مقالاتمقالات مختارة

التطبيعُ الثقافي رؤيةٌ شرعيةٌ

التطبيعُ الثقافي رؤيةٌ شرعيةٌ

بقلم الشيخ أ. د. حسام الدين عفاتة

يقول السائل: ما قولكم في موجة التطبيع الثقافي التي أعقبت التطبيع السياسي، وكيف نواجهها، أفيدونا؟

الجواب:أولاً: ازدادت حملة التطبيع مع دولة يهود بكافة أشكاله، السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وغيرها، من طواغيت العرب والمسلمين وأذنابهم وأدواتهم.

إن التطبيع الذي يتكالب عليه العربان يشكلُ طعنةً غادرةً في ظهر أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وأهل فلسطين.

إن حقيقة التطبيع ما هي إلا إقرارٌ وتسليمٌ بضياعِ كلِّ فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك خاصةً، وإقرارٌ واعترافٌ بكل ما أحدثه المحتلون من تدميرٍ وتخريبٍ لقرى ومدن فلسطين، وبناءٍ للمستوطنات وتهجيرٍ لأهل فلسطين، واستسلامٍ ورضاً بأفعال المحتلين، وإقرارٍ لباطلهم.

إن المطبعين يقصدون تثبيت واقع احتلال الأرض المقدسة ويغضون نظرهم القصير عن قضية الحقِّ الواضح لأهل فلسطين في أرضهم ومقدساتهم، ويتناسى هؤلاء العميان جرائم الاحتلال على مدى عشرات السنين في حق الانسان والأرض والشجر والحجر.

إن الهدف الأساسي للتطبيع هو كسرُ وإزالةُ حاجز العداء مع العدو، وجعلُ احتلال فلسطين أمراً عادياً، وواقعاً على المسلمين أن يقبلوه ويقروا بوجود دولة يهود، وأنها جزءٌ من منطقتنا العربية والإسلامية.

وإن حقيقة التطبيع وجوهره أنه فتحٌ لأبواب بلاد العرب والمسلمين أمام يهود وغزوها اقتصادياً وثقافياً وأخلاقياً وسياساً…إلخ وإقامة علاقات تجارية وصناعية وزراعية وسياحية ودبلوماسية وثقافية طبقاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة واتفاقيات التطبيع.

ولا شك أن هرولة المطبعين من العرب والمسلمين، لهو نتيجةٌ بائسةٌ من نتائج التنازل عن ثوابت القضية الفلسطينية، وتخاذل الطغاة الذين مشوا في هذا الطريق منذ عشرات السنين، وما زالوا في غيهم وضلالهم المبين، وبمباركةٍ من مشايخ الدفع المسبق، ومشايخ السلطان، الذين يصدرون الفتاوى خدمةً لأسيادهم.

إن تطبيع المطبعين وتآمر المتآمرين وخياناتهم، لن تُضعفَ عزيمةَ الأمة المسلمة، ولن تطمس الحقائق الناصعة وإن طال الزمان.

ثانياً: على الرغم من الجهود التي يبذلها العدو والمطبعون من العربان، إلا أن التطبيع قد فشل على مستوى الشعوب العربية والإسلامية، والشواهد على ذلك كثيرةٌ، فقد فشل تطبيعُ حكومات مصر والأردن منذ عهد بعيد في إدماج الشعبين المصري والأردني في مشاريع التطبيع، ومن آخر الشواهد على فشل التطبيع ما رأيناه في دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو مؤخراً، من رفض عددٍ من الرياضين العرب اللعبَ مع الرياضيين الإسرائيليين!

ثالثاً: إن التطبيع الإماراتي خاصةً والخليجي عامةً يختلف عن التطبيعين المصري والأردني، حيث ظل التطبيعُ الثقافي أمراً محرماً عند الشعبين المصري والأردني، على الرغم من توقيع الدولتين المصرية والأردنية على معاهدة سلام مع العدو، ولكننا نجدُ أن الصورةَ مختلفةٌ تماماً في حالة التطبيع الإماراتي خاصةً والخليجي عامةً، حيث رأينا اندفاعاً وقحاً وغير مسبوقٍ في توسيع أطر التطبيع في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وغيرها، وهذا التطبيع قد أُعدَّ له مسبقاً، وتمَّ تدريبُ مطبعين على مختلف المستويات وتعليمهم اللغة العبرية، وهذا ما شاهدناه من المطبعين الإماراتيين، وآخرهم طالبة إماراتية تدرس في جامعة حيفا حيث تحدثت بالعبرية بطلاقة!

رابعاً:إن التطبيع الثقافي يعتبرُ أخطر أنواع التطبيع مع العدو، وخاصةً أنه يستهدف الشبابَ بالدرجة الأولى، الذين هم عمادُ الأمة، فيهدفُ المطبعون

بالتعاون مع سيدهم –العدو الإسرائيلي- إلى غزو عقول الشباب غزواً فكرياً لغسل عقولهم، وغرسِ فكرة قبول العدو وثقافته ورؤيته للمنطقة ومستقبلها، ومشاركة العدو في مختلف المجالات.

ومن أدوات التطبيع الثقافي الخطيرة، هذا العبثُ الممنهجُ في المناهج المدرسية في عددٍ من الدول العربية، بإجراءِ التعديلات عليها، ووصل الأمرُ إلى حذفِ الآياتِ القرآنيةِ والأحاديثِ النبوية التي تتحدث عن يهود، وحذفِ المعتقدات الدينية الثابتة بالكتاب والسنة، وحذفِ الشواهد التاريخية كالغزوات النبوية وغيرها، وكلُّ ذلك يتمُّ بحجةِ منع التحريض، ليتفق مع نصوص اتفاقيات التطبيع الموقعة مع العدو الإسرائيلي برعاية سيدهم الأكبر أمريكا!

وهؤلاء المطبعين المنهزمين لا يطلبون المعاملة بالمثل على أقلِّ تقدير، فلا يفرضون الأمرَ نفسه على المناهج اليهودية، وعلى نصوص كتبهم الدينية وشروحاتها التي تقطرُ حقداً ودماً على العرب والمسلمين؟!

خامساً: من الأمثلة الصارخة على التطبيع الثقافي والإعلامي ما قام به الأكاديمي السعودي محمد الغبان، المسؤول عن الدراسات العبرية في قسم اللغات الحديثة في جامعة الملك سعود في الرياض، حيث نشر مقالاً بالعبرية في مجلة “كيشر” الصادرة عن معهد “شالوم روزنفيلد” لبحوث الإعلام والاتصال اليهودي، التابع لجامعة “تل أبيب” بعنوان ” مساهمة في تحسين صورة النبي محمد في أعين الجمهور الإسرائيلي: تحالفات ومراسلات محمد مع يهود شبه الجزيرة العربية”

وقد احتفت جهاتٌ إسرائيليةٌ بمقالة المطبع الغبان، فقد قال البروفيسور رعنان راين رئيس معهد روزنفيلد في جامعة تل أبيب: “على أن أهمية المقال أولاً وقبل كل شيء، لأن اختيار باحث سعودي كبير نشر ورقته البحثية في مجلة أكاديمية إسرائيلية، خطوة كبيرة، بهدف إزالة الحواجز وتقريب القلوب، آملا أن يكون التعاون الأكاديمي خطوة أخرى على طريق التعاون الاقتصادي والسياسي بين إسرائيل والسعودية”.

وقال دان ليفيا الكاتب في صحيفة “إسرائيل اليوم” إنه “لأول مرة يُنشر مقالٌ سعودي في مجلة إسرائيلية، بقلم محاضر باللغة العبرية من المملكة العربية السعودية، ونشرها في مجلة تابعة لجامعة تل أبيب”. وأضاف أنه” مع استمرار التطبيع الصامت بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، فقد أعلنت جامعة تل أبيب أن عالمًا بارزًا وأستاذًا للعبرية من المملكة العربية السعودية نشر مقالًا في مجلة إسرائيلية للمرة الأولى، ويحاول المقال نفسه، بحسب المؤلف، تحسين صورة نبي الإسلام محمد في أعين اليهود”.

وقال مراسل هيئة الإذاعة الإسرائيلية “روعي كيس”: [إن نشر المقال يأتي على خلفية تسهيلات من قبل المملكة العربية السعودية ورابطة العالم الإسلامي لاستغلال التفاهم الديني وتوظيفه من أجل التعاون مع اليهودية وإسرائيل من أجل السلام] https://www.watan.com

إنه لمن المؤسف أن تسهم جامعةٌ سعوديةٌ عريقةٌ – جامعة الملك سعود وقد درَّستُ فيها عدة سنوات- في التطبيع الثقافي والإعلامي مع العدو الإسرائيلي، وأن يكون مقال المطبع الغبان عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذه إهانةٌ كبرى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهل محمدٌ صلى الله عليه وسلم بحاجةٍ إلى تبييض صفحته عند يهود.

ألا يعلمُ المطبعُ الغبان حقيقةَ موقف يهود من نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم؟!

[يقف اليهود – وهم أهل الدناءة والخسة – من نبي الإسلام موقفَ المكذب به، الناكر لنبوته، كونه جاء بفضحهم، وبيان كفرهم، فضلاً على أنه لا ينتمي إليهم من جهة النسب، ما دفعهم إلى مناصبته العداء، ومحاربته سراً وجهراً، وقد سطَّر اللهُ عز وجل بعض مواقف اليهود من النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم الناسُ مدى حقدهم وعداوتهم لنبي الإسلام، مع معرفتهم به، وتيقنهم منه، قال سبحانه:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى

الْكَافِرِينَ}سورة البقرة الآية 89. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “إن يهوداً كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب، كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه” ووصف اللهُ عز وجل معرفةَ اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم بأنها معرفة تضاهي وتشابه معرفتهم بأبنائهم فقال سبحانه: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 146] https://www.islamweb.net

ويضافُ إلى جرم المطبع الغبان أنه قد افترى على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم في مقالته حيث زعم – والزعم مطيةُ الكذب- أن كون محمدٍ معصوماً خالياً من الخطأ ورمزاً للكمال البشري، لذا فإن كل فعل قام به هو أمرٌ إلهيٌ للمؤمن، إذ قام بعقد تحالفات مع اليهود، فهو ليس عملاً مسموحاً به فحسب، بل واجبٌ دينيٌ! وهي دعوةٌ صريحةٌ للتطبيع!

وزعم الغبان أيضاً أن “نبي الإسلام أقام علاقات جيدة مع اليهود، واشتبك معهم في أمور سياسية فقط، وليست دينية على الإطلاق”.

قال الأستاذ وائل قنديل: [نحن أمام عملية تدليس أكاديمية يقوم بها الباحث السعودي، ممارسًا الاحتيال على التاريخ باسم النبي عليه الصلاة والسلام، ذلك أن القولَ إن محمدًا بن عبد الله كان حريصًا على علاقات جيدة مع اليهود هو الحقُّ التاريخي الذي يُرادُ به الباطلُ السياسي، فالثابت أن اليهود لم يكونوا محتلين غاصبين لدولة إسلامية أو عربية في ذلك الوقت، بل كانوا جزءً من التركيبة السكانية الأصلية في الجزيرة العربية، وبالتالي من صور النصب والاحتيال الأكاديمي التأسيس على تلك الحقيقة التاريخية البعيدة لتسويغ التصالح مع جريمةٍ سياسيةٍ وإنسانيةٍ راهنة، يجسدها قيام الاحتلال العسكري الصهيوني القادم من قارات أخرى بعيدة على أنقاض دولة عربية ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، الذي لا يزيد نصيب الدولة السعودية منه عن قرن واحد وعقدين من الزمان.

النبي محمد عليه الصلاة والسلام لم يتحالف مع محتلين مستعمرين يسرقون الأرض ويقتلون البشر ويحرقون الزرع، ليقيموا كيانهم السياسي على جثث السكان الأصليين أصحاب البلاد، بل كانت ترتيبات مرحلية مع مجموعة من المواطنين المنتمين للديانة اليهودية، انتهت وانقضت مع خيانتهم وتآمرهم ونقضهم العهد والاتفاق مع المسلمين، وهو الذي كان يقوم لجنازة أحدهم إذا مرّت، ليس من باب النفاق الاجتماعي أو الرياء السياسي، وإنما من منطلق القيم الإنسانية الرفيعة التي جسدتها سيرته.] https://www.alaraby.co.uk

وختاماً نأمل من إدارة جامعة الملك سعود أن تنأى بالجامعة عن هذا السلوك التطبيعي المشين الذي قام به المطبعُ الغبان، واتخاذ الإجراءات المناسبة لعدم تكراره مستقبلاً حفاظاً على سمعتها ومكانتها.

وخلاصة الأمر أنه قد ازدادت حملةُ التطبيع مع دولة يهود بكافة أشكاله، السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وغيرها، من طواغيت العرب والمسلمين وأذنابهم وأدواتهم.

وأن التطبيعَ الذي يتكالبُ عليه العربان يشكلُ طعنةً غادرةً في ظهر أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وأهل فلسطين.

وأن الهدفَ الأساسي للتطبيع هو كسرُ وإزالةُ حاجز العداء مع العدو، وجعلُ احتلال فلسطين أمراً عادياً، وواقعاً على المسلمين أن يقبلوه ويقروا بوجود دولة يهود، وأنها جزءٌ من منطقتنا العربية والإسلامية.

وأن تطبيعَ المطبعين وتآمرَ المتآمرين وخياناتِهم، لن تُضعفَ عزيمةَ الأمةِ المسلمة، ولن تطمسَ الحقائق الناصعة وإن طال الزمان.

وأنه على الرغم من الجهود التي يبذلها العدو والمطبعون من العربان، إلا أن التطبيع قد فشل على مستوى الشعوب العربية والإسلامية، والشواهد على ذلك كثيرةٌ.

وأن التطبيعَ الثقافي يعتبرُ أخطر أنواع التطبيع مع العدو، وخاصةً أنه يستهدف الشبابَ بالدرجة الأولى، الذين هم عمادُ الأمة.

وأن من الأمثلة الصارخة على التطبيع الثقافي والإعلامي ما قام به الأكاديمي السعودي محمد الغبان، المسؤول عن الدراسات العبرية في قسم اللغات الحديثة في جامعة الملك سعود في الرياض، حيث نشر مقالاً بالعبرية في مجلة “كيشر” الصادرة عن معهد “شالوم روزنفيلد” لبحوث الإعلام والاتصال اليهودي، التابع لجامعة “تل أبيب” بعنوان ” مساهمة في تحسين صورة النبي محمد في أعين الجمهور الإسرائيلي: تحالفات ومراسلات محمد مع يهود شبه الجزيرة العربية”

وإنه لمن المؤسف أن تسهم جامعةٌ سعوديةٌ عريقةٌ – جامعة الملك سعود وقد درَّستُ فيها عدة سنوات- في التطبيع الثقافي والإعلامي مع العدو الإسرائيلي، وأن يكون مقالُ المطبع الغبان عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذه إهانةٌ كبرى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهل محمدٌ صلى الله عليه وسلم بحاجةٍ إلى تبييض صفحته عند يهود.

وأن المطبعَ الغبان قد افترى على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم فيما ساقه في مقالته.

وأننا نأمل من إدارة جامعة الملك سعود أن تنأى بالجامعة عن هذا السلوك التطبيعي المشين الذي قام به المطبعُ الغبان، واتخاذ الإجراءات المناسبة لعدم تكراره مستقبلاً حفاظاً على سمعتها ومكانتها.

والله الهادي إلى سواء السبيل

المصدر: شبكة يسألونك الإسلامية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى