إحياء المولد النبوي بين التهيب والتسيب
بقلم د. بلخير طاهري الإدريسي (خاص بالمنتدى)
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على نبينا الكريم ، صاحب اللواء المعقود في كل وقت وحين ، البشير النذير. والسراج المنير…
في كل سنة من مولده صلى الله عليه و سلم، تبعث المعارك الجدلية لهذه المناسبة النورانية، بين محرم لها ومجيز لها، بين مبدع لمحييها، وبين مرحب بها …
وهي مسألة تضرب في أعماق التاريخ الاسلامي ، بين مؤيد ومعارض ، وكل يحشد أدلته لنصرة مذهبه، وفي خضم هذا الصراع تقع المزايادات والمبالغات. عند الطرفين تخرج أحيانا عن سقف الاختلاف المشروع، ليتعدى ذلك الى معتقدات الأفراد بين التفسيق والتبديع ، ويصل بالبعض الى إلحاقه بالشرك …
و أنا على يقين أنه لا يمكنني أن أحسم هذه المسألة الخلافية التي تمتد إلى قرون، وقد بحثها فطاحلة علماء المسلمين قديما وحديثا، ليصلوا الى بقاء ما كان على ما كان ، سوى محاولة حشد كل طرف أدلته غير المألوفة واستظهار أدلة أخرى على غير ما هو معتاد، لينتهي الطرفان الى كونها استدلالات إجتهادية يزعم أصحابها أنها مما تطمئن له النفس وتركن له العقول الباصرة والفطرة السليمة .
ويمكن إرجاء إختلاف العلماء في المسألة للأسباب ، والتي يبقى تحريرها يحتاج إلى تجرد واستقراء زائد على المعهود، ويمكن حصرها في هذه العشارية التأصيلية:
أولا: هل هي من مسائل العقائد أم من مسائل العبادات، أم من مسائل العادات؟
ثانيا: هل تدخل في باب البدع أم في باب المصالح المرسلة، أم في باب المباحات؟
ثالثا: هل هي مسألة خلافية أم وقع فيها إجماع ، أم قول جمهور فقهاء ؟
رابعا: هل الاحتفال هو من قبيل الوسائل أم المقاصد ؟
خامسا: هل كل ما لم يفعله الرسول صلي الله عليه و سلم، أو الصحب الكرام هو بدعة؟
سادسا: هل الترك فعل؟ والفرق بينه وبين السكوت والعفو ؟
ثامنا: هل عدم النقل ، هو نقل للعدم؟
تاسعا: فرق بين إحياء المولد و ما يقع في المولد! وعلاقة ذلك بسد الذرائع وفتح الذرائع.
عاشرا : ٱمانة النقل، وحرية التعليق، وفق ما قرره علماء الاستنباط في قواعدهم المحررة والمقررة على مذهب أهل السنة والجماعة.
ختاما:
1_ إن رفع الخلاف في مثل هذه المسائل متعسر .
2_ وتحكيم المقاصد لتضييق الخلاف متيسر.
3_ وحسن الظن بالمخالف من أخلاق المتبصر.
4_ ونشدان القطع في كل المسائل متعذر
5_ والطعن في اجتهاد أهل الحق أسلوب متكرر.
6_ و متتبع عورات العلماء سلوك كل متعثر
7_ و الاعراض والقفز على اجتهادات السابقين صفة كل متكبر.
#فحسن الظن مع سلامة القصد ، قد تخرج صاحبها من دائرة الحرج الى دائرة الفرج، خاصة ممن لهم سبق وسهم في الاسلام ، و أثر ظاهر بين الأنام.
فاجتهد و انتقد ثم اعتقد ، و لكن إياك والاقصاء واحتكار الصواب في مسائل الاجتهاد.
واعلم أن كلام الشارع يحتج به ، وكلام العالم يحتج له ، ففرق بين يحتج به ويحتج له .
فإياك وانزال أقوال العلماء منزلة النصوص، فكل يؤخذ من كلامه ويرد ، الا المعصوم صلى الله عليه و سلم.
ولو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف …
ومن لم يطلع على إختلاف الفقهاء، لم يشم رائحة الفقه …
وتركت التفصيل لأهل التأصيل …
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول ، فيتبعون أحسنه .