واشنطن بوست: انهيار أفغانستان يشكك الحلفاء في صمود أمريكا على الجبهات الأخرى
عرض عادل رفيق
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 15 أغسطس 2021 تقريراً أعدته الصحفية ليز سلاي، مديرة مكتب واشنطن بوست في بيروت، وشارك فيه من واشنطن الصحفي جون هدسون، مراسل الصحيفة للأمن القومي، بعنوان: “انهيار أفغانستان يشكك الحلفاء في مدى صمود أمريكا على الجبهات الأخرى”. وحسب التقرير فإن “التقدم السريع المذهل لطالبان على امتداد أفغانستان أثار قلقاً عالمياً، وأعاد الشكوك حول مصداقية وعود السياسة الخارجية الأمريكية؛ وأثار كذلك انتقادات حادة حتى من بعض أقرب حلفاء الولايات المتحدة”. وقد جاء التقرير على النحو التالي:
مع دخول مقاتلي طالبان إلى كابول وسارعت الولايات المتحدة لإجلاء مواطنيها، تزايدت المخاوف من أن الفوضى الناتجة عن ذلك قد تخلق ملاذاً للإرهابيين، وتطلق العنان لكارثة إنسانية كبرى وتؤدي إلى نزوح جماعي جديد للاجئين.
ويشتكي حلفاء الولايات المتحدة من أنهم لم يتم استشارتهم بشكل كامل حول قرار سياسي من شأنه أن يعرض مصالحهم الأمنية الوطنية للخطر – في انتهاك لوعود الرئيس بايدن بإعادة الالتزام بالمشاركة العالمية.
ويتساءل كثيرون حول العالم عما إذا كان بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة للوفاء بالالتزامات الأمنية طويلة الأمد التي تمتد من أوروبا إلى شرق آسيا.
قال توبياس إلوود، الذي يرأس لجنة الدفاع في البرلمان البريطاني، “ماذا حدث لشعار ’عادت أمريكا من جديد‘”؟ مشيراً إلى وعد بايدن في إطار السياسة الخارجية بإعادة بناء التحالفات واستعادة هيبة الولايات المتحدة التي تضررت خلال إدارة ترامب.
وقال إلوود: “يشعر الناس بالذهول من أنه بعد عقدين من الزمان على تدخل هذه القوة الكبيرة عالية التقنية، فإنهم ينسحبون ويعيدون البلاد بشكل فعال إلى الأشخاص الذين ذهبنا جميعاً إلى هناك من أجل هزيمتهم”. ويضيف، “هذه هي المفارقة. كيف يمكنك القول أن أمريكا قد عادت من جديد بينما تمت هزيمتنا من قِبل تمرد تسليحه لا يزيد عن قذائف آر بي جي وألغام أرضية وبنادق كلاشنكوف (ايه كي 47)؟”
وقال روري ستيوارت، وزير التنمية الدولية البريطاني في حكومة تيريزا ماي المحافظة، إنه على الرغم من قدراتها العسكرية الكبيرة، فإن دور الولايات المتحدة الذي امتد لعقود مضت كمدافع عن الديمقراطيات والحريات يتعرض للتهديد مرة أخرى. وأضاف ستيوارت بأن “الديمقراطية الغربية التي كانت تبدو وكأنها مصدر إلهام للعالم، ومنارة للعالم، تدير الآن ظهرها لهم”.
وأعبّرت بريطانيا عن بعض أشد الانتقادات لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لدولة تعتبر نفسها أقرب حليف للولايات المتحدة. حيث قدمت بريطانيا أكبر مساهمة في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان وتكبّدت أكبر عدد من الضحايا بعد الولايات المتحدة.
وتوقع وزير الدفاع البريطاني بن والاس في تصريحات يوم الجمعة (13 أغسطس) اندلاع حرب أهلية وعودة تنظيم القاعدة، التنظيم الإرهابي الذي كان وراء هجمات 11 سبتمبر 2001، والذي أدى إلى التدخل في أفغانستان تحت قيادة الولايات المتحدة.
وقال والاس لشبكة سكاي نيوز “أشعر أن هذا لم يكن الوقت المناسب أو القرار المناسب،” مضيفاً “بالطبع من المحتمل أن تعود “القاعدة”، وبالتأكيد سوف ترغب في هذا النوع من الأرض الخصبة لها”.
وأضاف والاس: “من الناحية الاستراتيجية، سيتسبب ذلك في الكثير من المشاكل، وكمجتمع دولي، فإن ما نراه اليوم أمر صعب للغاية …”.
كما أعرب خصوم الولايات المتحدة أيضاً عن استيائهم. وكان من بين هؤلاء الصين، التي تخشى أن يؤدي صعود حكومة إسلامية “متطرفة” على حدودها الغربية إلى إثارة الاضطرابات في مقاطعة شين جيانغ المجاورة، حيث كانت بكين قد شنت حملات قمع كاسحة على سكان الأويغور ندد بها الغرب.
وقال الكولونيل وو تشيان، المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية، في وقت سابق من هذا الشهر، إن واشنطن “تتحمل مسؤولية حتمية عن الوضع الحالي في أفغانستان”. ولا يمكنها الرحيل وإلقاء العبء على دول المنطقة “.
ومن جهته، رفض وزير الخارجية أنطوني بلينكن الانتقادات بأن الانسحاب يضر بمصداقية الولايات المتحدة. وقال إن البقاء في صراع لا يصب في “المصلحة الوطنية” سيؤدي إلى مزيد من الضرر.
وقال بلينكن لشبكة سي إن إن: “معظم منافسينا الإستراتيجيين حول العالم لا يحبون شيئاً أفضل من أن نبقى في أفغانستان لمدة عام آخر، وخمس سنوات، وعشر سنوات، وتخصيص تلك الموارد فقط لتواجدنا في خضم حرب أهلية”. “إنه ببساطة ليس في مصلحتنا”.
وقالت كاثرين كلوفر أشبروك، مديرة المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، لقد دفعت طريقة وتنفيذ الانسحاب على هذا النحو الحلفاء للشعور بالخيانة. وامتنعت الحكومة الألمانية، التي سحبت قواتها في يونيو الماضي وأجْلت سفارتها، عن توجيه الانتقاد الصريح لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.
ومع ذلك، قالت كلوفر أشبروك إن بعض المسؤولين والمشرعين الألمان يشعرون بالغضب من عدم قيام واشنطن باستشارة شركاء التحالف معها مثل برلين. وتشعر ألمانيا بالقلق بشكل خاص من احتمال حدوث هجرة جماعية للاجئين الأفغان على غرار تدفق اللاجئين في عام 2015، عندما اندفع أكثر من مليون مهاجر، مدفوعين إلى حد كبير بالحرب في سوريا، إلى أوروبا، وتوجه الكثير منهم إلى ألمانيا.
وقالت مديرة المجلس الألماني للعلاقات الخارجية “جاءت إدارة بايدن إلى السلطة ووعدت بإجراء حوارات مفتوحة وشفافة مع حلفائها. قالوا إن العلاقة عبر الأطلسي ستكون محورية”. “وكما هو الحال، فإنهم يتشدقون بالعلاقة عبر الأطلسي ولكنهم ما زالوا يعتقدون أن على حلفائهم الأوروبيين أن يتماشوا مع أولويات الولايات المتحدة.”
وأضافت “لقد عدنا إلى العلاقة القديمة عبر الأطلسي، حيث يملي الأمريكيون كل شيء … ’نعم، نريد أن نتشارك معكم، ولكن في الواقع، نريد أن نستطيع أن نملي ما يجب عليكم القيام به ومتى؟”.
كما واجه الحلفاء العرب للولايات المتحدة، الذين طالما عوّلوا على الجيش الأمريكي لمساعدتهم في حالة تعرضهم لهجوم من جانب إيران، واجهوا تساؤلات حول ما إذا كانوا سيستطيعون الاعتماد على الولايات المتحدة في ذلك.
قال رياض قهوجي، رئيس شركة إنيغما للاستشارات الأمنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تستضيف واحدة من أكبر الفرق العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط: “ما يحدث في أفغانستان يدق ناقوس الخطر في كل مكان”.
وقال قهوجي إن “مصداقية الولايات المتحدة كحليف محل شكوك منذ فترة”. وأضاف “نحن نرى روسيا وهي تقاتل على طول الخط لحماية نظام بشار الأسد في سوريا، والآن ينسحب الأمريكيون ويتركون فوضى كبيرة في أفغانستان”.
وقالت كلوفر أشبروك إن خطة بايدن لبناء تحالف من الديمقراطيات لمواجهة نفوذ الصين وروسيا هي أيضاً محل شك الآن بعد أن أصبح الغرب لا يحتفظ بوجود كبير له في آسيا الوسطى.
أما بالنسبة للصين وروسيا، فهناك فرصة وهناك أيضاً مخاوف بشأن رحيل القوات الأمريكية عن أفغانستان. حيث استضافت موسكو وبكين وفوداً من طالبان في الأسابيع الأخيرة في محاولة لتمهيد الطريق لمستقبل ما بعد أمريكا في المنطقة.
ويقول المحللون إن الختام المهين للمشروع الأمريكي الذي استمر عقدين في أفغانستان سيعزز جهودهم في إقناع العديد من الحكومات بالبحث عن علاقات لها في مكان آخر بعيداً عن واشنطن.
وفي تعليق موجه إلى هونج كونج، استشهدت صحيفة جلوبال تايمز الصينية الحكومية بأفغانستان في إشارة إلى نشطاء الديمقراطية بعدم الالتفات إلى الوعود الأمريكية المتكررة “بالوقوف إلى جانب” هونج كونج.
وقال تعليق جلوبال تايمز الصينية “لقد ثبت مرارا أن أيا كان من يدعي السياسيون الأمريكيون الوقوف بجانبهم سيواجهون نفس سوء الحظ وسيغرقون في اضطرابات اجتماعية وسيعانون من عواقب وخيمة”.
وقال فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسي ورئيس تحرير مجلة “روسيا في الشؤون العالمية”، إن روسيا صُدمت لسرعة تفكك الحكومة التي نصّبتها الولايات المتحدة في كابول.
وقال لوكيانوف إن الاحتلال السوفيتي لأفغانستان الذي دام عقداً من الزمن، وانتهى في عام 1989، يُذكر على نطاق واسع على أنه فشل، ولا يجعل روسيا مستعدة لإعادة الانخراط بشكل وثيق مع أفغانستان.
لكن لوكيانوف أشار إلى أن الحكومة التي تركها السوفييت وراءهم استمرت على الأقل لمدة ثلاث سنوات بعد انسحاب قوات الجيش الأحمر.
وقال أيضاً “نحن نعتقد بأن فشلنا كان كبيراً، لكن يبدو أن فشل الأمريكيين كان أكبر”.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
المصدر: المعهد المصري للدراسات