مقالاتمقالات مختارة

القواعد الأربع حول الصوفية

القواعد الأربع حول الصوفية

بقلم مصطفى البدري

هذه القواعد الأربع ذكرتُها في نهاية اللقاء الأخير حول الصوفية، وهي بحاجة إلى شيء من البيان والإيضاح؛

فقلت أستعين بالله وأكتب طرفًا من ذلك، حتى يتيسر أمر تفصيلها بإذن الله:

١- التفرقة بين الثوابت والمتغيرات.

فالشريعة الإسلامية تحوي أمورًا قد انعقد عليها إجماع العلماء في القرون الثلاثة الأولى،

وهذه هي الثوابت التي لابد أن تبقى هكذا دون تغيير في نفس كل مسلم، ويلزم الإنكار على مَن يخالف فيها ويأتي بأقوال محدَثَة؛

وفي ذلك يتنزل قوله صلى الله عليه وسلم: (وإيَّاكُم ومحدثاتِ الأمور؛ فإنَّ كلَّ بِدْعَة ضلالة).

وهناك أمور وقع فيها الخلاف بين الأئمة والفقهاء (من أهل السُّنَّة والجماعة) دون تعصب ولا إنكار؛

فهذه سيبقى الخلاف فيها قائمًا مهما حاول البعض إخفاءه أو القضاء عليه، ويصح هنا أن نقول: يَسَعُنا ما وَسِعَ سَلَفَنَا.

٢- الموازنة بين حقّ الأُمَّة في التَّوَحُّد وبين حقّها في العِلم.

حيث هناك من العلوم التي يجب على كل مسلم أن يعلمها ويفهمها، وهناك بعض المسائل والتفاصيل التي لا تهم إلا طلبة العلم والمدققين وأصحاب الفهم والنظر.

وهناك نوع من الخلاف لا ينبغي نشره ومناقشته وسط العامة؛ كما قال عَلِيٌّ رضي الله عنه:

(حدِّثوا الناس بما يعرفون؛ أتريدون أنْ يكَذَّبَ الله ورسوله؟!)

وقول ابن مسعود رضي الله عنه:

(ما أنت محَدِّث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)

فعندما نتكلم في المسائل العلمية الدقيقة لابد أن نراعي عدم التسبب في الفتنة أو إحداث فُرْقَة نحن في أشَدّ الغِنَى عنها.

وهذه المسألة خاصة تحتاج إلى كلام كثير وأمثلة توضيحية لا يتسع المقام لذكرها.

٣- التفريق بين الاجتماع في مرحلة الدعوة والبناء، وبين فقه الاجتماع في مرحلة تَعَيُّن الجهاد والدفع العام.

وهذه النقطة من أهم وأخطر ما يلزم الانتباه له والتركيز فيه!!

لأننا حاليًا نعاني هجمة كفرية إلحادية علمانية تستهدف أصلَ الإسلام وجذورَه،

في حين ينشغل الكثيرون بإثارة حروب ومعارك مع أهل البدع والمخالفات دون النظر لكوننا نساعد الأعداء بذلك في القضاء علينا جميعًا!!

طبعًا لا أدعو هنا إلى ترك البدع والانحرافات تنخر في جسد الناشئة وجماهير الأُمَّة؛

بل أدعو لوضع كل أمر في نصابه، وتوجيه كل سلاح لصدر مستحقه؛ فلا نُفَرّط في بيان الحق بالحُجَّة والبرهان..

كما لا نطغى حتى نصبح معاول هدم وإسقاط للأساس والبنيان!!

وقد اتفق أهل السُّنَّة والجماعة على أنّ المبتدع لا يحرَم ولا يمنَع من المشاركة في جهاد الأعداء؛

بل قد نَصُّوا على المقولة الشهيرة (والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة خلف كلّ بَرٍّ وفاجر)

وقال عَلِيٌّ رضي الله عنه للخوارج:

(إن لكم علينا ألا نمنعكم بيوت الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نحرمكم الغنيمة والفيء مادامت أيديكم معنا، ولا نبدأكم بقتال)

٤- العلم بتفاوت البدع وأهلها.

فهناك بِدَعٌ عظيمة تضاهي الكفر والإلحاد والزندقة؛ كالحلول والاتحاد،

وهناك ما هو قريب منها كالوقوع في الصحابة والولوغ في أعراض أمهات المؤمنين وإنكار السُّنَّة وادعاء بواطن للقرآن وغيرها من كبريات البدع.

وهناك بدع دقيقة لا يفطن إليها إلا المحققون من العلماء وطلبة العلم.

وبينهما درجات ومراتب؛ وهذا يشبه تقسيم نصوص الوحي للذنوب إلى كبائر وصغائر.

وكذلك هناك مبتدع مجادل مكابر لا يَكَلّ ولا يَمَلّ من الدعوة لبدعته، ويستنصر بأعداء الإسلام ويحتمي بهم ويعيش على دعمهم.

وهناك مبتدعة صغار جهال، يحبون الدين ويضحون من أجل نصرته ورفع رايته؛

فلا يجوز أبدًا أن نسوي بين الفريقين، أو أن نضعهم جميعًا في بوتقة واحدة.

أكرر أن هذا الكلام يحتاج مزيدًا من البسط والبيان، ولعلي أجتهد وأستعين بالله في سرعة تحقيق ذلك؛

لكن مبدئيًا أحيل على كتب مهمة تفيد طالب الحق في هذا الموضوع:

١- الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر / صلاح الصاوي.

٢- المدخل لترشيد العمل الإسلامي / نفس المؤلف.

٣- مقالات منهجية في قضايا معاصرة / عبد العزيز ناصر الجليل.

والله من وراء القصد.

المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى