مقالاتمقالات مختارة

عن إخفاقات الإسلاميين وتنازلاتهم.. المغرب العربي مثالا

عن إخفاقات الإسلاميين وتنازلاتهم.. المغرب العربي مثالا

بقلم منذر فؤاد

العودة إلى الوراء، هذا ما حصل حرفيا مع حزب العدالة والتنمية المغربي، بعد أن مني بهزيمة كبيرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حصل فيها من المقاعد على 13 مقعدا، أي مايعادل 10% من المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات السابقة عام 2016 (125 مقعدا).

لاشك أن هناك أسبابا كانت وراء إخفاق الحزب في الانتخابات، لكن القشة التي قصمت ظهر الحزب، كانت امتطائه حصان التطبيع، والمسارعة لإعلان علاقة غير شرعية مع الكيان الصهيوني، اعتقادا منه ربما أن هذه الخطوة ستمنحه مساحة لإثبات حضوره في المشهد الدولي، لكنه لم يحسب حساب أن هذه الخطوة ستطيح به داخليا.

بالنسبة لمؤيدي الحزب في الداخل المغربي، أو من النخب السياسية المتعاطفة مع الحزب من الخارج المغربي، فإن فشل الحزب لا يعدو عن كونه تعبيرا عن الديمقراطية الحقة، التي ترفع أحزابا وتضع أخرى وفقا للإرادة الشعبية، وهذا الخطاب الهلامي ليس إلا تغطية بائسة لهزيمة نكراء تستحق المراجعة وسبر الأغوار لفهم الانقلاب الشعبي على الحزب.

تزعم الأحزاب السياسية الإسلامية، أن مرجعيتها إسلامية في الحكم والممارسة السياسية، وهذا ما يحفّز فضول الناس لمعرفة تجربة هاته الأحزاب في سدة الحكم، بعد أن يئسوا من تجارب مكرورة لاجديد فيها سوى شعارات تناسب المرحلة، لكن مشكلة الأحزاب الإسلامية تتمثل في أنها سرعان ماتنخلع من انتمائها الفكري عندما تصل إلى السلطة، بدعوى التجديد والبراغماتية.

إن المواطن الذي انتخب الأحزاب الإسلامية، ومنحها صوته، إنما كان يبحث عن تجربة جديدة، تليق بمستوى تطلعاته، لكنه يصاب بخيبة أمل، عندما يجد أن الوجوه فقط هي من تغيرت، بينما طريقة الإدارة بقيت كما هي، وهذا ربما يجعله يراجع خياراته، ليقرر منح صوته لأحزاب يستسيغ منها الانحراف السياسي، مالايستسيغه لأخرى تتخذ من الدين الإسلامي مرجعية لها.

إن جانبا من إخفاقات تجربة التيار السياسي الإسلامي في الحكم بشكل عام، هو أنها تتراجع كثيرا عن رؤيتها عندما تمسك بزمام الحكم، ولاتجد حرجا في أن تصبح ملكية أكثر من الملك، علمانية أكثر من العلمانيين، في إطار تسميه الانفتاح والتجديد، هو في الحقيقة انقلاب فكري عن المبادئ التي نشأت في كنفها هذه الأحزاب.

تنازلت النهضة كثيرًا عن مبادئها في سبيل إثبات مرونتها واعتدالها، وإرضاء الخارج، فعليا كانت تمارس انقلابا فكريا على مرجعيتها، ووصلت إلى منطقة وسطى فلا هي أرضت الخارج ولا هي حافظت على مبادئها، ولم يكن انقلاب الرئيس التونسي المستبد سعيّد إلا امتدادا لانقلاب الحركة الفكري على ذاتها.

هناك عوائق كثيرة، شكلت تحديات أمام التيار الإسلامي لممارسة السلطة، ابتداء من خوضهم اللعبة السياسية وفقا لقواعد لم يشاركوا في تأسيسها، مرورا بقلة خبرتهم في الحكم كون عمرهم السياسي مضى معظمه في الملاحقة والتضييق، وليس أخيرا، معضلة الثورات المضادة المدعومة خارجيا لإفشالهم فاقتلاعهم فيما بعد، على أن أخطر هذه العوائق فقدان ثقة الناس، نتيجة تنازلات التيار الإسلامي لصالح المنظومة القديمة الحاكمة، إذ يصعب استعادة ثقة الناس، بينما يمكن التغلب على الفشل المؤقت.

يجب أن تشكل تجربة التيار الإسلامي في المغرب العربي، فرصة للمراجعة الجادة، والعودة إلى المبادئ الإسلامية التي أقصيت لصالح التجربة السلطوية، والتركيز على تلبية مطالب الداخل المشروعة، وكسب الشرعية الشعبية، بدل تلبية مطالب الخارج المكلفة، بحثا عن شرعية دولية تتغير وفقا للمصالح.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى