التنظيمات الإسلامية.. رؤية من الداخل (1)
بقلم محمد عماد صابر
الحركة الإسلامية بتنوع مكوناتها وسمو غاياتها ونبل أهدافها وإخلاص عناصرها، هي حركة بشرية بفكر وأداء بشري، لها وعليها من النجاحات والإخفافات والإيجابيات والسلبيات.
الإشكالية الكبرى، أن يمنح البعض نفسه مسحة دينية تضفي عليه هالات القداسة وضمانات العصمة؛ بإسقاط قداسة النصوص على الكيانات وبعض الشخصيات، لدرجة تحرّم وتجرم مناقشة الأفكار أو تقييم الممارسات من أقوال وأفعال، خاصة منصات القيادة. وهذا واقع بيقين في الحركات الإسلامية الشيعية وبعض الجماعات التابعة لأنظمة الحكم الخليجية، وقد تمدد هذا المرض إلى قلب الحركة الإسلامية، وإن كان بغطاء تنظيمي أكثر منه شرعي، ما عطل أدوات التفكير والمحاسبة والرقابة والتغيير. وأصبح الدفاع والتبرير هو النمط السائد بقصد ودون قصد، فمنصات القيادة تبرر ما تفعله بما تملك من أدوات، ومن بعدها القواعد تبرر بدافع الثقة في القيادات.
تداعيات هذا النمط، ترتب عليها إبعاد أصحاب الرأي والرؤى والنقاش والجدل لاعتبارات وخلفيات متعددة؛ بعضها اتهام للنوايا، وثانية خطورة هؤلاء على الفكرة والرسالة، وثالثة لتطهير الدعوة من المشككين وأصحاب الهوى المتطلعين.
ربما يدهش البعض عندما يقال؛ إن العلاقات الإدارية والتنظيمية داخل الأحزاب العلمانية أكثر سيولة وسهولة ووضوحا وانفتاحا من مثيلاتها داخل الحركة الإسلامية.
وربما يدهش قطاع من قواعد الحركة الإسلامية بمثل هذا الطرح؛ نظرا لبعده عن مطابخ وغرف عمليات التنظيمات، فهو لا يرى منها إلا الشعارات والمظاهر، لذلك هؤلاء هم ضحايا التنظيمات.
من تحديات العمل التنظيمي الإسلامي، أن التنظيم يسلب الفرد قدرته على العمل الفردي والانطلاق الذاتي؛ لأنه يعيش لسنوات كسن في ترس وبغطاء ديني لا يستطيع الحركة أو الدوران إلا به وليس من خلاله، فضلا عن تنازله عن كثير من الحقوق والاحتياجات الإنسانية والطموحات البشرية المشروعة. مثلا، التطلع إلى المواقع التنظيمية العليا واعتبار ذلك جرما في عرف البعض ومحرما في عرف البعض الآخر، أو يخرق صدق النية وسلامة الطوية عند آخرين، في حين تجد الصراع على أشده بين قيادات المستويات العليا دون هذه المحاذير.
أيضا من التحديات، مواصفات وصفات النموذج الإنساني والمنتج التربوي المطلوب، الذي يختلف في الواقع التنظيمي عن الأدبيات المعلنة. في الواقع التنظيمي؛ النموذج المنشود هو النموذج التابع دون نقاش مرهق، يسمع ويطيع ويثق ويوثق ويدعم دون فهم لكن بثقة في المستوى الأعلى، والذي هو عنده يعرف أكثر ويفهم أكثر ويقدر أكثر، وربما هو عند الله أقرب. من هنا كانت المحاسبة والرقابة من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى شبه معدومة.
من هنا لزمت إعادة النظر في منظومات القيم وشبكات المعارف وخرائط العلاقات؛ لأنها تنتج في النهاية إنسانا ليس بالمواصفات الحضارية المنشودة، تنتج إنسان الجماعة أو التنظيم في الفكر والمعتقد والسلوك والوفاء والولاء، فإذا تعددت التنظيمات تعددت المنتجات والمخرجات، وكان المجتمع الواحد عدة مجتمعات.
إنسان الجماعة أو التنظيم في الغالب الأعم هو ترس في ماكينة أو جندي في كتيبة، أو ريموت لا يتحرك إلا بالبرمجة؛ لأنه نتاج برامج ومحاضن ومعارف وقيم تنتج أفرادا ينتظرون التكاليف والتعليمات، ولا يقوون على الحراك الذاتي والمبادرات، وإن كانوا يتمتعون بقدر معقول من القيم والأخلاق، لكنها جزء صغير من مواصفات الإنسان المنشود لهذا العصر المتغير بلا حدود.
المصدر: عربي21