مقالاتمقالات المنتدى

خصائص خليل الله إبراهيم -عليه السّلام- وصفاته العظيمة (2)

خصائص خليل الله إبراهيم -عليه السّلام- وصفاته العظيمة (2)

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

إنّ خليل الله إبراهيم عليه السلام عَلمٌ من أعلام الدنيا، شخصية فذّة وقامة سامقة، تجسدت في شخصيته الكريمة صفات عظيمة وفضائل كريمة، جعله الله أهلاً وناشطاً؛ ليضع أساس وقواعد ملة عظيمة، واضحة المعالم ومستقيمة وسمحاء، تصلح للناس جميعاً، وللأحوال كافة على مدى الدهور، فإن إبراهيم عليه السلام هو خليل الله، وهو النبيّ، والرسول، والصّديق، والمصطفى، والمجتبى، والمهدي، وأبو الأنبياء، والشاكر، والأواه، والمنيب، والحليم، والقانت، والموقن، والحنيف، وذو القلب السليم، والأمّة، والإمام، والأسوة، والصالح، وصاحب الصحف، وهو أول من بنى لله بيتاً؛ ليُعبد الله سبحانه فيه على الأرض، وهو أول من يُكسى يوم القيامة، وهو من أراه الله سبحانه ملكوت السماوات والأرض، وكل هذه الصفات ثابتة بأدلة قطعية الثبوت من كتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم. (عبد الستار كريم المرسومي، ملة أبيكم إبراهيم، ص243)

ومن  هذه الخصائص والصفات والفضائل:

  1. عمارة البيت الحرام:

   فإبراهيم عليه السلام هو الذي بني بيت الله، وأذن في الحج بحجه، وثوابه من الله عليه لا ينقطع ما دام البيت قائماً يحج الناس إليه ويعتمرون، وقد أمر الله نبيّه وأمته أن يتخذوا من مقام إبراهيم تحقيقاً للاقتداء به وإحياء آثاره. (جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام، ص186)

  1. إكرام الضيف:

إن من أبرز صفات النُبل والمروءة إكرام الضيف، وقد حثَّ الإسلام على هذه الفضيلة، وقد اشتهر خليل الرحمن حتى صار يكنى بأبي الضيفان، وقد شرحنا الآيات المتعلقة بكرمه – فيما سبق – في سورة هود، والحجر والذاريات. (أحمد البراء الأميري، فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، ص257)

  1. الخُلة:

قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} ]النساء:125[، والخُلة “بالضم”: هي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب، وهذا الوصف صحيح بالنسبة إلى ما في قلب إبراهيم عليه السلام كم حب الله تعالى، وأما إطلاقه في حقّ الله سبحانه فهو على سبيل المقابلة، وقيل في خلة إبراهيم عليه السلام هي منه العداوة في الله والبغض فيه والولاية في الله والحبّ فيه، وهي من الله عزّ وجل نصرة إبراهيم عليه السلام على من يريده بسوء وتمكينه مما يحب وتصييره إماماً لمن بعده وقدوة لمن خلفه.

ولا يخفى أن من هذا التفسير زيادة على المعنى اللغوي للخُلة، وأنه شرح لها بالنظر إلى نتائجها، فإبراهيم – عليه السَّلام – لما تشبع قلبه بحبِّ ربّه عزّ وجل، ولما أحبه ربّه واصطفاه، كان من نتيجة ذلك أن نصره وجعله إماماً للناس أجمعين، ولا شكَّ أن إبراهيم – عليه السَّلام – قد تخللت محبة الله تعالى قلبه، وكان صادقاً في محبته لربّه. (فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، ص233)

إنَّ الله سبحانه وتعالى قد اتّخذ عبده إبراهيم خليلاً لما تحلّى به من الفضائل والشمائل، ولأنه اطّلع على قلبه الذي تشرّب حب الله وطاعته فوجده أهلاً لهذه المنزلة الرفيعة والتكريم والتعظيم، وإذا كان إبراهيم عليه السلام قد أكرمه الله بقلب “الخليل” واتخذه خليلاً، فإن هذا ليس خاصاً به، فقد شاركه في هذا الفضل نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، حيث اتخذه الله أيضاً خليلاً (فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، ص234)

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن جندب رضي الله عنه قال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قبْلَ أنْ يُتوفَّى بخمسِ ليالٍ خطَب النَّاسَ، فقال: أيُّها النَّاسُ إنَّه قد كان فيكم إخوةٌ وأصدقاءُ، وإنِّي أبرَأُ إلى اللهِ أنْ اتَّخِذَ منكم خليلًا، ولو أنِّي اتَّخَذْتُ مِن أمَّتي خليلًا لَاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ خليلًا، إنَّ اللهَ اتَّخَذني خليلًا، كما اتَّخَذ إبراهيمَ خليلًا، وإنَّ مَن كان قبْلَكم اتَّخَذوا قبورَ أنبيائِهم وصالحيهم مساجدَ، فلا تتَّخِذوا قبورَهم مساجدَ، فإنِّي أنهاكم عن ذلك صحيح البخاري، رقم (1904)

  1. خيرُ البريّة:

عن أنس بن مالك قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقالَ: يا خَيْرَ البَرِيَّةِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: ذَاكَ إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ صحيح مسلم، رقم (2369).

وقال العلماء: إنما قال صلّى الله عليه وسلّم هذا تواضعاً واحتراماً لإبراهيم عليه السلام لخُلته وأبوته، وإلا فنبينا صلّى الله عليه وسلّم أفضل، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: “أنا سيد ولد آدم”، ولم يقصد به الافتخار، ولا التطاول على من تقدمه، بل قاله بياناً لما أمر ببيانه وتبليغه، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: “ولا فخر”، لينفي ما يتطرق إلى بعض الأفهام وقيل يحتمل أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: إبراهيم خير البريّة قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم… ولا يمتنع أنه أراد أفضل البرية الموجودين في عصره، وأطلق العبارة الموهمة للعموم لأنه أبلغ في التواضع.

ولذا، فإن إبراهيم عليه السلام، أفضل أهل زمانه بلا مُنازع، بل هو أفضل خلق الله بعد خاتم النبيين عليهم صلوات الله كما يدلُّ عليه هذا الحديث (فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، ص235)

  1. الإمامة:

امتنَّ الله سبحانه على رسوله إبراهيم- عليه السَّلام -، فجعله إماماً للناس به يقتدون ويهتدون، وذلك لبلوغه الذروة في الفضل والشرف، ولحيازته من مكارم الأخلاق وجميل الصفات ما يجعله أهلاً لذلك، قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} ]البقرة:124[.

قال ابن جرير الطبري في تفسيره: إنما أراد جلّ ثناؤه بقوله لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}: إني مصيرك تؤم من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي، فتتقدمهم أنت ويتبعون هديك، ويستنّون بسنتك التي تعمل بها، بأمري إياك ووحيي إليك. (تفسير الطبري “جامع البيان في تأويل القرآن”، (3/18))

  1. الاجتباء والاصطفاء:

قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام بأنه {اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ]النحل:121[، واجتباء الله العبد هو تخصيصه إياه بفيض إلهي يتحصّل له منه أنواع من النعم، بلا سعي من العبد، وذلك للأنبياء وبعض من يقاربهم من الصدّيقين والشهداء، فالله سبحانه هو الذي اختار إبراهيم عليه السلام لهذا الفضل العظيم وأكرمه بهذا الخير العميم وهداه إلى صراط التوحيد الخالص القويم  (الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص283)

وقال عنه كذلك: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} ]البقرة:130[، وقد يكون الاصطفاء بإيجاده تعالى إياه مصفّى من الشوائب الموجودة في غيره، وهو الذي جعله في الآخرة من الصالحين، وهكذا نرى أن الاجتباء والاصطفاء لفظان لمعنيين كتشابهين ووصفان لرجتين متقاربتين، نالهما إبراهيم عليه السلام بمَنّ الله وكرمه. (فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص237)

  1. الرُّشد:

قال تعالى عن خليله عليه السلام: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} ]الأنبياء:51[، وفي هذا ثناء عظيم على رسول الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فالله تبارك وتعالى آتاه رشده أي هداه إلى التوحيد منذ أن كان صغيراً، وكان جل جلاله عالماً به وبأنه أهل لذلك الإيتاء.

وفي هذه الآية الكريمة ردّ على لروايات الإسرائيلية الكثيرة عن دخول إبراهيم عليه السلام السّرب وهو رضيع، وعن نظره إلى الكواكب والتبصّر فيها والاعتقاد بأنها أرباب له، فإن هذا يتنافى حتى مع الفطرة التي فطر الله بها الناس العاديين عليها والتي يشير إليها قول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ، كما تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِن جَدْعَاءَ. صحيح البخاري، رقم (1358).

  1. النبوّة في ذريته:

ذكر الله تعالى أنه جعل في نسل إبراهيم – عليه السّلام – النبوة والكتاب، فقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} ]العنكبوت:27[، وهذا تشريف كبير من الله تعالى لعبده ورسوله إبراهيم أن يحصر النبوة والكتاب في ذريته، فلا يكون بعده نبيّ إلا من نسله، فهو أبو الأنبياء وهو من أوليّ العزم. (فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص238)

  1. اتخاذ مقامه مصلّى:

كرّم الله خليله إبراهيم – عليه السّلام – فأمر نبيه محمداً صلّى الله عليه وسلّم المؤمنين برسالته أن يتخذوا من مقامه مصلّى، قال تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ]البقرة:125]. (فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص239)

  1. وليّ النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم:

الوليّ: هو الصديق والمحبّ والنصير، وإبراهيم هو أقرب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، ولا يخفى ما في هذا من فضل ومزية لإبراهيم، فَهُما – على الرغم من البعد الزماني بينهما- قريبان في المحبة، وقريبان في منزلتهما عند الله، قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا} ]آل عمران:68[.

  1. اللين والرحمة:

اتّصف خليل الله فيما اتّصف به من صفات الكمال باللين في الله والرحمة لخلق الله، وقد ضرب رسولنا صلّى الله عليه وسلّم المثل بإبراهيم – عليه السلام – في اللين والرحمة، روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟” فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستأن بهم لعل الله يتوب عليهم. قال: وقال عمر: يا رسول الله أخرجوك وكذبوك، فاضرب أعناقهم. قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم أضرم عليهم ناراً، قال: فقال له العباس: قطعت رحمك. قال فدخل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ولم يرد عليهم شيئاً. قال: فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. قال: فخرج عليهم رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- فقال: “إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: { فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [إبراهيم: 36]، ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة: 118]، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: { رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح: 26]، وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: { رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ } [يونس: 88]. (مسند أحمد، رقم (3632)، وإسناده ضعيف لانقطاعه)

من هذا الحديث نعلم أن اللين في غير تراخٍ، والرفق في غير ضعف، كانا من صفات خليل الله الرحمان عليه السلام حتى إن محمداً صلّى الله عليه وسلّم ضرب به المثل في هاتين الصّفتين والمتتبع لسيرة إبراهيم عليه السلام يجد هذه الصفة واضحة فيها كما مرّ معنا في أكثر من موضع.

__________________________________________________

المصدر:

د. علي محمد الصلابي، قصة بدء الخلق وخلق آدم u، دار ابن كثير، ط1، ص 1302-1305.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى