مقالاتمقالات مختارة

حوار مع ملحد

حوار مع ملحد

بقلم د. عبدالله الشارف

قبل سنتين، نشرت شريط فيديو تحت عنوان: “مقرر الفلسفة في المغرب وأثره في انتشار الإلحاد بين التلاميذ “، حيث تناولت موضوع التأثير السلبي لأفكار فلاسفة أوربا في عقول تلاميذ مستوى الثانوي، مما يؤدي إلى إحداث بعض الشكوك على مستوى العقيدة والهوية الدينية. كما أشرت إلى أن الفلاسفة المسلمين المدرجين في المقرر، لا يحظون بالمكانة والأهمية التي يحظى بها فلاسفة الغرب.

وبعد مرور بضعة أيام على نشر الفيديو، وردت علي بعض التعليقات والملاحظات والانتقادات، من بينها انتقادات متتابعة ذات نَفَسٍ إلحادي، بعث بها شخص يسمى أو يدعى خالد علي.

وراودتني بعد هذه المدة، فكرة نشر تلك الانتقادات وردودي عليها، لعلي أسهم بذلك في الرد على الملاحدة ودحض حججهم ودعاواهم.

قال خالد علي:

حتى لو درسنا من تسميهم فلاسفة الإسلام ، فإنكم كفرتموهم ولم تقبلوا تصوراتهم ، أنت الذي تتحدث عن ابن رشد ، هل تقبل قوله بقدم العالم ؟ أتقبل قوله بإنكار بعث الأجسام وتشكيكه في أقوام ذكرت في القرآن كعاد وثمود ؟ أنتم تتناقضون مع أنفسكم ؟

فأجبت عنه:

مهلا مهلا، لا ترسل الكلام على عواهنه. من قال لك أني كفرت أحدا من أهل القبلة. ثبت أن فلاسفة المسلمين كانوا يصلون ويصومون… كغيرهم من المسلمين. بل منهم من كان إماما في الفقه والأصول وعلوم الشريعة كابن رشد. نعم هناك من الفقهاء من رمى فلاسفة المسلمين بالكفر والزندقة. وهذا في رأيي يرجع إلى التعصب والاندفاع في إصدار الأحكام. نعم يجب على العلماء والفقهاء أن يبينوا للناس الانحرافات الفكرية والعقدية التي وقع فيها هؤلاء الفلاسفة مثل قدم العالم، والعقول العشرة، والعقل الفعال وغيرها من الأفكار اليونانية الميتافيزيقية الخيالية. لقد أخطأ هؤلاء الفلاسفة المسلمون عندما تبنوا بعض الأفكار الفلسفية اليونانية. لكن الحكم عليهم بالكفر وهم من أهل القبلة بسبب هذه الأخطاء ينطوي على شيء من المبالغة والتعصب. ولعل أفكارهم المنحرفة كانت عبارة عن شطحات فكرية، وأنهم تراجعوا عنها، وأن الله قد غفر لهم لكونهم مسلمين بل علماء وفقهاء.

قال خالد علي:

لا يجوز لك إذكاء نيران الفتنة ما بين الاساتذة وتلامذتهم ، ويلزم أن تعلم أن الفلسفة فكر حر لا يتقيد بأفكار مسبقة وأساطير ومقدسات ، وكما قال المعري : ” صنفان من الناس : رجل عاقل بلا دين ، أو متدين بلا عقل “، فلا تجتمع الفلسفة بالدين ، لأنه ما شاع الدين في مجتمع إلا كان ساسته ديكتاتوريين ، فعاش الناس الفقر والظلم ، وما شاعت الفلسفة إلا وانتصرت الديمقراطية والحرية ، وعاش كل الناس باختلاف معتقداتهم في ظل جو من التسامح والتعايش والانفتاح ، خطابكم أكل الدهر عليه وشرب ، وقريبا سيرى الشباب النور والمعرفة التي تحررهم من أغلال الخرافة والأسطورة .

فأجبت عنه:

وماذا تقول في ظاهرة إقبال عشرات الآلاف من الغربيين كل سنة على الإسلام، حيث ضربوا بعرض الحائط كل الفلسفات والترهات والماديات، واعترفوا بأنهم كانوا على ضلال. ولا يتسع الوقت لذكر بعض أسمائهم، وأكتفي فقط بإسم واحد: رجاء (روجي) غارودي الفيلسوف الفرنسي الذي ألف كتبا في الفلسفة، وعاش خمسين سنة في الكفر والإلحاد والشيوعية. أتظن أنك ومن على شاكلتك أعلم بالفلسفة من غارودي ؟ الإسلام القوي بدأ يعود ويقوى من جديد. والقرآن بما يتضمنه من حقائق مذهلة يغزو عقول الغربيين ويؤثر فيهم فينجذبون إليه. “فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”.

قال خالد علي:

تستدل بروجي غارودي ، ومن قال لك أسلم لأن الإسلام أقنعه؟ ، إن من يعود إلى الدين كمن يبحث عن إشباع روحي وعاطفي ، أما العقل والدين فهما متعارضان ، وأنا عن نفسي لو اتقيت الله وعدت للقيام بالشعائر ، فذلك ليس إلا لأجل أن أهرب من الشعور بعبثية الحياة ، إن التدين ليس سوى مخدر يخفف من وجع الحياة وعبثيتها .

فأجبت عنه:

أولا: قولك عن روجيه جارودي الفرنسي الذي أسلم: “ومن قال لك أسلم لأن الإسلام أقنعه، إنه مجرد إشباع روحي، وعاطفي، أما العقل والدين فهما متعارضان”.
رجم بالغيب وظن خاطئ، وما عليك للتأكد من صحة اقتناعه بالإسلام، إلا أن تطلع على المسيرة العلمية لبعض من أسلم من علماء الغرب، وبعد ذلك سيتضح لك إن كنت موضوعيا ومتجردا من الأهواء أن إسلام هؤلاء سببه البراهين، والأدلة العلمية وليس الدافع الروحي والعاطفي.

ثانيا: قولك: “أما العقل والدين فهما متعارضان”؛ كلام تلوكه ألسنة الحداثيين والعلمانيين والمستغربين، ويرجع أصله إلى نتائج ومخلفات الصراع بين الكنيسة والعلماء، إبان عصر النهضة الأوربية. وإذا كان هذا الحكم يصدق على الواقع الثقافي والفكري لدى الأوربيين، فإنه لا يصدق على منطق الفكر الإسلامي وواقع الثقافة الإسلامية وحضارتها قديما وحديثا ، وكيف استطاعت هذه الحضارة أن تهيمن على رقعة جغرافية مترامية الأطراف، وتؤثر في شعوب كثيرة بعد دخولها في الإسلام، وبقيت تتحدى العالم بقوتها الدينية والعلمية، والعسكرية أكثر من عشرة قرون، أي إلى حدود القرن التاسع عشر الميلادي، واقرأ التاريخ القديم والحديث، لواقع وحضارة المسلمين قبل إصدار الأحكام الواهية والمستوردة.
وأنصحك بقراءة كتاب واحد فقط للمستشرقة الألمانية زيغريد “حضارة الإسلام تسطع على الغرب” ، ليتبين لك أن مقولة تعارض العقل والدين لا تنطبق على الدين الإسلامي.

ثالثا: قولك: وأنا عن نفسي لو اتقيت الله وعدت للقيام بالشعائر، فذلك ليس إلا لأجل أن أهرب من الشعور بعبثية الحياة. إن التدين ليس سوى مخدر يخفف من وجع الحياة وعبثيتها.
كلامك هذا إن كنت صادقا، يفيد أنك كنت متدينا ثم طاف بك لصوص الملاحدة، هداك الله، وأخرجوك من ملتك، أو “تتملحد”، أو ولجت باب الإلحاد طمعا في مال أو دنيا فانية، أو عن قناعة بصحة الإلحاد. بيد أنني أشك في الاحتمال الأخير لكون الحجج التي تقدمها وتتذرع بها في الدفاع عن أطروحتك لا ترقى إلى أدنى مستوى عقلي أو منطقي، إنما كلام يجتره ويردده العاملون في جمعيات ومراكز الإلحاد والزندقة، خدمة يقدمونها لأسيادهم مجانا أو مقابل أجرة حقيرة.

رابعا: قولك: إن التدين ليس سوى مخدر يخفف من وجع الحياة وعبثيتها؛ من مخلفات وزبالات زعيم الملاحدة كارل ماركس القائل: الدين أفيون الشعوب.
فإذا كان الدين الكنسي في ما مضى يخدر المسيحيين المقهورين من طرف الباباوات والقساوسة، فإن الدين حسب زعمك يقوم الآن بوظيفة التخفيف من وجع الحياة وعبثيتها، وأنت بهذا الزعم تردد كلام أقطاب علم الاجتماع الديني وعلى رأسهم أوجست كونت الذي أسس دين الإنسانية، وكذلك إيميل دور كايم وكل من يكتب ويؤلف في علم الاجتماع الديني بالمفهوم الغربي من الملاحدة والعلمانيين والحداثيين في الوطن العربي. ولا داعي لذكر الأسماء كما لا يتسع المجال لتفصيل هذا الجانب الوظيفي العلماني للدين، ويكفي أن أشير إلى أن علماء الاجتماع الغربيين الملاحدة من المتخصصين في علم الاجتماع الديني واجهتهم ظاهرة الأزمة الروحية، والفراغ الروحي لدى الغربيين، وإقبال الملايين منهم على الديانات لا سيما الإسلام، وكذلك البوذية حيث ممارسة اليوغا الروحية، اضطروا أي؛ علماء الاجتماع الغربيون إلى الاعتراف بأهمية الدين، وكونه عنصرا اجتماعيا وظيفيا هاما، ومن هنا أوحوا إلى أولئك الذين يعانون تلك الأزمات للانخراط في الجمعيات الروحية أو ممارسة اليوغا، أو التدين بدين معين بهدف العلاج النفسي، والحصول على الأمن الروحي لا غير، وهذا أيضا وباختصار؛ مرجع كلامك المستورد: إن التدين ليس سوى مخدر يخفف من وجع الحياة وعبثيتها.

قال خالد علي:

ثم اذا وسعت من أفق تفكيرك ستجد أن إقبال الناس على التدين أو خروجهم منه سيان . فهل تنتظر من عالم غربي أو فيلسوف ليسلم ، من أجل ان تدعم حكمك المسبق بأن هذا الدين هو الحق؟ ، اذن أنت لم تفهم بعد معنى الدين.

فأجبت عنه:

قولك: إقبال الناس على التدين أو خروجهم منه سيان، ردا على قولي المتعلق بإقبال رجاء جارودي وغيره من الغربيين على الإسلام، كلام يفقتر إلى أدنى أساس منطقي وعقلي، وينم عن جهل مذقع بحقيقة ومعنى الدين، لاسيما الدين الإسلامي.

إن عبارة “الإقبال على الدين والخروج منه سيان” كلام فاسد عقلا ومنطقا، إذ لو خاطبت به شخصا متدينا مهما كان دينه؛ بوذيا، أو يهوديا، أو هندوسيا، فسيسخر منك، بل يعتبرك مصابا بالهذيان، لأنه يعتقد أن دينه أصح الأديان، وبالتالي فإن الخروج منه والدخول في دين آخر، يعتبر مروقا وردة قد تستوجب العقوبة.

وقد توحي عبارتك “إقبال الناس على التدين والخروج منه سيان” بأن الأمر مجرد لعب أو ترف عقلي، بينما حقائق الواقع تفيد أن معظم ساكنة الأرض يدينون بدين معين، ويعتقدون جازمين صحته، وإن كان كثير منهم لا يلتزمون بممارسة الشعائر الدينية ومع ذلك يدافعون عن دينهم بإخلاص وصدق.

ويكفي أن تعلم ٱن هذا القرن يوصف بقرن الصراعات والحروب الدينية، وهو ما يؤكده كثير من الباحثين، بل تنبأ به مجموعة من العلماء والكتاب في القرن الماضي. ومن حيث العدد فإن مجموع المسلمين والمسيحيين والبوذيين والهندوس يشكل مليارات المتدينين، في حين تظل نسبة الملاحدة واللادينيين ضعيفة جدا. ولا تغرنك شعارت ومظاهر الحياة العلمانية والمادية في البلدان الغربية، فإن جل الغربيين إما كثوليكيين، أو بروتستانتيين، وأعظم دليل على تعصبهم لدينهم؛ كراهيتهم للدين الإسلامي وإعلان الحرب على المسلمين تحت إسم الإرهاب، وقد صرح الرئيس بوش السابق وغيره بأن الحرب على الإسلام صليبية. وأثير نتباهك إلى أن الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية في أمريكا، والتي يفوق عدد أتباعها مائة مليون أمريكي، هي أكبر مناصر ومدعم للكيان اليهودي الصهيوني في فلسطين، وذلك لأسباب وروابط تجمعهما، وأنصحك بالبحث في هذا الموضوع لعلك تقتنع بأن الاعتقاد الديني والتدين ليس مسألة لعب أو دخول وخروج بالسهولة التي تعتقدها.

قال خالد علي:

إذا أردت أن تكون شخصا عقلانيا ومحبا للحقيقة فقط ، فضع نفسك مكان المخالف لدينك.

فأجبت عنه:

قولك: “إذا كنت شخصا عقلانيا ومحبا للحقيقة فقط، فضع نفسك مكان المخالف”. هذه الجملة الأخيرة أدخلتها تعسفا وتدليسا، وهي من باب كلمة حق أريد بها باطل، لأن الاستعمال المألوف والمتبادل لعبارة “ضع نفسك مكان غيرك”، يكون دائما في سياق واحد مفاده مثلا أن تضع نفسك مكان الفقير أو المظلوم لكي تتصور أو تدرك معاناتهما مما قد يؤثر إيجابا في موقفك تجاههما، أو أن تضع نفسك مكان شخص أغضبك فنهرته بسبب سلوك اضطر إلى الوقوع فيه اضطرارا؛ كالتأخر عن الحضور في وقت محدد، فوضع نفسك مكانه يجعلك تندم على ما صدر منك من انفعال، وهكذا.
إن معنى “ضع نفسك مكان الغير” مقيد بالشرط المذكور لكنك أطلقته على عمومه فقد يكون هذا الغير مخطئا أو ظالما أو ضالا مضلا، أليس كذلك؟، لكنك أبيت إلا التدليس والتمويه قصد اصطياد المغفلين شأنك في ذلك شأن زملائك من الدعاة إلى الإلحاد.

قال خالد علي:

إذا أردت أن تفهم فاخرج من نفسك ، وافعل على الأقل كما فعل الغزالي الذي قال: ” من لم يشك لم ينظر ، ومن لم ينظر لم يبصر ، ومن لم يبصر ، بقي في متاهات العمى. إن الحقيقة بنت الشك ” .

فأجبت عنه:

قولك: “إذا أردت أن تفهم فاخرج من نفسك”؛ كلام لا يصح عقلا ولا منطقا، إذ يستحيل على الإنسان الخروج بالكلية عن نفسه. فلو نبذ الإنسان الحق وخرج منه وهو مطلبكم معشر الملاحدة ومبتغاكم، لوقع في الباطل، وكلاهما نفسه؛ لأن النفس إما أن تريد الحق وتحبه، وإلا أرادت الباطل وأحبته ولا بد. فقولك “اخرج من نفسك” أي؛ تجرد من ثقافتك وهويتك ودينك كي تفهم وتصفو نفسك، يتعارض مع العقل والحس، إذ لا يمكن أن نتصور نفسا عاقلة صفحة بيضاء. فلا ينفك الإنسان مقيما في إحدى الدائرتين أو المنزلتين: منزلة الحق أو منزلة الباطل والهوى.

و قولك: ” فافعل على الأقل كما فعل أبو حامد الغزالي الذي قال: “من لم يشك لم ينظر ولم يبصر وبقي في متاهة العمى، إن الحقيقة بنت الشك…”.

بحثت عن هذا النص “من لم يشك…العمى ” فوجدته مسطرا في الصفحة الأخيرة من كتاب ” ميزان العمل” لأبي حامد الغزالي رحمه الله. والنص جاء في معرض الكلام عن آخر مبحث من مباحث الكتاب والمعنون ب”بيان معنى المذهب واختلاف الناس فيه”.

قال أبو حامد الغزالي:” فمن ولد في بلد المعتزلة أو الأشعرية أو الشفعوية أو الحنفية، انغرس في نفسه منذ صباه التعصب له، والذب دونه، والذم لما سواه.. فيقال هو أشعري المذهب، أو معتزلي أو شفعوي أو حنفي ومعناه أنه يتعصب” (…)

” فإن الناس متفقون على النطق بأن المذهب واحد، ثم يتفقون على التعصب لمذهب أبيهم أو معلمهم، وأهل بلدهم…”.

” ولو لم يكن في مجال هذه الكلمات في اعتقادك الموروث لتنتدب للطلب، فناهيك به نفعا، إذ الشكوك هي الموصلة إلى الحق، فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال، نعوذ بالله من ذلك وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم” ميزان العمل، دار المعارف ص60_61.

يتضح من هذه النصوص أن أبا حامد الغزالي رحمه الله يتناول ويناقش موضوع “المذهب واختلاف الناس فيه”، إلا أنك عمدت إلى بتر النص المقصود، وعزلته عن النصوص الأخرى المتعلقة بتوضيح وبيان جوانب المسألة المذهبية. وفي قطع النص عن السياق تحريف لمنطوق الكلام المستدل به وإخفاء لحقيقة معناه، وذلك على طريقة “ويل للمصلين”، لتوهم القارئ أو المخاطب من خلال “فمن لم يشك لم ينظر…إلى العمى” أن أبا حامد الغزالي رحمه الله شك في كل شيء بما في ذلك دينه وخالقه!
أتظن أنك بهذا البتر والتمويه والكذب، ستحقق ما تتمناه؟ كلا إن سعيك وسعي أمثالك لسراب في صحراء يباب.

قال خالد علي:

أتعلم اليوم أن من لم ينفتح على قراءة ودراسة الأديان الأخرى يعتبر أميا ؟.

فأجبت عنه:

قولك: “من لم ينفتح على دراسة الأديان يعتبر أميا”؛ كلام سخيف لا ينهض على دليل ولا يصدر إلا عن مأفون. وهل يشترط لرفع الأمية دراسة الأديان؟ وهل درس كل العلماء على اختلاف مشاربهم وتخصصاتهم مادة الأديان؟
وإذا كنت تقصد أن دراسة الأديان ضرورية لمعرفة الدين الصحيح، وما أظنه مقصدك لكونك داعيا للإلحاد، فإن ذلك يلزم غير المسلمين من الضالين والحيارى، ولذلك أسلم كثير من علماء الغرب بعد عكوفهم على دراسة الأديان ومقارنة بعضها ببعض.

قال خالد علي:

إن الحقيقة ليست مطلقة ولا واحدة، بل هي نسبية ومتعددة.

فأجبت عنه:

قولك: “إن الحقيقة ليست مطلقة ولا واحدة، بل هي نسبية ومتعددة”.
هذا ليس كلامك مثل باقي أقوالك ودعاويك، كما أنه قول فاسد عقلا ونقلا؛ لأن أصله يرجع إلى الفلسفة السوفسطائية التي هي أحط أنواع الفلسفات اليونانية. وأصحاب هذه الفدلكات والسفسطات من الملاحدة والحداثيين المعاصرين يزعمون أن ” الحق المطلق لا يملكه أحد”، أو “لا أحد يدعي امتلاك الحقيقة”، وذلك عندما تقهرهم حجج وبراهين مناظرهيم من المسلمين، ولأجل أن تعم الفوضى والشك والخلافات فيما يخص الحقائق الثابتة التي جاءت بها الشرائع حتى يجهل الناس الدين الصحيح، ويفقدون بوصلة الفطرة والصبغة الإلهية.
إن الفيلسوف بروتاغوراس السوفسطائي الذي عاش فيما بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد، هو أول من قال بهذه النسبية عندما كانت اليونان مسرحا للأفكار والمعتقدات والمذاهب المختلفة والمتعارضة.

يقول الدكتور سامي النشار: ” نسبية كل شيء قال بها بروتاغوراس السوفسطائي حين أراد أن ينقد أصول المعرفة. “إن الإنسان هو مقياس وجود ما يوجد منها ومقياس وجود ما لا يوجد”، ثم أخذ بهذا الشُكاك بعده، فطبقوها على الحد كما طبقوها على نواحي العلم كله، فلم تعد حقيقة من حقائق العلم ثابتة أو مستقرة، بل كل شيء –كما يقول هرقليطس- في تغير مستمر”. . ( د. سامي النشار؛”مناهج البحث عند مفكري الإسلام”، ص 191 ).

وقال الدكتور أحمد عبد الرحمن في كتابه “أساطير المعاصرين ص 169 – 170”: “الفلسفة النسبية هي السند الفكري الأخير والمرجع النهائي لكل التيارات المناوئة لمبدأ “الثبات الإسلامي” في العقيدة والشريعة والأخلاق والنظم .. فالنسبية: فلسفة تزعم أن الحقائق العلمية، والقيم الخلقية، والمبادئ التشريعية، والنظم الاجتماعية والسياسية، كلها تتبدل وتتغير بتغير الزمان والمكان ، فما كان حقا بالأمس لا بد أن ينقلب باطلًا اليوم أو غدًا، وما كان عدلًا لدى اليونان قبل قرون من الزمان يستحيل أن يظل كذلك إلى اليوم، لا فرق في ذلك بين قانون وضعي وشريعة دينية. وبهذا التصور الشامل للفلسفة النسبية يقرر أنصار التجديد أن الشعر المقفى، واللغة الفصحى، والعمارة الإسلامية، والشريعة الإسلامية، والعقيدة الإسلامية.. إلخ، كانت صالحة لعصر النبوة والراشدين، ولكنها لا يمكن أن تصلح لنا اليوم، ولا مفر أمامنا من أحد أمرين: إما نقل نظائرها الأوروبية العصرية، وإما التخلف عن العصر والفناء تبعًا لذلك … لقد ولدت النسبية في حجر السوفسطائيين، الذين صاغوها في العبارة المشهورة “الإنسان معيار كل شيء” بمعنى: أنه هو الذي يحدد الحقائق العلمية، والقيم الخلقية، وبوسعه أن يعدلها، أو يلغيها، أو يستبدل بها غيرها.”

ولقد اعتمدت الفلسلة البرجماتية التي أسسها الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس على السوفسطائية في تقعيد بعض مبادئها، حيث ادعت مقررة أن الأمر أو الفكرة أو الشيء المعنوي لا يكون حقيقيا إلا إذا كان نافعا وموافقا لمطلوبنا ورغباتنا، أي أن مقياس صحة الأفكار في نظر الفلسفة البرجماتية يتوقف على ما تحققه من نتائج ومنافع، ومن هنا فإن الحقيقة نسبية، وتتغير بتغير الظروف والمصالح.
والخلاصة أن الملاحدة والحداثيين المعاصرين يرددون أفكار السوفسطائيين اليونانيين، والبرجماتيين الأمريكيين والغربيين، تلك الأفكار الناطقة بنسبية الحقائق؛ حيث أن الحق عندهم يوجد في كل شيء كما يعتقده ويتصوره معتقده وصاحبه، وأن الحقائق نسبية غير ثابتة، وتابعة لعقائد الناس المختلفة، وهذا التصور أو المعتقد فاسد لا نصيب له من العقل والمنطق وإنما هي أهواء وميولات نفسية وعمى وحيرة وتيه وضلال.

المصدر: هوية بريس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى