إسماعيل (عليه السّلام) وصفاته في القرآن الكريم
بقلم د. علي محمد الصلابي
وردت كلمة إسماعيل في القرآن الكريم اثني عشرة مرة في ثمان سور هي: سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والأنعام، وإبراهيم، والأنبياء، وص، ومريم، ومعظم المرات التي ذكر فيها، كان يذكر فيها اسمه فقط ضمن أسماء مجموعة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، جعلهم الله من ذرية إبراهيم – عليه السّلام -: إسحاق ويعقوب، وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى، وعيسى وإلياس وإسماعيل واليسع، ويونس ولوط، ومن قبلهم نوح عليهم الصلاة والسلام والمذكورون في هذه الآيات ثمانية عشر نبيّاً.
وفي سورة إبراهيم، ورد اسمه مرة واحدة في الآية (39) التي تثبت شكر وحمد إبراهيم لربّه عزّ وجل؛ لأنّه وهبه على الكبر إسماعيل وإسحاق – عليهم الصلاة والسّلام -، وفي سورة مريم ورد اسمه مرة واحدة أيضاً، حيث أشاد الله به وأثنى عليه؛ لأنَّه كان صادق الوعد، وكان رسولاً نبياً، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان مرضياً عند الله (الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، (1/383)
قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} ]مريم:54-55[ فأثنى الله عزَّ وجلَّ عليه بعدة خصال، نذكر منها:
- الصدق والوفاء بالعهود:
قال الطبري عند تفسير هذه الآية: يقول – تعالى ذكره- لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم: واذكر يا محمد في الكتاب إسماعيل بن إبراهيم، فاقصص خبره إنه كان لا يكذب وعده ولا يخلف، ولكنه كان إذا وعد ربه أو عبد من عباده وعداً وفّى به (الطبري، التفسير، (15/561)
ومن أعظم ما وفّى به صبره على الذبح إذ قال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} وفّى بذلك فمكّن أباه من الذبح، وذلك جليُّ في قوله سبحانه عنه وعن أبيه الخليل – عليه السّلام -: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ]الصافات:103[، ومن ذلك أيضاً وعده أباه الخليل بمعاونته في بناء البيت، فإن إبراهيم – عليه السّلام – قال له: يا إسْمَاعِيلُ، إنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ له بَيْتًا، قالَ: أَطِعْ رَبَّكَ، قالَ: إنَّه قدْ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عليه، قالَ: إذَنْ أَفْعَلَ، وكان أن عاونه كما قصّ الله عزّ وجل ذلك في كتابه: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ]البقرة:127[.
وهذه الخصلة الحميدة سمّة الأنبياء جميعاً، وإنّما خصّ الله عزّ وجل وإسماعيل – عليه السّلام – بالثناء عليه بها، تشريفاً وإكراماً؛ لأنَّه اشتهر بها، وبرزت فيه بشكل خاص وتنبيهاً على عظمها، ولذلك كان ضدّها وهو إخلاف الوعد من صفات النفاق.
- حرصه على الدعوة والإصلاح:
فقد بدأ بأهله وخاصته، إذ كان أمرهم بالصلاة المتضمنة للإخلاص للمعبود وبالزكاة المتضمنة للإحسان إلى العبد، فكمل نفسه وكمل غيره، وخصوصاً أخصّ الناس عنده وهم أهله؛ لأنّهم أحقُّ بدعوته من غيرهم، ليكونوا أسوة يُقتدى بهم في الخير والصلاح والإحسان، كما أمر سبحانه وتعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} ]طه:132[، وأمر سائر المؤمنين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ]التحريم:6[، فجمع إسماعيل – عليه السّلام – بذلك بين الصّلاح والإصلاح وكان داعٍ إلى الله عزّ وجل، لأهله المقرّبين وأهل ملته.
- رضا الله عنه؛ لامتثاله أمر ربّه واجتهاده في طاعته:
وفي حرصه على رضاه، ارتضاه الله وجعله من خواص عبده وأوليائه المقرّبين، قال الفخر الرازي عند قوله تعالى: {وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}: هو نهاية المدح؛ لأنَّ المرضي عند الله هو الفائز في كل طاعاته بأعلى الدرجات (الرازي، التفسير الكبير، (21/233)
- وُصفه بالصّبر:
ورد اسمه في سورة الأنبياء في الآية (85) مقروناً مع إدريس وذا الكفل – عليهم السّلام – قال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)} ]الأنبياء:85-86[، فوصف مع غيره من الرسل المذكورين من الأنبياء في القرآن الكريم بالصّبر، والصّبر حمل النفس على ما تكره وتحمّل الأذى في سبيل الله، والصّبر على الطاعات والكفِّ عن المعاصي والصّبر على أقدار الله المؤلمة، وقد كان منهم هذا الصبر بنوعيه؛ فلا يستحق العبد اسم الصّبر التام حتى يوفي هذين النوعين حقّهما.
- وُصف بالخيرية:
شهد المولى تبارك وتعالى لإسماعيل – عليه السّلام – في كتابه العزيز بالخيرية، قال تعالى: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ} ]ص:48[، والمراد بالأخيار: المُنَزّهين عن شوائب الشرور، لقد أمر الله تبارك وتعالى رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يذكر هؤلاء الأنبياء بأحسن الذكر والثناء عليهم بأحسن الثناء، فإن كلاً منهم من الأخيار الذين اختارهم الله من الخلق، واختار لهم أكمل الأحوال من الأعمال والأخلاق والصفات الحميدة والخصال السديدة. (السعدي، التفسير، ص840)
- وُصف بالنبوّة والرسالة:
قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} ]مريم:54[، لقد أرسله الله إلى قبيلة جرهم وكانت رسالته إليهم رسالة أبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلُّ على اختيار الله تبارك وتعالى لإسماعيل – عليه الصلاة والسّلام – رسولاً منه إلى قومه الذين يقيم معهم في مكة على فضل الله عليه ورحمته به، ومنزلته عند الله عزَّ وجل، فالله لا يختار من يحمل رسالته ودعوته للناس، إلا من كان كفؤاً لذلك، قال الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ]الأنعام:124[. (أبو فارس، مع الأنبياء في الدعوة إلى الله،
ومن خلال الدراسة، اتضح لنا جواز أن يكون هناك أكثر من رسول في أكثر من موضع، مثل إبراهيم، وإسماعيل، ولوط، حيث إن لوطاً رسول، مصداقاً لقوله تعالى: {وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} ]الصافات:33[.
وقد كان إبراهيم في مكان، ولوط في مكان آخر، كما يخبرنا العليم الخبير بقوله جلَّ في علاه: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32)} ]العنكبوت:31-32[.
ويجوز أن يكون هناك أكثر من رسول في موضع واحد مثل موسى وهارون عليهما السلام، قال تعالى: {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} ]طه:47[.
ويجوز أن يكون هناك أكثر من نبي في موضع واحد وفي آن واحد، مثل إسحاق ويعقوب عليهما السلام، قال تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} ]مريم:49[.
كما أن مضامين رسالة إسماعيل – عليه السّلام – هي نفس مضامين رسالة إبراهيم – عليه السّلام – في الدعوة إلى توحيد الله وإقراره بالعبادة، وتعليم الناس الأخلاق الحميدة والعبادات الرشيدة والتعامل بينهم بالحسنى.. إلخ (عقيل، إبراهيم من وحي القرآن، ص213)
- وُصف بالحلم:
وصف إسماعيل – عليه السّلام – بالحلم، في قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} ]الصافات:101[، ويعني: الأناة والتثبت في الأمور، وذلك من شعار العقلاء وصفة الحِلم تعني: الأناة ومعالجة الأمور بصبر وعلم وحكمة.
- وُصف بالقوة والعزم:
تظهر في أفعاله التي وصفها لمآرب العزّة، قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} ]البقرة:27[، فرفع القواعد مع أبيه – عليهما السّلام – يتطلب بلا شكّ قوة بدينه تؤهله لهذا الفعل، كما أنه كان رامياً قوياً، كما أنه عرف عنه قوته الروحية، وقوة العقيدة لما قال لأبيه: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.
- وُصف بأنه مفضل عن غيره:
أخبر المولى عزّ وجل عن إسماعيل وعدد من الأنبياء والرسل – عليهم السّلام – تفضيلهم عن العالمين، قال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} ]الأنعام:86[، وإسماعيل – عليه السّلام – مفضل من عدة جوانب منها:
- إيمانه، وصدق عقيدته.
- طاعته لله عزّ وجل.
- رسالته ونبوّته.
- نسبه النبويّ.
- هو جدّ محمد خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم، وكثير مما لا نحصي، وإنما قدمنا هذا القليل لنثير فكر الباحث في الأفضلية. (عقيل، صفات الأنبياء من قصص القرآن، ص 218)
- وُصف بأنه هبة من الله:
قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} ]إبراهيم:39[، هبة بعد دعاء مخلص لله عزّ وجل، يقول الحق مخبراً عن دعاء إبراهيم: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} ]الصافات:99-101[، فإسماعيل – عليه السّلام – هبة، والهبة في الاصطلاح عطاء من غير مقابل.
ومع تتبع الآيات الكريمة، تتضح لنا كثير من الصفات التي وصف بها إسماعيل – عليه السّلام – في القرآن الكريم، والمقرون باسمه صريحاً في الآيات والتي من أهمها: هو رسول نبي، وهو صادق الوعد، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وهو مرضي من عند الله، وهو من الصابرين الصالحين المرحومين، كما أنه من الأخيار الذين اختارهم الله واصطفاهم عليهم الصلاة والسلام. (الخالدي، القصص القرآني، (1/384)
______________________________________________________________
المصدر:
علي محمد الصلابي، قصة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام، ص 777-800.