بقلم د. سعيد بن ناصر الغامدي – منتدى العلماء
المجتمع مثل الجسم البشري فيه عمليات حيوية إيجابية تتم من خلال قيام الأعضاء بوظائفها بطريقة إيجابية وهناك عوارض سلبية تعترض المسير الإيجابي لهذه العمليات الحيوية، ومن هذه العوارض ما هو كثيف مثل الأورام الخبيثة، ومنها ما هو خفيف كالمغص والصداع العارض.
ومثل هذا يتم في المجتمعات بشكل عام ، وفي مجتمع المثقفين والدعاة والعلماء بشكل خاص فتصدر المؤلفات والأعمال الفكرية ،أوالمواقف المعبرة عن نبض المجتمع وحركته، وتؤدي هذه الأعمال دورها الحيوي والإيجابي، فعلاً أو انفعالاً، وكلما تكاثفت العمليات الحيوية الإيجابية تحركت في مقابلها عوارض سلبية، تعترض وتنتقد بشكل سلبي، والأمثلة في ذلك كثيرة، ومنها على سبيل المثال أن مجموعة من العاملين للإسلام كتبوا عام 1423/ 2002 خطاباً بعنوان (على أي اساس نتعايش؟) يخاطبون بها ما تبقى من العقل والضمير الأمريكي ويعبرون عن وجهة نظر أو يسجلون موقفاً، وهذه عملية حيوية لو لم تتم لكانت دليلا ً على ضعف الفاعلية، وفقدان القدرة على التحرك والتمثيل الثقافي، المشابه للتمثيل الغذائي في الجسم.
وهنا برزت عوارض ثقافية سلبية –بعضها موجّه- تصنف الكاتبين، وتدرس نواياهم وتحاكم مقاصدهم، وتسخر من السباق المارثوني وتهزأ من هذه الأساليب وتلك المحاولات، وتجتهد في تحويلها من ظاهرة إيجابية إلى عكس ذلك، وهذه الاعتراضات –بسبب سلبيتها المفعمة– تدل على ما يمكن تسميته بالمغص الثقافي والصداع المعرفي، وهي ظاهرة ستبقى موجودة، ما وجدت الأمراض والمشافي، وهي تستحق معالجة متأنية وبصيرة، خاصة للذين احترفوا هذا المنهج وساروا في الطريق السلبي المحض الذي يمكننا -بناء عليه- أن نتخيل أنهم لو لم يصدر هذا البيان لصرخوا: أين المثقفون؟ وأين موقف النخبة؟ لماذا لا نجد من يرد على رسالة المثقفين الأمريكان؟ هل عقمت الأمة هل أجدبت العقول؟
هذا مجرد مثال من آلاف الأمثلة التي حدثت إزاء كتب أٌلّفت، أو مجلات صدرت، أو مؤسسات أنشئت، أو إصدارات سمعية أو بصرية نشرت، بل حتى تغريدات أو ملصقات كتبت في مواقع التواصل!!
وينبغي التذكير بأن النقد العلمي النزيه والمؤدب ميزة تثري وتنفع وتسدد وترشد، و ليس المطلوب الثناء الزائف ولا الهجاء الواجف، بل النقد المتركز على العدل والإنصاف واحترام وجهات نظر الآخرين، ورؤية المحاسن والعيوب معاً، والحكم على الآخرين وأعمالهم بحسب الغلبة والرجحان.
وعلى المنتَقِد إما أن يعرض عن هذا ويتجاهله، بوصفه لغواً، والأفضل من ذلك أن يتقبّل النقد ولو صدر من صاحب مغص معرفي أو صداع ثقافي، أو كراء فكري، فربما صحت الأجسام بالعلل.
أما أولئك الذين احترفوا التقاط العيوب وأرشفة السلبيات فمن صالحهم الشخصي أن ينتبهوا لأنفسهم من مخاطر هذه البرمجة السلبية، وآثارها المدمرة على أنفسهم ومن حولهم؛ فإن إيحاءتها المحبطة وعواقبها الهابطة باهضة الثمن. وبإمكانهم أن يتذكروا أن هذه الطريقة هي طريقة من يقول (ما رأيت منك خيراً قط) كما جاء في الحديث الشريف.
وقد جاء في مجمع الزوائد بسند فيه مقال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الذي يسمع الحديث فلا يحدث إلا بشر ما سمع، كمثل رجل أتى صاحب غنم فقال أعطني شاة قال خذ خيرها شاة، فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم).