بقلم أ. محمد فتحي النادي – موقع إسلام أونلاين
اكتملت الرسالات السماوية من قِبل الله -تعالى، تلك الرسالات التي جاءت لإصلاح البشر، ولهدايتهم إلى سواء الصراط، وإلى الفلاح في الدنيا والآخرة.
ورغم ذلك فإن هناك نفوسًا زينت لأصحابها أن ينزلوا أنفسهم منازل لم ينزلهم الله إياها، وهم أكذب الخلق، ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزلُ مِثْلَ مَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: 93].
وقد ابتلي الإسلام على امتداد رقعته بمن يخرج من بنيه ويدعي كذبًا أنه المهدي المنتظر تارة، أو أنه المسيح الموعود أخرى، ثم يبالغ في أمر نفسه ويفتري على الله الكذب ويدعي النبوة والرسالة.
وقد كان لإيران والهند النصيب الأوفر فيمن خرج فيهما مدعيًا النبوة والرسالة؛ فهذا ميرزا غلام أحمد صاحب القاديانية، وهذا علي محمد رضا الشيرازي صاحب البابية، وهذا حسين علي النوري المازندراني صاحب البهائية.
وقد تلقّف هؤلاء الإنجليز والروس والصهاينة وفتحوا لهم بلادهم، وأمدوهم بأسباب البقاء والاستمرار.
وأمر هؤلاء الدجّالين والكذّابين قد أخبرنا به الصادق المصدوق حين قال: “لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ، فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ.َلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ“([1]).
وهؤلاء الدجالون يزعمون تتابع الأديان والشرائع، وأن باب الرسالات لم يُغلق ولن يغلق، وكلهم يزعمون إيمانهم بالنبي المصطفى، لكن منهم من يتمسح بالإسلام ويزعم أنه مسلم مثل القاديانية، والإسلام منهم براء([2])، ومنهم من يدعي أنه أتى بدين جديد مثل البهائية.
فإذا كان علماء الإسلام يحكمون بخروج القاديانية عن ملة الإسلام، رغم ادعاء القاديانيين انتسابهم للإسلام، فإن البهائيين كانوا واضحين في أمرهم، فهم عند تعريفهم بنحلتهم المزعومة يقولون: “الدّين البهائيّ هو أحد الأديان السّماويّة، ويشترك معها أساسًا في الدّعوة إلى التّوحيد، ولكنّه دين مستقلّ له كتبه المقدّسة وعباداته وأحكامه كـ: الصلاة والصوم وغيرها”([3]).
والبهائيون لا وجود في دينهم لكهنة، أو رهبان، أو رجال دين، لكن نظامهم يتكوّن من مؤسّسات منتخبة تعمل على المستويات المحلّيّة والمركزيّة والعالميّة.
والمرجع الأعلى لهم هو بيت العدل الأعظم الذي انتخب عام 1963م، وهو هيئة عالمية تتكوّن من ٩ أعضاء يُنتخبون بالاقتراع السّرّي من قبل جميع أعضاء المؤسّسات المركزيّة، ويعاد انتخابه كل 5 سنوات.
أما أمور المجتمع المحلية فتدار عبر المحافل الروحية المحلية.
وفي النطاق الإقليمي عبر المحافل الروحية المركزية.
وهذه المحافل سواء كانت محلية أو مركزية يتم انتخاب أعضائها سنويًّا.
ويطلقون على دينهم المزعوم وأتباعهم في العالم “الجامعة البهائيّة”.
وعند التدقيق تتلاشى النظرة الروحية للأديان وتجد نفسك أمام منظمة لها هياكلها الإدارية، ومكاتبها المنتشرة حول العالم، وأفرادها العاملون فيها، يقول موقعهم الرسمي: “إنّ التّطوّر التّدريجيّ للهياكل الإداريّة للجامعة البهائيّة وصقل العمليّات ذات الصلة هي مجالات حظيت باهتمام كبير منذ نشأة الدّين البهائيّ”([4]).
وقد تعاملت الهيئات العالمية معها من منطلق أنها منظمة غير حكومية، وليس من منطلق أنها دين، والبهائيون يعترفون بذلك فيقولون: “منهم [أي: أتباع البهائية] تتألّف جامعة عالميّة موحّدة، تحظى باحترام وافر في المجالس الدّوليّة، وتشترك -بوصفها منظّمة عالميّة غير حكوميّة- في نشاطات هيئة الأمم المتّحدة ووكالاتها المتخصصّة، وخصوصًا فيما يتعلق بالتعليم، وحماية البيئة، ورعاية الأم والطفل، وحقوق المرأة والإنسان، وغيرها مما يخدم البشرية”([5]).
ومن الملاحظ أنهم اعتنوا بالمنظمات الدولية من وقت باكر، بل إن عمر منظمتهم يتساوى مع عمر المنظمات الدولية، فهم حاولوا أخذ الشرعية عن طريق اعتراف المنظمات بها، وليس عن طريق الإيمان الروحي والعمل الدعوي الرسالي، فهم قد أسّسوا “المكتب البهائي العالمي” في مقرّ عصبة الأمم في جنيف عام ١٩٢٦.
وحضر مندوبون عن البهائيين توقيع ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو عام ١٩٤٥.
وفي عام ١٩٤٨م جرى تسجيل الجامعة البهائيّة العالميّة كمنظّمة عالميّة غير حكوميّة لدى الأمم المتّحدة.
يقول موقعهم الرسمي: “ومع تأسيس عصبة الأمم المتحدة، بدأ البهائيّون بتأسيس علاقات رسميّة متنامية مع المنظّمات الدوليّة. وخلال السنوات السبعين الماضية، دعم البهائيّون وساهموا في جهود الأمم المتّحدة في مجالات التنمية الاجتماعيّة المستدامة، والمساواة بين الجنسيْن، وحقوق الإنسان، وإصلاح منظمة الأمم المتّحدة، ومجالات أخرى”([6]).
ونشاطات الجامعة البهائية غير محدود، بل إنه متشعب، وعميق في كافة المنظمات المنبثقة عن الأمم المتحدة، ولا يترك لنا البهائيون عناء التتبع للمنظمات المشتركين فيها، بل يقولون عن أنفسهم: “إن (الجامعة البهائيّة العالميّة)، التي تنشط في مختلف الصُّعُد العالميّة بواسطة مكاتبها القائمة في نيويورك وجنيف إلى جانب مكاتبها الإقليميّة في أديس أبابا وبروكسِل وجاكارتا، إنما تقوم بمدّ يد العون والمؤازرة لمنظمة الأمم المتحدة ووكالاتها.
تمّ تسجيل (الجامعة البهائيّة العالميّة) كمنظّمة غير حكوميّة في منظمة الأمم المتّحدة عام ١٩٤٨م.
وتتمتّع حاليًا بالصفة الاستشاريّة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي (ECOSOC)، ومنظّمة الأمم المتّحدة للطفولة (UNICEF).
بالإضافة إلى صفة اعتماديّة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، ودائرة المعلومات العامّة في الأمم المتّحدة.
تتعاون (الجامعة البهائيّة العالميّة) مع الأمم المتّحدة ووكالاتها المتخصّصة، إلى جانب تعاونها مع الدول الأعضاء، والمنظّمات الحكوميّة وغير الحكوميّة، والوسط الأكاديمي، وأصحاب المهن المتخصّصين”([7]).
وبعد هذا العرض لمسارات الطائفة البهائية يتأكد الباحث أن البهائية لم تستطع أن تثبت أنها دين، وفشلت في العمل الروحي والرسالي، فتماهت مع المنظمات الدولية، واستمدت شرعيتها من شرعية المنظمات الدولية.
والأديان أكبر وأعظم وأعمق وأشمل من المنظمات، والمنظمات تعمل تحت مظلة الأديان، ولا يتصور أن نصف دينًا بأنه منظمة غير حكومية.