مقالاتمقالات المنتدى

عمالقة الصبر والإرادة

عمالقة الصبر والإرادة

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا 

 

نجح ستة فلسطينيين اليوم في الهرب من أسرهم الثاوي في واحد من أشد السجون الصهيونية خطورة؛ وذلك عبر نفق ضيق ظلوا يحفرونه بصبر ودأب طيلة بضع سنوات بملعقة طعام!

لقد أحدث هذا الحادث دوياً في الأوساط الصهيونية؛ ليس لأن الستة الفلسطينيين من أصحاب المحكوميات العالية فقط، ولكن لأنه تعبير قوي ومخيف عن تعاظم الإرادة الفلسطينية التي تؤذن بذهاب ريح الصهاينة واقتراب النصر الفلسطيني المؤزر، ولقد عبّر عن ذلك أحد خبرائهم فقال: “إن ما حُفر ليس مجرد نفق في الأرض بل في مؤخراتنا”!

 يا لهؤلاء الرجال الأفذاذ الذين لم يستسلموا للأقدار التي مكنت الصهاينة من رقابهم ووضعت مصائرهم بأيدي حفنة من الحثالات، بل دافعوها بأقدار الرفض وخطط الخلاص وتصميم أولي الأيدي والأبصار!

ومن المؤكد أن عشق هؤلاء الأباة الأكيد للحرية وبغضهم الشديد للاستعباد، هو الذي أبقى مشاعل عزتهم متقدة، وأبقاهم رافضين للخنوع والاستسلام، ومنع آفات الإحباط واليأس والقنوط من النفاذ إلى دواخلهم، رغم أنهم مأسورون في واحد من أكثر السجون تطورا وتحصينا!

 كم يملك هؤلاء الأبطال من إرادات صلبة لا تعرف الخور، وكم يختزنون من عزائم فولاذية لا تعترف بالضعف، فقد ألغوا المخاوف الداخلية التي هي جزء من التركيبة الطبيعية للبشر، وتغلبوا على المصاعب الخارجية بإرادة تفل الحديد وشكيمة لا يتطرق إليها الوهن، ولا غرابة إن قلنا إن إرادة هؤلاء الرجال لو وزعت على شعب بكامله لكفتهم، من أولئك الذين يدفعهم الخور للتدافع ضمن قطعان العبيد، وتُغريهم الهزيمة النفسية بالتنافس على ولوج حظائر الطغاة والمكث في زرائب الفراعنة!

كم صبر أولئك الأفذاذ على مشاق الحفر، وكم صابروا ورابطوا داخل ذلك النفق الضيق المظلم، وما هي طبيعة التقوى التي منحتهم خطة الخلاص ومنعت تحول هواجس الخوف إلى أغلال تمنعهم من مواصلة الحفر؟ وهي هواجس كثيرة كالخوف من اكتشاف النفق أو انقطاع الأوكسجين أو تهدم النفق أو الخطأ في تحديد نقطة الانبعاث إلى ضياء الحرية!

كيف استطاع هؤلاء الرجال أن يختزلوا دواخلهم جبالاً من الصبر الذي مكّنهم من مواصلة الأيام في حفر خندق طويل بملعقة طعام صغيرة، وتوزيع ترابه كل يوم على أحواش السجن بأكفهم الضارعة إلى الله بصورة لا تلفت أنظار العيون المتلفتة والكاميرات المراقبة على الدوام!

كم هي طاقة الرجاء التي توسّلوا بها لتحقيق ما يبدو مستحيلا، ذلك الرجاء الذي أراهم ساعة الخلاص قريبة وهي على بعد آلاف الأيام غير آبهين بالأهوال والأخطار وغير متحسبين لعواقب الإخفاق!

 وكم تسلّحوا بالآمال التي قرّبت لهم البعيد وهوّنت عليهم الصعب وجعلت المستحيل ممكنا!

وبعد هذا كله فإنني أتعجب كيف استطاع هؤلاء العمالقة الكبار أن يتضاءلوا؛ حتى يستطيعوا عبور ذلك النفق الضيق إلى الحرية وهم بتلك العظمة!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى