مقالاتمقالات مختارة

أركان الإسلام ومصالح الحكام

أركان الإسلام ومصالح الحكام

بقلم محمد جمال هلال

(لا مُشَاحَّة في الاصطلاح) قاعدة أصولية تعنى أن الخلاف إذا كان واقعًا في الأمور الاصطلاحية فإنه لا ينبني عليه حكمٌ، ولا اعتبارَ به. ومن هذه القاعدة يمكن القول أن مصطلح “ركن” أو “أركان الإسلام” لم يرد لفظٌ  لا في القرآن الكريم ولا في صحيح السنة النبوية، وإنما هو مصطلح فقهي متأخر عن زمن الوحي، أفرده الفقهاء للعبادات والفرائض الأساسية، استنادًا لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: “بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان”. متفق عليه.

كما وردت تلك الفرائض الخمس في أحاديث عدة وآيات تخصها بأنها العبادات الأساسية لهذا الدين.

كما لنا أن نعلم أيضاً أن العبادات أو الفرائض الخمس للإسلام “الشهادة ( الذكر) والصلاة والصدقة والصيام والحج”، لم يُختص بها الإسلام دون غيره من الأديان بل هي فرائض رئيسية في شرائع من قبلنا سواء في الديانات السماوية أو الأرضية.

فهل حقاً هذه الأركان تختزل قواعد الإسلام كدين؟ وهل يمكن أن نلخص تعريف الإسلام كدين للعالمين فقط في تلك العبادات والطقوس الأساسية؟

سؤال تفتح الاجابة عليه الباب لجدل حول تقسيمات أركان وأسس هذا الدين.

فالإسلام  وفق مفهومه الشامل لم يكن يومًا دينا لعبادات فردية، يفرض على اتباعه تلك الفرائض فحسب، بل هو دين ومنهاج ودولة وأمة ينظم علاقة العبد بربه، وعلاقة المجتمعات المسلمة ببعضها بعضا كأفراد وجماعات، وعلاقاتها بغيرها وفق أركان وأساسيات تعبدية تميز بها هذا الدين، لكن هذه الأركان الخاصة يمكن أن نصك لها مصطلحًا يحمل “أركان الإسلام السياسية” أو “أركان الإسلام المهجورة” إذ أن تلك الأركان التي سنذكرها وردت مقترنة في آيات وأحاديث كفرائض أساسية مع الصلاة والزكاة والصيام والحج، بل قدمت هذه الفرائض أحيانا على الزكاة والصيام والحج.

أركان الاسلام الأساسية

بل إن حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم أورد ذكر هذه الفرائض وأضاف إليها فريضة الجهاد كما في حديث معاذ بن جبل قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ أخبرني بعمَلٍ يُدخِلُني الجنَّةَ ويباعِدُني من النَّارِ، قالَ: لقد سألتَني عَن عظيمٍ، وإنَّهُ ليسيرٌ على من يسَّرَهُ اللَّهُ علَيهِ، تعبدُ اللَّهَ ولا تشرِكْ بِهِ شيئًا، وتُقيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتي الزَّكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتحجُّ البيتَ، ثمَّ قالَ : ألا أخبرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ كلِّهِ وعمودِهِ، وذِروةِ سَنامِهِ ؟ قلتُ: بلى يا رسولَ اللَّهِ، قالَ : رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ… الخ) رواه الترمذي وسنده صحيح

وفي هذا الحديث يتحدث النبي عن أركان الإسلام الأساسية من عبادات ويقول رأس الأمر الإسلام أي شهادة التوحيد وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، فعُلم يقينا من الحديث فرضية الجهاد ومنزلته إلى تلك الأركان والفرائض المذكورة فضلاً عن ذكره في القرآن الكريم مفروضًا مع الصلاة والزكاة، وللباحث أن يتدبر أن القرآن الكريم ذكر الجهاد بفرضه وفضله حيث سماه جهادًا أو قتالًا أو نفيرًا في سبيل الله بمنازله قولاً وعملاً ومالاً في 71 أية  38 منها للقتال 27 للجهاد 6 للنفير، وهي تزيد عن مرات ذكر الصلاة صريحة دون مشتقاتها التى حصرت في 68 مرة بينما ذكر الحج في القرآن الكريم 11 مرة فقط.

وقد اقترن هذا الفرض العظيم والركن بالصلاة وقدم عليها قال الله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} سورة النساء: 77

فريضة الجهاد

وقدم الله الجهاد على الحج وعمارة المسجد الحرام فقال:(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) التوبة 19

والجهاد ليس الذي شوهه البعض من أمة محمد ولا تلك الدول التى استغلته لتوسيع حكمها وبسط نفوذها تحت هذا المسمى، وإلزام التجنيد على شعبها كسخرة وجباية، ثم العدوان على جيرانها، ولكنه كجهاد شرع لحرية البشرية ودفع الظلم عن الناس ليختاروا بحريتهم معتقداتهم ويقيموا العدل والسلام وليعبدوا الله كخلفاء له في الأرض.

