السعي وراء الغرائز الأساسية: تحريف حروب الثقافة الحديثة
بقلم أويس فاكهاني
هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: Pursuit of Base Desire: The Perversion of Modern Culture Wars لكاتبته: Dr. Tumadir في موقع: muslimskeptic.com. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.
لطالما حاز النقاش حول حروب الثقافات على النصيب الأكبر من اهتمام الدول، فهم حتى اللحظة هذه عاجزين عن التصدي لمحاولات الفئات المتمردة التي تحاول تحريف حروب الثقافة عن مسارها ونسف المعايير والقيم الأساسية التي يقوم عليها المجتمع بأكمله.
إلى جانب تداول بعض المواضيع بشكل مبالغ به؛ مثل سيادة العرق الأبيض على بقية العروق وحقوق الشواذ وظهور فئات جديدة تطالب بتحديد مصطلحات تشرح ميولهم في المجتمع سواء كان طبيعي أم مختلف.
كما أنها حددت نوع العلاقات العاطفية المقبولة اجتماعيًا (بما في ذلك تربية الأطفال). بينما انقسم عامة الناس لاتجاهين مع وضد حركة التمرد، كانت مواقف من هم في السلطة أكثر حيادية ومحور اهتمامهم هو الحفاظ على مراكزهم، ذلك يعني؛ إن كانت مصالحهم مع الجمهوريين المتمردين فلا بأس بدعمهم.
أما بالنسبة للمسلمين، فالحروب الثقافية ساعدت في توضيح بعض المشكلات التي تطرحها الحكومات العلمانية على جميع المواطنين (وليس المسلمين فقط). وهنا يظهر للعيان أن النظام الذي يتم تغذية عقولنا به باعتباره الخيار الأفضل لنا، لديه بعض العيوب الخطيرة التي يجب أخذها في عين الاعتبار.
في حين سمحت الحكومة العلمانية في الولايات المتحدة بتفضيل الغرائز على الأخلاق تحت حجة “العيش بحرية والسعي وراء السعادة”. لا نستطيع إنكار أن النفس البشرية تبحث عن السعادة دائمًا ولكننا نعلم من إيماننا أنه ليس كل ما نظن أنه سيسعدنا فيه فائدة لنا. يقول الله تعالى في جزء من الآية 216 من سورة البقرة:
(وعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّوا۟ شَيْـًٔا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُون)
بإمكاننا استيعاب أن محور الحروب الثقافية هو أن نطلق العنان لأنفسنا والعيش دون قيود، ولكن هذا الهجوم المبالغ به ضد القيم والأخلاق العامة وطبيعتنا البيولوجية السليمة غير مقبول بتاتًا.
تحويل ما هو مقبول اجتماعيًا
https://youtu.be/9dqJojRinOw
تم تعريف الزواج بكل أنحاء العالم على أنه رابطة تجمع بين شخصين “ذكر وأنثى” سواء كان مع تعدد الزوجات أم لا، ولكن في الآونة الأخيرة بات أقرب للشذوذ الجنسي بسبب تصاعد أصوات فئات من المجتمع تطالب بحق تثبيت الزواج قانونيًا ولكن مع شريك من نفس الجنس “أي من ذكر لذكر وأنثى لأنثى”، مع ذلك فإن الانحدار الأخلاقي لهذه الدرجة أوضح عن إيجابيات كانت مبهمة؛ حيث بدأت الناس تدرك أهمية الزواج التقليدي وتعدد الزوجات في بعض الحالات، وهذا مثال توضيحي بسيط يشرح هذه الفكرة:
حلم آندي إيزنسون ورو خان وكال تي وعايدة ماندولي بإنشاء مكان مثالي حيث يمكن للأشخاص المثليين والمتحولين ومتعدد الزوجات أن يشعروا بالأمان والترحيب فيه. كانوا لسنوات يروون لبعضهم البعض قصصًا عن الممتلكات التي سيبنونها في هذا المكان. وفي نهاية عام 2017، فقد آندي ورو عقد إيجارهما في بروكلين؛ حينها أدركوا بأن الوقت المناسب للانتقال قد حان. وجدوا منزلًا بمساحة 14 فدانًا وبعض المباني الملحقة في أولستر بارك، على نهر هدسون. وأطلقوا على دولتهم اسم Rêve والتي تعني الحلم أو الأمنية باللغة الفرنسية.
ومثله مثل الآخرين من المتمردين طالب آندي بتخصيصه هو وبني جنسه بضمير “هم” ألا وهو المختلفين جنسيًا، حيث قال إنه إذا أردت الحديث عنه فبإمكانك الإشارة إليه بأي ضمير تريده “هي أو هو”؛ معتقدًا أن البشر جميعًا هم ليسوا إلا تمثيل غير مكتمل للغة وتجاربنا هي التي تحدد من نكون.
وأيده رو قائلًا: “تعجبني كلمة “تجمُّع” فعندما نوحد أصواتنا جميعًا نشكل موقفًا قويًا، مثلًا نحن إلى جانب فئة متعددي الزوجات وأنت مع الذكور المتحولين جنسيًا وأنا مع الإناث المتحولين وهكذا، مع أني لا أمتلك نفس الميول لكنني في صفك”.
والآن بعد هذا التلاعب بالأفكار إن كنت مازلت قادرًا على تحديد مصطلح “زواج” بناءً عليه، فأنت تستحق جائزة. وإذا تمكنت من تحديد المصطلحين “ذكر” و”أنثى” بناءً على ذلك إذًا فأنت تستحق جائزة أخرى.
فمن غير المنطقي أن الأشخاص الذين يطالبوننا بفهم كل هذه المصطلحات والتعامل معها هم نفس الأشخاص الذين يقولون بأن اللغة “حرة” وإلى حد كبير غير قابلة للتحديد. فلماذا تهتم باتخاذ موقف إلى جانب فئة معينة إذًا؟
وإلى جانب الخطر المتمثل في صعوبة التواصل مع بعضنا البعض فإن الهدف الأساسي للغة هو الدفاع عن معتقداتنا وقيمنا عندما ينهار المجتمع أخلاقيًا مثلما أمرنا الله عز وجل.
لماذا هذه الحروب خطيرة جدًا
لأنه كلما أصبح القتال ضد فطرتنا السليمة أمرًا طبيعيًا كلما أتيحت الفرصة لأولئك الذين لديهم رغبات واهية بالانضمام إليهم في النهاية كلنا بشر وننجرف مع التيار.
وبوجود كل هذه الأفكار يصعب على المرء بأن يكبح زمام رغباته.
وإذا كان السعي وراء الغرائز الأساسية للنفس (أي الانحراف) يُنظر إليه على أنه أمر مقبول، فسيكون من الأسهل بكثير على أفراد ذلك المجتمع الانخراط في مثل هذا السلوك. بحيث يتم عرض هذه النشاطات -مرارًا وتكرارًا في كل منصات التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام أيضًا- مما يجعلها تبدو شائعة ومقبولة. علاوة على ذلك، يدرك السياسيون أنهم إذا أرادوا البقاء في السلطة فمن الأفضل أن يبدأوا في استخدام مصطلحات مثل “الوالدان البيولوجيان” و”الحليب البشري” وتعميم أن “الحب هو الحب بغض النظر عن هويتك”. للأسف إنهم يدركون أن هذه المحادثات هي وسائل تشتيت مفيدة ويسعدهم استخدامها في دعايتهم لتخدم مصالحهم.
والآن أصبح من السخيف بأن نسمع أشخاصًا يقولون ليس من شأن الآخرين التدخل بأمور البشر الشخصية “الجنسية”. عذرًا دعني أوضح لك أمرًا مهمًا؛ يحق لك قول هذا عندما تحتفظ برغباتك وميولك داخل غرفتك فقط لا أن تعلن عنها وتفرضها على المجتمع وحين يهاجمك أحد تقول هذا ليس من شأنك؟؟
بسببهم هم وأمثالهم لم تعد حروب الثقافة تكترث بهم “الشواذ” بل أصبحوا أمرًا مسلمًا به واتسعت لتشمل أمورًا أكثر تعقيدًا مثل “متعددي الميول الجنسية”. ومن الواضح أن كل ما يسعون إليه فقط هو اعتراف المجتمع لعلاقاتهم كي لا تذهب امتيازاتهم الاقتصادية لغيرهم.
هل ستحل هذه العلاقات محل العديد من العائلات السليمة؟ الكثيرون يروا بأنها ستكون أمرًا إيجابيًا وفق الدراسة التي أجرتها مؤسسة شؤون الأسرة والتي ذكر فيها:
“يمكن أن تكون هذه القيم والفضائل الليبرالية “الفردية، الوفاء، والتسامح” قيّمة في العلاقات الحياتية العامة، لكنها غالبًا ما تكون في حالة توتر مع الحياة الأسرية المستقرة. في الواقع، وجد العلماء أن انتشار هذه القيم الفردية منذ الستينيات ارتبط ارتباطًا وثيقًا بفكرة المساكنة، وتقليل الزواج، والمزيد من الطلاق، وزيادة عدم الاستقرار الأسري.”
من المهم أنهم يشيرون إلى الفردية على أنها مشكلة لأن الفردية تسمح لرغبات الفرد بأن تكون لها الأولوية على شؤون الجميع. والآن يمكننا أن نؤكد بأن الحروب الثقافية تأخذ هذه الرغبات الفردية وتفرضها علينا جميعًا. “اقبل علاقتي المتعددة غير المتطابقة مع الجنس حتى نتمكن من تربية الأطفال مثلك”. “أنا أحدد هويتي – أنا رجل (على الرغم من أن لدي أعضاء تناسلية أنثوية)”. “اسمحوا لي أن أستخدم هذا الحمام”، “واسمحوا لي أن أدخل المنافسة الرياضية لهذه السيدات”. “أنجبت حديثًا وأرضع طفلي بالحليب الطبيعي وليس حليب الأم”.
كل هذه الشعارات تم فرضها علينا رغمًا عن إرادتنا؛ خرجوا عن فطرتنا السليمة وجاهروا بأفعالهم المسيئة للبشرية ولم يكتفوا بعد.
ابق متيقظًا أو استيقظ
بالنسبة للمسلمين، هذه الأحاديث سخيفة لدرجة أنه من المهين أن يكترثوا بها. ولكن سواء أحب المرء ذلك أم لا، فإنهم يغيرون تركيبة المجتمعات الديمقراطية العلمانية لأن إرادة الشعب -مهما كانت متقلبة أو غير مدروسة- تسود فيها. إذا كان هناك أي شيء إيجابي في الحروب الثقافية بالنسبة لنا، فهو أنه يوضح الحكمة وراء القانون الإلهي..
إن قوانين الإسلام لا تنحط بل تظل واضحة. بينما نعم، لا يخرج عن سيطرتنا في الدول العلمانية ما يفعله شخص ما في منزله، بمجرد أن ينتقل هذا النقاش إلى المجال العام، لا نستطيع رمي قيمنا من النافذة، والابتسام، ونقول إننا نعتقد أنه يجب على الجميع فعل أي شيء هم يريدون. فإن هدفنا ليس “السعي وراء السعادة”، بل إرضاء الله، ومن ذلك نحصل على السعادة..
بالنهاية تسمح الحروب الثقافية للجميع بمقاومة هذه الرغبات بالظهور، وبأن تصبح حقيقة واقعة رغم فرضها علينا مجموعة من الأفكار تتنافى مع الفطرة السليمة.
قال الله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [سورة ص آية 26].
“قلنا له: يا داوود! لقد جعلنا لكم سلطة في الأرض، لذا احكموا بين الناس بالحق. ولا تتبع رغباتك وإلا ستضلك عن سبيل الله. إن الذين ضلوا عن سبيل الله يعاقبون عذابًا شديدًا لتجاهلهم يوم الحساب”…
خيارك هو من يحدد مصيرك كن متيقظًا دائمًا وإلا ستهوى بك نفسك.