بقعة على الأرض للحصول على رؤيا “النَّبيّ حزقيال” (سفر حزقيال: إصحاح 1، آيات 4-26)، التَّي يكتمل بها الإيمان اليهودي برؤية الرَّبّ جهرةً والتَّحدُّث إليه، وهي الرؤية الَّتي حصل عليها شيوخ بني إسرائيل السَّبعون لمَّا ذهبوا مع موسى للقاء ربّه “وَكَانَ مَنْظَرُ مَجْدِ الرَّبِّ كَنَارٍ اكِلَةٍ عَلَى رَاسِ الْجَبَلِ أمَامَ عُيُونِ بَنِي اسْرَائِيلَ” (سفر الخروج: إصحاح 24، آية 17). إذا كان الله عزَّ وجلَّ قد أوضح أنَّه لا يُرى بالعين المجرَّدة بقوله تعالى ﴿لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [سورة الأنعام: 103]؛ وإذا كان الله كذلك قد حصر إمكانيَّة كلامه مع البشَر فيما يحدّده قوله تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [سورة الشُّورى: 51]؛ وإذا كان سبحانه قد دحَض زعْم سفر الخروج بأنَّ شيوخ بني إسرائيل قد رأوه بقوله تعالى ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ [سورة البقرة: 55]، فهل حرب اليهود على الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تحرّكها عقيدة ظنيَّة تتناقض مع صحيح العقيدة الإسلاميَّة وتتَّفق مع العقائد الباطنيَّة المحسوبة على الإسلام زورًا؟
8.من المفارقات أنَّ برنامج الرُّسوم المتحرّكة الأمريكي ذائع الصّيت وواسع المشاهدة “The Simpsons-عائلة سمبسون”، الَّذي تنتجه شبكة فوكس التّلفزيونيَّة، “، ويشتهر بصحَّة تنبُّؤاته الغيبيَّة، قدَّم في الحلقة 457، الَّتي عُرضت بتاريخ 28 مارس 2010م تحت عنوان ” The Greatest Story Ever D’ohed-فشل أفضل القصص على الإطلاق”، خروج عائلة سمبسون في رحلة تبشيريَّة إلى القُدس بدعوة من أحد الأصدقاء. لا يبدى “هومر سمبسون”، ربُّ العائلة، الاحترام الواجب للمزارات الدّينيَّة في القُدس، حتَّى يتركه مرافقوه ليضلَّ الطَّريق في الصَّحراء. يُصاب “هومر” بحالة من الهلوسة، ويدَّعي حينها أنَّه المخلّص، داعيًا إلى ديانة جديدة تجمع بين المسيحيَّة واليهوديَّة، كما يشير اسمها ” Chrismujews”، وهي ديانة تبجّل السَّلام والدَّجاج! السُّؤال: هل في ذلك تمهيد لنشْر الدّيانة الإبراهيميَّة المبتدَعة من مُصلَّى قبَّة الصَّخرة بزعم إفشاء السَّلام وإنهاء النّزاعات البشريَّة؟ “هل يتحقَّق بذلك ما تنبَّأ به الشَّيخ الدُّكتور “سفر الحوالي”، أستاذ العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة في الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة سابقًا، في كتابه المسلمون والحضارة الغربيَّة (2018م)، الَّذي اعتقلته السُّلطات السَّعوديَّة بسببه مع أبنائه وأخيه منذ يوليو 2018م، حينما أثار مسألة الابتزاز الأمريكي، لتقل الصُّهيوني، للعرب بعد أن “بدأ التَّطبيع العلني مع اليهود، وشعاره أعطنا ما نريد لكي نعطيك فوق ما تريد“، متسائلًا عن هويَّة الدَّولة الخليجيَّة الَّتي ستتكفَّل ببناء الهيكل بقوله “وما بقي إلَّا تكلفة بناء الهيكل فهل تبنيه الإمارات مثلًا؟ تلك الإمارات الَّتي تشتري البيوت من المقدسيين وتعطيها لليهود، أم تبنيه السَّعوديَّة وتحفر القناة بين البحر الأبيض وخليج العقبة لينجح مشروع (نيوم)” (صـ2797)؟”
المقال مقتطف من مقال تحت عنوان “تاريخ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ومستقبله في مواجهة التّحدّيات الإسرائيليَّة” نشره مركز مُحكمات للبحوث والدّراسات-إسطنبول عام 2021م
المصدر: رسالة بوست