كما أن هناك ركنا من أركان الإسلام أيضًا تم تهميشه في أمة محمد وهو ركن الشورى والذي يعد مبدأ للحكم والسياسة في الأمور كلها فالاسلام كدولة وأمة لا يقوم على الجبر والقمع والتغلب بل يختار الشعب حاكمه وفق آليات الاختيار التى وصفها القرآن بالشورى وسمى سورة باسمها لتكون منطلقا للمجتمع هي ركن من أركان هذا الدين بنص القرآن قال الله تعالى (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) سورة الشورى

فجمع الله في آية الصلاة بالشورى وتلاها بركن الزكاة، وأمر نبيه وهو الذي يأتيه الوحي بقوله في كتابه (وشاورهم في الأمر)، والسنة تعج بأحاديث وقصص للشورى والبيعة باختيار الحاكم في شؤون متعددة،

وقد أجمع الصحابة أن الرسول صلى الله عليه وسلم مات وقد جعل الأمر شورى بين أصحابه يختارون من يرونه أصلح لخلافته.

فجعل الأمر شورى فيهم ولو شاء لسمى لهم لكن كي يؤصل هذا الركن الأصيل في بناء المجتمع والدولة وهو اختيار الأمة لحاكمها بالشورى والرضا وحرية الاختيار لا الإجبار والغصب.

والحرية أيضا

كما أن من أركان الإسلام أيضاً الحرية ومن أركانه العدل، فالحرية في اختيار المعتقد كما في قوله (لا إكراه في الدين) وقوله (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) تفتح الباب واسعاً في الحريات العامة والشخصية بتلك الضوابط التي تحفظ للمجتمع عدم التعدي على الآخرين ومعتقداتهم، فيوضح أن اعتناق الدين لا يكون جبرًا  وإنما إيماناً وأن من يتولى ويكفر فحسابه يوم القيامة فهو بذلك ينشد الحق للناس ولا يكرههم على اعتقاد.

كما يوضح الإسلام أن العدل ركن من أركانه في عشرات الآيات فذكره مقترناً بالصلاة (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) الاعراف 29.

وجعله أساس الأمة الإسلامية فقال ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ الأعراف: 181.

باطل خالد الجندي

إن الحقائق التاريخية تفتح أمام أعيننا رصدًا لمخالفات ورد ذكرها في تراث أمتنا لحكام ما بعد حقبة الخلفاء الراشدين، حيث هجر بعضهم أركان الإسلام من شورى وجهاد والنضال بقول الحق أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، بالإضافة للحرية والعدل من أجل مصالحهم السياسية وللحفاظ على ملكهم، ليظهر لنا في عصرنا من لا يزال يحمل هذا التراث تحت مسمى ما يعرف بعلماء السلاطين، حيث لا يرى هؤلاء هذه الفرائض في الإسلام مهمة ويروجون بأن الإسلام ما هو إلا عبادات وطقوس وأن أي دعوة لشورى أو عدل أو استقلال أو تحرر من احتلال أو نضال ضد استبداد أو حرية للشعوب ما هي إلا دعوات ضد الإسلام وهي دعوات جاهلية ومن يدعو لها خارجي مضل، بل قد تجد منهم دعوة تحدثك عن أركان الإسلام من منظورهم حيث جعلوا الوطنية بمعناها الولائي للحاكم في شخصه هي ركن من أركان الإسلام. وهذا بدا منتشراً في وسائل إعلام عربية في الفترة الأخيرة، ففي حلقة تلفزيونية على قناة dmc المصرية بتاريخ ٩ يناير ٢٠٢١م قال الداعية الأزهري خالد الجندي أن أركان الاسلام ليست خمسة أركان وإنما يمكن أن تكون أكثر من ذلك وأضاف أن ركن حب الوطن من أركان الإسلام دون ذكر دليل شرعي.

والحقيقة أن ما قاله الجندي حول أن أركان الاسلام ليست خمسة أركان هو حق أريد به باطل، فالشيخ اراد توزيع صكوك الوطنية كصك ديني من قبل من يسمون بـ (الدولجية) ليصبح من يخالف السلطة غير وطني،  والغير وطني طبعاً  قد أسقط ركنا من أركان الاسلام وبتالي يدخل في دائرة الكفر أو الفسق أو الخيانة، وعليه فإن الشيخ قد قلب علينا ظهر المجن، فبدلاً من أن تكون الحرية والعدل والنضال والشورى والجهاد من أركان الإسلام أصبحت الوطنية تحت لواء السلطة وطاعة الحاكم المستبد هي الإسلام نفسه، لتستمر أركان الإسلام في أوطاننا مهجورة، وليبقى الاستبداد قابعأ على رقاب أمتنا المقهورة.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى