مقالاتمقالات مختارة

كيف نتعامل مع الشبهات الفكرية المعاصرة؟

عثرات هي تلك الشبهات والوساوس، نهرب منها بزعم أن مردَّها إلى الشيطان ووسواسه؛ فنستعيذ اللهَ منهُ، عائدين إلى ديننا الموروث، دونما ردٍّ ولا تأصيل لما عُرِضَ علينا وَجَالَ بخاطرنا، إنما هو محض دفعٍ لها بما نملك من قليل علمٍ بأصول ديننا ومقاصده التي أهملنا معرفتها، وأهملوا تعليمنا إيَّاها.

فساءت تلك العودة المُحمَّلة بالهزائم النفسية والتشكيك الصامت. وهيهات أن نصل بمثل تلك الحال إلى المراد: ” كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ”. وحاشاه سبحانه أن يرتضيَ دِينًا تتخطَّفه الظنون تحيطه الشبهات. بل هو دينٌ له أصولٌ وثوابتٌ ومقاصد؛ ولما كان ذلك اعتنى العلماء قديمًا وحديثًا بأحاديث الروح تلك التي نكتمها خوفَ مآلاتها، فرسموا لنا طريق معالجتها، ومنهجية تعاطيها، وحرروا بواعث الفكر والنقد والاستدلال.

أولًا: قواعد وقائية من الشبهات الفكرية المعاصرة

ما سُمِّيَ القلبُ قلبًا إلا لكثرة التقلب، فكيف به هذا القلب في غمار الحرب دونما درعٍ أو سيف، تُعرض عليه الشبهات، تحوم حوله الفتن، يموج ملتجئًا إلى حصنه فيجده متهاوٍ! فما لنا سوى إقامة بنيان هذا القلب، وتعزيزه بمصادر اليقين، ودلالات وبراهين صحة مسلكه وعقيدته.

  • تعزيز اليقين بأصول الإسلام

ولما كان منشأ الفتن ضعفُ الإيمان؛ وَلَّيْنا وجهنا صوب قلوبنا ننزع عنها غرس الشكوك بربط القلب بالقرآن وتدبر آياته ودلالاته، وترميم جدرانه بعبادات القلوب وأعمالها، وتعليق النفس بخالقها، والقراءة في كتب بيان دلائل صحة أصول الإسلام[1]. ومطالعة قصص المسلمين الجدد وما تحوي من رقائق وكأنهم يتحدثون عن دين غير الدين الذي قُتِلَتْ روحُهُ في قلوبنا بإحالته إلى عادات وطقوس.

  • تكوين العقل الناقد

لاق بعظمة هذا الدين وحامليه تفحص الحجج والبراهين والدلالات بعقل ناقد تُورَدُ عليه الشبهات فيُفكِّكها ويردّها إلى مصدرها، لا تمر عليه المغالطات مرور الكرام. ومما يساعد في تكوين هذا العقل أن يكون على دراية بطرق البحث العلمي وامتلاك مهاراته وأدواته، والقراءة في كتب آداب البحث والمناظرة وعلم الجدل؛ فيميز المقبول من المردود، والسمين من الغث.

  • التأصيل الشرعي

لا يستقيم بنيان معرفي دونما قاعدة معرفية بأصول الفنون الشرعية من عقيدة وفقه ومصطلح وعلوم لغة وقرآن. فهذا هو مرد الأمر كله، لا حراك بدونه ولا محاكمة لشبهة إلا وإليه المآل.

  • تحديد مصادر التلقي والمعرفة والموقف من كل مصدر

بين العقل والنقل اصطنعوا لنا المصادمات؛ فحارت عقولنا أيهما يُقدم أو يُؤخَّر، وكيف السبيل وأين المورد! فكيف تكون هذه الحَيرة ومصادرنا غاية في الإحكام والاتزان، إذْ لا تعارض بين قَطْعِي عقل ونقل، فخالق العقل هو مُشرِّعُ النقل، وإجماع العلماء حُجَّة، وأخبار الآحاد يُنظَر فيها ولا تُسفَّه، منظومة معرفية متكاملة، إحكام معرفتها من أوجب وسائل الوقاية المُحتاج إليها في هذا الوقت.

  • عدم التعرض لخطاب الشبهات من غير المتخصص

الشُبَهُ خطَّافة والقلوب ضعيفة؛ فلا يكون لغير المُختص أن يحوم حول كتابات المُشكِّكين بُغية الثقافة العامة، ومعرفة ما عند الآخر.

  • القراءة الوقائية في كتب الردود على الشبهات

ومما يعزز اليقين ويُثبِّتُ الفؤاد أن يجد من الأدلة العقلية والنقلية ما يدحض قول المُعاند مثير الشبهة، ويرد عليه قوله. وهنا يجب اختيار الكتب بعناية، إذ أن كتب الوقاية من الشبهات يجب أن تكون مما يُجْمِلُ في عرض الشبهة ويُفصِّل في الرد عليها، وأن تكون قوية الحُجة والبرهان.[2]

  • الدعاء والابتهال

وأخوف ما نخاف عليه هو إيماننا، فليس أوجب من أن نسأل الله الثبات، ونستعيذه من أن يصرف قلوبنا عن دينه، ونسأله ما سأله إياه رسولنا ﷺ: “يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبِّتْ قَلْبـِي عَلَى دِينك”.

ثانيًا: قواعد للتعامل مع الإشكالات والشبهات بعد ورودها

جولة في أروقة الفكر نتفقد معها ما نُقش على جدران الذاكرة مما يعلوه الغبار، أو أُرسل إلى تلك المتاهات لنخفيه عنا، فنخرج منها بمزيد إعراضٍ عن تلك النقوش وكتمانٍ لتلك الصِراعَات والشبهات ونظن أنَّا نسيناها كأن لم تكن!

مُحالٌ أن تكون إشكالاتنا هذه بلا جواب، وحالنا تلك بلا علاج، لذا وفي غمرة الشبهات هذه التي تأتينا من كل حدب وصوب، وكثرة الواقعين فيها فإننا بحاجة إلى:

  • استعمال التفكير الناقد والتوثيق العلمي في التعامل مع المعلومات والأفكار.
  • سؤال المتخصصين عما يُعرض لنا ويجول بخاطرنا، لتطمئن قلوبنا.
  • مراجعة الجهود السابقة في الرد على نفس القضية المُستَشْكَلة.
  • التماسك أمام الشبهة التي لم نعرف جوابًا لها، فليس معنى ورود شبهة أنها صحيحة، وليس عدم علمنا بالجواب دليلٌ على عدم وجوده. ” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”.
  • دراسة سلبيات الانتقال إلى الفكر اللاديني الإلحادي.

في ظلِّ هيمنة النموذج الفكري الغربي، وولع المغلوب بتقليد الغالب؛ صارت ركائز أمتنا مُزلزلة لا تقوى المواجهة، تهابُ قيمَ الزيفِ من ديمقراطية وعلمانية وتشريعات وضعية؛ فتخشى نقدها، فضلًا عن ردِّها. وتضطربُ لانتصارها؛ فيشرب القلب هواها. ويخدعها بريقها؛ فتُسارع في تطويع عقيدتها ملاءمة للموضة الفكرية المعاصرة، وتماشيًا مع عقيدة المُنتصِر.

وما كان لخير أمّة أُخْرِجَتْ للناس أن تزل قدمها بعد الثبوت، وتتعثر بعد المسير، وتعصف بها كل شاردة وواردة، وتتخبطها الأهواء والهزائم النفسية. ولا أن تعيد ترتيب منظومتها الشرعية محابة لشِرعة لا يخفى على عاقل وجه قصور إحكامها، ولا مزلق تحكيمها، فضلًا عن هدر النصوص الشرعية لموافقة هواها.

لقد كان من رحمة الله تعالى بعباده أن أنزل إليهم دينًا تامًا كاملًا مُبرَّأ من كل عيب، وسبيل استشعار ذلك أن تعمد الأمة إلى إقامة ركنها الإيماني التعبدي، وتشييد حصن يقينها، ومصارعة الشبهات بالحجج والدلالات، والخروج من سطوة ضغط الثقافة الغربية بنزعتها المتنكرة للدين، وتجاوز الخطاب العلماني الذي يريد حصر الدين في المسجد؛ فإذا مُكِّن له فالمنزل؛ ومن ثَمَّ فمحاكم التفتيش والإلحاد.


المصادر:

مبنى هذه المادة: كتاب سابغات للأستاذ أحمد السيد، ص 55-88.

[1] بيَّنا بعضها في 15 كتابًا ترسم لك طريق التعامل مع الشبهاتِ المُثارة حول الإسلام.

[2] يمكن الاطلاع على بعض هذه الكتب من المصدر السابق.

(المصدر: أمة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى