الإبراهيميَّة: أحدث حيل نشْر الدّين العالمي الجديد5 من 7
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
4. جهود الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة لنشْر الإبراهيميَّة فعليًّا
لم يدّخر القائمون على مشروع فرْض الدّيانة المشتركة جهدًا في إقامة منظَّمات وتدشين برامج دينيَّة الطَّابع، تستهدف نشْر تلك الدّيانة في إطار مؤسَّسي منظَّم من خلال تقديم مساعدات وحلّ مشكلات استعصت على الدّبلوماسيَّة التَّقليديَّة.وتزامنًا مع موجة تطبيع دول عربيَّة علاقاتها مع إسرائيل، بدأت جهود خبيثة على يد محسوبين على الدَّعوة الإسلاميَّة للتَّرويج إلى الدّيانة الإبراهيميَّة الموحدَّة بزعم تعزيز التَّفاهم وإنهاء النّزاعات.
4.1 جهود إماراتيَّة حثيثة لنشْر الدّيانة الإبراهيميَّة
أعلنت دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة في سبتمبر 2019م أنَّها بصدد تنفيذ مشروع بناء مجمع ديني يضمُّ ثلاثة صروح تمثّل الإسلام واليهوديَّة والمسيحيَّة، سيحمل اسم “بيت العائلة الإبراهيميَّة” أو “البيت الإبراهيمي”. وقد جاء الإعلان عن المشروع بعد انعقاد اجتماع اللجنة العليا للأخوَّة الإنسانيَّة اجتماعها العالمي الثَّاني في مدينة نيويورك الأمريكيَّة في 20 سبتمبر 2019م. وقد صرَّحت وكالة الأنباء الإماراتيَّة بأنَّ المجمع الدّيني الجديد سيكون “مجتمعًا مشتركًا تتعزَّز فيه ممارسات تبادُل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات” (CNN بالعربيَّة، 24 سبتمبر 2019).
وكان “وسيم يوسف” من أشدّ المشيدين بذلك المشروع، ووصل به الأمر أن اعتبره “قِبلة” جديدة. أثار مشروع البيت الإبراهيمي الدَّاعية الكويتي، عثمان الخميس، الَّذي اعتبر المشروع “كفرًا”، مذكّرًا بالتَّحريف الَّذي تعرَّضت له التَّوراة والإنجيل، ممَّا يجعل في اقترانهما القرآن الكريم نقضًا لـ “عقيدة الولاء والبراء” (BBC News عربي، 13 يناير 2021). ردَّ الدَّاعية الإماراتي على الخميس في مقابلة مع موقع CNN بقوله: “دخل وفد من المسيحيين على النبي ﷺ صلُّوا في المسجد، في مسجد المدينة…داخل المسجد ليس في الخارج بل في الداخل، فلماذا لم يمنعهم؟ أليس هذا بيت يذكر فيه اسم الله سبحانه وتعالى؟ رفعوا الصليب في مسجد النبي ﷺ لماذا لم يمنعهم؟” (CNN بالعربيَّة، 13 يناير 2021). غير أنَّ ذلك الحديث “لا يصحُّ سندًا، ولا يُحتجُّ به فقهًا”(الإسلام سؤال وجواب، 29 أكتوبر 2020). والحديث منقطع السَّند بعد محدّثه، ابن إسحق، وراويه، محمد بن جعفر بن الزُّبير، عاصَر صغار التَّابعين؛ أي إنَّه لم يعاصر النَّبيَّ (ﷺ)، ولا صحابته، ولا كبار التَّابعين (إسلام ويب، 8 مارس 2009). أمَّا عن مسألة موت النَّبيّ (ﷺ) ودرعه مرهونًا عند يهودي من بني قريظة، الَّتي يسوقها الدَّاعية التَّنويري للدَّلالة على وجود تعاملات مع اليهود في عهد النُّبوَّة، ففي ذلك ما يتوافق مع قول الله تعالى:﴿ لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾[الممتحنة: الآية 8].
ويبدو أنَّ ذريعة نشْر السَّلام وإنهاء الخلافات الدّينيَّة ستكون مبرّر دولة الاحتلال الإسرائيلي للحصول على شرعيَّة إشغالها لجزء من المسجد الأقصى المبارك. فبحسب موقع مصر العربيَّة، أعلن مركز “القُدس الدُّنيويَّة” الإسرائيلي، المعنيّ بشؤون القُدس المحتلَّة، أنَّ ما سُمي “اتّفاق أبراهام” لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات يتضمَّن بندًا غير معلَن ينصُّ على أحقيَّة غير المسلمين في الصَّلاة فيما سُمي “الحرم الشَّريف” أو “جبل الهيكل”، إلى جانب البند المعلَن الَّذي ينصُّ على أحقيَّة كافَّة المسلمين في الصلاة في “المسجد الأقصى” (مصر العربيَّة، 31 أغسطس 2020).
يتَّضح لنا أنَّ ذلك البند المخفي من الاتّفاق صوَّر المسجد الأقصى باعتباره مجرَّد جزء ممَّا يُطلق عليه اليهود “جبل الهيكل”؛ أي أنَّ مساحة المسجد الأقصى، البالغة 144 دونم، قابلة للتَّقسيم، بحيث تُخصَّص مساحة لصلاة غير المسلمين، على أن (تبقى الأماكن المقدَّسة الأخرى في القُدس مسموحة للمصلّين السلميّين من أتباع الدّيانات الأخرى)، كما أورد التَّقرير. يتحدَّى ذلك البند المزعوم في اتّفاق التَّطبيع الإسرائيلي-الإماراتي حقيقة أنَّ ما يطلق عليه اليهود بهتانًا “جبل الهيكل” هو في الأصل يوازي المسجد الأقصى بأكمله، وأنَّ المسجد ليس مجرَّد جزء منه “جبل الهيكل” المزعوم.
وكانت خطَّة كلينتون للسَّلام لعام 2000م قد أشارت إلى المسجد الأقصى المبارك بمسمَّى “جبل الهيكل/الحرم الشَّريف”، في محاولة لطمْس حقيقة أنَّ قبَّة الصَّخرة أحد مُصليَّات المسجد الأقصى، وليس مسجدًا مستقّلًا (وزارة الخارجيَّة الإسرائيليَّة، 23 ديسمبر 2000). وتعمَّد الكاتب الصُّهيوني الأمريكي-الإسرائيلي جويل روزنبرغ (2020) الإشارة إلى ما يطلق عليه اليهود “جبل الهيكل” باسم “الحرم الشَّريف”، المكوَّن من “قبَّة الصَّخرة والمسجد الأقصى” (ص144). والسُّؤال: هل المنطقة الَّتي يريد اليهود فصلها عن المسجد الأقصى هي المنطقة-المشار إليها في الصَّورة أدناه-الَّتي تضمُّ مصلَّى قبَّة الصَّخرة ومصلَّى باب الرَّحمة المقابل له، على أساس الاعتقاد بأنَّ باب الرَّحمة هو باب دخول الماشيح إلى الهيكل؟ وهل لاختيار مصلَّى قبَّة الصَّخرة موقعًا للهيكل علاقة بالاعتقاد بإنَّ الصَّخرة المشرَّفة معبر إلى السَّماوات، كما تخبر رؤيا يعقوب في سفر التَّكوين: (فَخَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ وَذَهَبَ نَحْوَ حَارَانَ. وَصَادَفَ مَكَانًا وَبَاتَ هُنَاكَ لأَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ، وَأَخَذَ مِنْ حِجَارَةِ الْمَكَانِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَاضْطَجَعَ فِي ذلِكَ الْمَكَانِ. وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَ ذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا. وَهُوَ ذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ) (سفر التَّكوين: إصحاح 28، آيات 10-13).
مصلَّيات المسجد الأقصى
وقد نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيليَّة في 13 سبتمبر 2020م مقالًا دعَت فيه إلى إقامة صلاة مشتركة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وولي عهد أبو ظبي، الشَّيخ محمَّد بن زايد، في “جبل الهيكل”، عند زيارة الأخير لدولة الاحتلال؛ بهدف تدشين مرحلة جديدة يصير فيها “جبل الهيكل” مقصدًا لصلاة كافَّة النَّاس، تحقيقًا لنبوءة العهد القديم الَّتي تقول (لأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ الشُّعُوبِ) (سفر اشعياء: إصحاح 56، آية 7)، داعيةً إلى تصحيح ما اعتبرته مفهومًا خاطئًا عن عدم جواز صلاة اليهود في المسجد الأقصى (روسيا اليوم، 14 سبتمبر 2020). وأعلن وزير الدَّاخليَّة الإماراتي، “سيف بن زايد آل نهيان”، عن إقامة صلاة مشترَكة بهدف الدُّعاء من أجل رفْع بلاء وباء كوفيد-19، شارك فيها عشرات من رجال الدّين من مختلف الأديان (الجزيرة، 17 نوفمبر 2020).
حائط المبكى الإماراتي
هذا، وقد تداوَل نشطاء عبر شبكات التَّواصل الاجتماعي مقطعًا التُقطت في دولة الإمارات لمجموعة من الإماراتيين والإسرائيليين يؤدُّون صلاة مشتركة أمام حائط، أُطلق عليه “أوَّل حائط مبكى في دولة الإمارات” (غزَّة بوست، 13 ديسمبر 2020). يُذكر في هذا السّياق تعمُّد الرُّوائي المصري “علاء الأسواني” في روايته جمهوريَّة كأنَّ (2018) الإشارة إلى أنَّ صلاة مشترَكة بين المسلمين والمسيحيين أفضل من “صلاة يعملها الشُّيوخ والقساوسة الَّذين يأخذون تعليمات من ضبَّاط أمن الدَّولة”، ساعيًا إلى تمرير فكرة الدّيانة المشترَكة باعتبارها وسيلة للتَّمرُّد على تواطؤ رجال الدّين مع السُّلطة؛ بينما الهدف هو التَّرويج لمفهوم الدّين العالمي الجديد.
بإبرامها اتّفاق التَّطبيع مع دولة الاحتلال الصُّهيوني، تعترف دولة الإمارات بشرعيَّة الكيان المغتصب، الَّذي يستند إلى وعْد إلهي مزعوم يمنح بني إسرائيل حُكمًا أبديًّا على الأرض المقدَّسة: (وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلهَهُمْ) (سفر التَّكوين: إصحاح 17، آيتان 7-8). ويصطفى الرَّبُّ إسحق وذريَّته من بني إبراهيم لميراث الأرض المقدَّسة، (إِبْرَاهِيمُ للهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!». فقال الله “بل سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ) (سفر التَّكوين: إصحاح 17، آيتان 18-19). والسُّؤال: أليس في قول الله تعالى﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾[الأنبياء: الآية 105]، وفي قوله تعالى:﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[الأعراف: الآية 128] ما يدحض هذا الزَّعم؟ ويخبرنا الكتاب المقدَّس أنَّ يعقوب وأبناؤه، ورثة الأرض المقدَّسة بعد إسحق، عاشوا في أرض كنعان ثم رحلوا منها إلى مصر، ليعود بني يعقوب إلى أرض كنعان مع النَّبي يشوع: (فَقَامَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ، وَحَمَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ أَبَاهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ فِي الْعَجَلاَتِ الَّتِي أَرْسَلَ فِرْعَوْنُ لِحَمْلِهِ. وَأَخَذُوا مَوَاشِيَهُمْ وَمُقْتَنَاهُمُ الَّذِي اقْتَنَوْا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَجَاءُوا إِلَى مِصْرَ. يَعْقُوبُ وَكُلُّ نَسْلِهِ مَعَهُ) (سفر التَّكوين: إصحاح 46، آيتان 5-6). والسُّؤال: إذا كان الله تعالى يخبرنا في قرآنه أن يعقوب وبنيه عاشوا حياة الارتحال في “الْبَدْو“، أي الصَّحراء، بحثًا عن القوت: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: الآية 100]، وقد أقرَّ بنو يعقوب بذلك أمام أخيهم يوسف ﴿مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ [يوسف: الآية 88]، أليس في هذا التَّحريف الواضح لكلام الله ما يدحض نبوءة المُلك الأبدي لذريَّة إسحق على الأرض المقدَّسة؟ والسؤال الأهم: كيف يمكن الاندماج في دين واحد مع قوم هذه عقيدتهم التي يؤمنون بها ويواصلون الليل بالنهار لتحقيق نبوآتها التي تشتمل على محو المسلمين واستعبادهم؟!
4.2 وسائل فرْض مفهوم المشترك الإبراهيمي
توضح “هبة جمال الدّين” (2018) أنَّ فروعًا عالميَّة تُؤسَّس لما يُسمَّى المنظَّمات المبنيَّة على الإيمان (faith-based organizations)، أو المنظَّمات الدّينيَّة، بوصفها “مراكز إقليميَّة للرَّابطة الإبراهيميَّة”، مهمَّتها توفير الإرشاد الدّيني والسّياسي للنَّاشطين في مجالي الأعمال المدنيَّة والسّياسيَّة؛ ويُضاف إلى ذلك إعداد نخبة من القادة الرَّوحيين من خلال دورات تدريبيَّة تُسمَّى “دورات الممارسين الإبراهيميين”، ومن ثمَّ تكوين ما تطلق عليه الباحثة “أُسر ممارسات السَّلام” (صـ67-68). وتؤكّد “جمال الدّين” أنَّ المستهدَف الأوَّل من ذلك المشروع الخبيث هو المقدَّسات الدّينيَّة، حيث يُخطَّط لنزْع قدسيَّة الكُتب السَّماويَّة واستبدالها بأدلَّة الفكر، أو لتقل دين العقل والضَّمير والأخلاق، “لتكون أدلَّة الفكر الجديدة هي المقدَّسة”؛ هذا إلى جانب محو أهميَّة دور العبادة “لتصبح مراكز الفكر الإبراهيمي هي الَّتي لها الحُرمة” (صـ69). نقلًا عن موقع معهد أبناء إبراهيم، تعدّد الباحثة المنظَّمات النَّاشطة في مجال الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة، الَّتي ينتمي إليها المعهد نفسه، وتضمُّ غيره عددًا من المعاهد والمراكز البحثيَّة المتخصّصة في الدّراسات الكتابيَّة المعنيَّة بتشجيع ما يُعرف بمباحثة الأسفار المقدَّسة (Scriptural reasoning)، وهو نشاط فكري يدخل في إطار حوار الأديان، المعني بدوره بتحقيق التَّعاون الإيجابي بين أصحاب التَّوجُّهات الرَّوحيَّة المختلفة. يقوم نشاط مباحثة الأسفار المقدَّسة على لقاء المسلمين والمسيحيين واليهود لدراسة النُّصوص المقدَّسة سويًّا، والتَّعاون في ابتكار طرق يمكن من خلالها فهْم بعض القضايا المعاصرة الملحَّة والاستجابة إليها. ومن تلك المنظَّمات، تشير جمال الدّين إلى المركز العالمي للدّبلوماسيَّة الرَّوحية، وهو مؤسَّسة أمريكيَّة تعرّف نفسها بأنَّها رائدة مجال الدّبلوماسيَّة الرَّوحيَّة في العالم، وبأنَّها تدعم كافَّة المؤسَّسات النَّاشطة في مجال دمْج الدّيانات الإبراهيميَّة. تذكر الباحثة كذلك مجلَّة التَّفكير بالكتاب المقدَّس، وكليَّة العلاقات المسكونيَّة والأديان بجامعة انديانابوليس، وبرنامج كامبريدج للأديان وجمعيَّة التَّفكير التَّوراتي بجامعة كامبريدج، واتّحاد تراث إبراهيم.
منظَّمة اتّحاد تراث إبراهيم
تتميَّز منظَّمة اتّحاد تراث إبراهيم عن غيرها بأنَّ نشاطها داخل فلسطين المحتلَّة، حيث تأسَّست عام 2004م بهدف “التَّغلُّب على مشكلة التَّفرقة والتَّمييز في فلسطين وإسرائيل من خلال استقطاب مجموعات صغيرة أو كبيرة من المنتمين إلى الدّيانات الأربع الأساسيَّة لقضاء الوقت والعمل والدّراسة سويًّا، وخلْق مناخ من الثّقة والتَّفاهم” (Abrahamic Reunion، 2021). تسعى المنظَّمة، كما يخبر موقعها الرَّسمي، إلى استغلال الدّين في التَّقريب بين أهل الأرض المقدَّسة، كما كان الدّين هو سبب تفرُّقهم، وعيًا منها بأنَّ الحلول السّياسيَّة، دون اللجوء إلى الدّين، لم تسفر عن نتائج ملموسة في إنهاء الصّراع على مدار أكثر من 70 عامًا. وتمتنع المنظَّمة عن اتّخاذ أيّ وضعيَّة سياسيَّة، وينصبُّ تركيزها على إحداث تفاعُل بين النّساء والشَّباب والطُّلاب والزَّعماء الدّينيين لتكوين شبكة من التَّفاهم، وتحفيز تسوية النّزاعات من خلال الحوار بين أصحاب مختلف العقائد. انتبهت المنظَّمة إلى مشكلة العزل العنصري على أساس ديني في الأراضي المحتلَّة، الَّذي يتجلَّى في تخصيص قرى بأكملها للمسلمين دون غيرهم، وقرى أخرى لليهود لا يساكنهم فيها المسلمون. وكان الحلُّ الأمثل لتلك المشكلة هو جمْع النَّاس ليوم أو يومين للحديث حول العادات والثَّقافة والنُّصوص الدّينيَّة؛ لكسْر حاجز الخوف وتجديد الأمل في السَّلام. وما نجحت فيه تلك المنظَّمة منذ تأسيسها هو تشجيع المسلمين على زيارة الكُنُس اليهوديَّة، واليهود على زيارة المساجد؛ وحمْل المسيحيين إلى أضرحة الدُّروز، والدُّروز إلى الكنائس. بدون أجندة سياسيَّة، تتعاون المنظَّمة مع أعضاء الكنيست الإسرائيلي ومسؤولي السُّلطة الفلسطينيَّة؛ وبفضل التَّمويل المتزايد، يمكنها الآن إعداد مزيد من البرامج لتدريب القادة على بناء السَّلام والحوار بين الثَّقافات.
المصدر: رسالة بوست