بقلم عبد الله الملحم – موقع الراية
لأكثر من ألف عام والإسلام يسود مساحات شاسعة من العالم القديم، كلها كانت خاضعة لنفوذه وسلطانه، بدءاً من دولة الخلفاء الراشدين، إلى الدولة الأموية، إلى الدولة العباسية، إلى الدول التي انشقت عنها عملياً واحتفظت بتبعيتها الاسمية، آخر الإمبرطوريات العظيمة التي حكمت باسم الإسلام كانت الدولة العثمانية، وبعد سقوطها وقعت معظم دول العالم العربي والإسلامي تحت الاحتلال الأجنبي، وأهمها فلسطين التي احتلت من عصابات صهيونية، نجحت في إعلان دولة العدو الإسرائيلي على أرضها، انقسامنا كان أكبر الأسباب المساعدة لقيام هذا الكيان البغيض، فيما الدول العربية والإسلامية التي أعلنت استقلالها من الاحتلال أو النفوذ الأجنبي، لم تعمل شيئاً لتحرير مقدّساتنا، والعسكر الانقلابيون الذين تغلّبوا عليها وحكموها بذريعة النهوض والإصلاح لم يفعلوا شيئاً، بل زادوها تخلّفاً ورجعية، واستغلوا نفوذهم لنهب ثرواتها، وقمع معارضيهم، حتى جعلوا أوطانهم معتقلات لا حياة فيها إلا لمؤيديهم، أو الصامتين عن جرائمهم.
بإزاء ذلك كانت التيارات الفكرية المختلفة تنشط في كل بلد عربي وإسلامي، من الشيوعية إلى العلمانية، إلى الوجودية إلى القومية العربية، ومن الطبيعي أن تظهر بإزائها جماعات إسلامية كما كل دول العالم، بفارق أن الجماعات الدينية في أوروبا وأمريكا وغيرها تتحرّك بحريّة تامة، فيما تقيّد حريّة الجماعات الإسلامية في الكثير من دول عالمنا العربي والإسلامي، وتحارب بذريعة الحرب على الإرهاب، حتى تلك التي لم تتورّط في العنف يوماً!.
الصحوة الإسلامية القاسم المشترك الذي تتقاطع فيه وسائل الجماعات الإسلامية المعتدلة نحو غاياتها، ومتابعو الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يلاحظون مقدار التشويه والافتراء الذي يُلصق بالصحوة الإسلامية بغية استئصالها، أخطاء الصحوة والمحسوبين عليها لا تبرّر كل هذا العداء لها، ولا تشويهها وتحميلها كل مشاكلنا وأزماتنا وتخلفنا، كما لو كان من حكمنا باسم القومية أو الاشتراكية أو العلمانية قد حلّقوا بنا لمصاف الدول المتقدّمة، أو كما لو كانت “الصحوة” هي من يحكمنا ويضع سياسات دولنا، وينفذ برامجها، ويرسم خططها التنموية والاستراتيجية، الصحوة مضاف والمضاف إليه الإسلامية، أي إنها ليست سعودية، أو خليجية، أو عربية، وليست سلفية أو إخوانية أو تبليغية، هي تنظير فكري مشترك، لملامح هوية دينية، تسود عالمنا الإسلامي كله، والتطور المذهل الذي نراه في تركيا العلمانية اليوم على مختلف الصعد والمستويات نتاج جيل الصحوة الذي ربّاه نجم الدين أربكان وقاده أردوغان، بعد عقود من التضييق والحصار، وكلنا يعرف كيف كانت تركيا في زمن جنرالات الجيش العلمانيين، وكيف أصبحت في حكم إسلاميي حزب العدالة والتنمية “الصحويين”!.