وقفات مع الشيخ حسان ووفد العلماء
بقلم مصطفى البدري
أولا:
أود أن أعتذر عن كوني أقوم بالرد على أناس هم عند عموم المسلمين علماء وحكماء،
لكن حسبنا أن الحق يعلو ولا يعلَى عليه،
وقد كان ابن القيم رحمه الله يقول في تعقيبه على الشيخ إسماعيل الهروي:
(وشيخ الإسلام حبيبنا، لكن الحق أحب إلينا منه).
ثانيا:
أؤكد وأكرر أن دفاعي عن إخواني لا يعني أنني موافق لهم في مساراتهم وخياراتهم، بل إن ردي وانتقادي لهذه المسارات مدَوَّن ومنشور،
لكني أفعل ذلك من باب قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ مسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ ينْتَهَكُ فِيهِ حرْمَتُهُ،
وَينْتَقَصُ فِيهِ عِرْضُهُ إِلَّا خَذَلَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يحِبُّ فِيهِ نصْرَتَهُ،
وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ ينْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَتنْتَهَكُ فِيهِ حرْمَتُهُ إِلَّا نَصَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يحِبُّ فِيهِ نصْرَتَهُ».
وأقَسّمُ ردي على المشايخ إلى قسمين، (شكلا ومضمونا):
أولا: من حيث الشكل
قام الشيخ محمد حسان بإعلان الأمر في مسجد الحصري
(والكلمة مسجلة ومنشورة على اليوتيوب) يوم 25 رمضان 1434
وقبل لقائه الثاني بأعضاء التحالف دون أن يستأذنهم في الإعلان عن بدء الحوار.
ثم إنه ذكر أن التحالف طلب من وفد العلماء أن يتوسطوا من أجل أمور ثلاثة فقط
(عدم فضِّ الاعتصامات بالقوة،
تخفيف حدة الخطاب الإعلامي للانقلابيين،
الإفراج عن المعتقلين)،
في الوقت الذي كانت فيه مطالب التحالف المُعلنة آنذاك هي
(عودة الرئيس ومجلس الشورى المنتخبين شعبيا، وعودة العمل بالدستور)،
وهو ما أكده د. صفوت عبد الغني في شهادته أنه كان مطلب التحالف الأساس من وفد العلماء قبل أي تفاوض.
وأعتقد أن هذا الإعلان بهذا الشكل كان هو السبب الأساس في رفض التحالف استكمال مسيرة التفاوض عبر هذا الوفد.
أكد المشايخ أثناء اللقاء الذي أذيع مسجلا على قناة الرحمة يوم الأربعاء 17/8/2016 على أنهم ممنوعون من ممارسة الدعوة،
بما يوحي بأن هذا اللقاء نفسه قد تم بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية،
وبالطبع.. لو لم يكن هناك رضا من الأجهزة الأمنية عن مضمون هذا اللقاء لما تمت إذاعته أصلا.
ومما يؤكد ذلك، أن جريدة الوطن قد نشرت نَصّ كلمة الشيخ محمد حسان في هذا اللقاء قبل إذاعته بساعات،
وأنا قرأته على موقعهم الساعة التاسعة مساء بتوقيت اسطنبول (الثامنة بتوقيت القاهرة) في حين أن الحلقة أذيعت الساعة العاشرة.
إذن فالحلقة عندهم قبلها بوقت كاف يسمح بمراجعة المضمون وتفريغ الكلمة ومن ثمّ نشرها.
وإنني لَأَتَألَّم أشد الألم وأنا أرى هؤلاء المشايخ يسقطون في مستنقع التنسيق مع الأمن المُعادي والمحارب للحركة الإسلامية،
في موضوع لا فائدة منه إلا تجميل صورة السيسي وتشويه صورة خصومه!!
ثانيا: من حيث المضمون
1- تأكيد المشايخ على أنهم (لا يتكلمون في السياسة)، و(مجرد وسطاء بين متخاصمين وليسوا طرفا)،
رغم أن دور العلماء في كل عصر ومصر هو إحقاق الحق وإبطال الباطل في أي مجال.
إظهار الأمر على أنه صراع بين طرفين، وليس حلقة في حلبة الصراع الطويل الممتد بين الحق والباطل.
تسويتهم بين د. محمد مرسي الذي تولى السلطة بإرادة شعبية، وبين السيسي الذي استولى عليها بقوة السلاح واستعمال قوة الجيش والشرطة في الوصول لهدفه.
ولا أظن أن هناك عامِّيا، فضلا عن عالم، إلا ويستطيع التمييز بين د. محمد مرسي والسيسي في الأُطُر الأربعة (الدين – الوطنية – النزاهة – الكفاءة).
تشبيه الحالة الراهنة بما كان بين الحسن بن عليّ ومعاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما)،
رغم أن الحالة أشبه بحال عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ومن خرجوا عليه وقتلوه،
حيث عثمان هو الحاكم الشرعي أصلا والسلطة مستقرة معه، أما الحسن ومعاوية فقد كان النزاع في بدء الأمر قبل أن يستقر الحكم لأحدهما،
(وإن كنت لا أرى تشبيه أيٍّ من الطرفين بالصحابة، فهما عندي أشبه بالمماليك المسلمين رغم بدعهم وظلمهم،
والتتار أعداء الدين والأمة رغم ادعائهم الإسلام، وخاصة بعد تصريح السيسي بأنه ما قام بالانقلاب إلا لمنع قيام دولة إسلامية).
هؤلاء ليسوا حكاما وهذا ليس خروجا
دائما يذكرون قول الله عز وجل: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}
دون أن يكملوا الآية الكريمة هروبا من تَبِعَتِها
{فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
والعدل هو أن يأخذ صاحبُ الحقِّ حَقَّه كاملا.
الحديث عن الدِّيَةِ في حالة قَتْلٍ متَعَمّد، رغم أنه لا يجوز الحديث عنها في هذه الحالة إلا بعد تسليم القاتل لأولياء الدم للقصاص منه،
وبعد ذلك هم بالخيار (يَقْتَصّوا أو يقبلوا الدية أو يعفوا بالكلية)،
لكن في مثل حالتنا هذه يعتبر الحديث عن الدية نوعا من لَيّ الذراع أو الابتزاز
أخشى ما أخشاه هو إضفاء الشرعية على قاعدة (البقاء للأقوى)،
والإلقاء في روع الجماهير أن علماء الإسلام ينبغي أن يكونوا دائما في صف المنتصر (المُتَغَلِّب)،
بغض النظر عن قيام هذا المتغلب بمقاصد منصبه من عدمه، ولعلهم قد اعترفوا بشيء من ذلك عندما تكلموا عن إغلاق القنوات الإسلامية وتأميم المنابر والمساجد،
وقد فصّلت القول في هذا الأمر في مقال سابق بعنوان: (هؤلاء ليسوا حكاما وهذا ليس خروجا)،
فاليوم نشبه الحدث بحال الحسن ومعاوية، وإذا تَغَلَّبَ أنصار الشرعية شبهناه بحال عليٍّ ومعاوية،
وهذا تشويه للدين والشريعة الإسلامية التي جاءت بالعدل المطلق دون قيد مع أي أحد،
ويتأتى هذا الشعور من كون المشايخ تكلموا فقط عن جزء من المشكلة (رفض التحالف للتفاوض)
ولم يتكلموا عن حق الجماهير في الاعتراض على إهدار حقّهم في اختيار حاكمهم وقد قيل (إن لصاحب الحق مقالا).
المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية