تدوين القرآن الكريم في مقابل تدوين الكتاب المقدَّس: أيهما أجدر بالموثوقيَّة؟ 1من 7
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
“أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” (سورة البقرة: الآية 75).
“وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ. وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” (سورة يونس: آيات 36-38).
1.السّياق التَّاريخي لتدوين العهد القديم
يتناول الباحث الألماني رينهارد جي. كراتز، أستاذ الدّراسات اليهوديَّة والبروتستانتيَّة ومؤرّخ اليهوديَّة القديمة، في كتابه Historical and Biblical Israel: The History, Tradition, and Archives of Israel and Judah–إسرائيل التَّاريخيَّة والكتابيَّة: تاريخ وتقليد وأرشيفات إسرائيل ويهوذا (2015م)، التَّحوُّل الَّذي طرأ على دراسات الكتاب المقدَّس في النّصف الثَّاني من القرن العشرين للميلاد، بعد اكتشاف مخطوطات البحر الميّت في كهوف قمران في الأردن، ونقوش جبل جرزيم الواقع جنوبي مدينة نابلس في فلسطين، والاكتشافات الكتابيَّة (Biblical) في كافَّة أنحاء فلسطين وسوريا. أمدَّت تلك الاكتشافات المختلفة مجال البحث في تاريخ إسرائيل ودراسات الكتاب المقدَّس العبري بأساليب منهجيَّة جديدة أسهمت بدورها في فتْح آفاق جديدة للبحث. ويركّز الباحث في هذا المؤلَّف على ثلاثة محاور أساسيَّة، هي تاريخ إسرائيل ويهوذا، وإنجاز النُّسخة العبريَّة من الكتاب المقدَّس، وأخيرًا الأرشيفات اليهوديَّة، مخصّصًا جزءً من مؤلَّفه لتناوُل السّياق الدّيني والتَّاريخي الَّذي حُرّرت فيه النُّسخة العبريَّة، بينما يناقش فيما تبقَّى الأماكن الَّتي اكتُشفت فيها كتابات إسرائيليَّة ضُمَّت حديثًا إلى التُّراث الدّيني اليهودي. ويميّز كراتز بين الكتابات اليهوديَّة التُّراثيَّة بتقسيمها إلى نوعين: كتابات تعود لزمن مملكة إسرائيل، وأخرى تُنسب إلى زمن مملكة يهوذا، الَّتي يُعتبر لوح نمرود المؤرَّخ في عام 733 ق.م. أقدم أرشيف لها. يُذكر أنَّ مملكة إسرائيل الموحَّدة قد تأسَّست عام 1050 ق.م. تقريبًا على يد الملك شاول، أو طالوت بحسب الاسم القرآني (سورة البقرة: الآية 247)، المنحدر من سبط بنيامين، وانتقل الحُكم فيها إلى الملك داود المنحدر من سبط يهوذا، ثمَّ إلى ابنه سليمان، لتتمزَّق إسرائيل الموحَّدة بعد وفاة سليمان عام 930 ق.م. تقريبًا إلى مملكتين: إسرائيل الشَّماليَّة، أو السَّامرة، ويهوذا.
خريطة الشَّام بحسب الرُّواية الكتابيَّة عام 850 ق.م.
ويعترف كراتز بأنَّ الباحثين عجزوا حتَّى اليوم عن الوصول إلى تعريف محدَّد لما يعنيه مصطلح “إسرائيل”، سواءً إذا ما قُصدت الدَّولة أو شعبها، وكذلك لماهيَّة الدّيانة اليهوديَّة (Judaism) وهويَّة معتنقيها (Judeans أو Judahites)، خاصَّة وأنَّ مسمَّى “يهودي” يشتقُّ لغويًّا من اسم مملكة، ولاحقًا منطقة، وهي يهوذا، وهذا لا يعكس انتماءً دينيًّا بقدر ما يكشف عن انتماء جغرافي يميّز اليهود عن الإسرائيليين، أي شعب مملكة إسرائيل الشَّماليَّة، وإن ارتبط الشَّعبان بقاسمين أساسيين: الحديث بالعبريَّة، الَّتي تحوَّرت إلى الآراميَّة لاحقًا، وعبادة الإله يهوه. ويجتمع عبدة يهوه في الكتاب المقدَّس، سواءً من شعب إسرائيل الموحَّدة أو إسرائيل الشَّماليَّة أو يهوذا أو يهود الشَّتات، تحت اسم موحَّد هو “إسرائيل”، وهو الاسم الجامع لأسباط بني إسرائيل الاثني عشر، المنحدرين من ذريَّة أبناء الَّنبي يعقوب، الَّذي وهبه الرَّبُّ الاسم “إسرائيل”، كما ورد في سفر التَّكوين “لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ” (سفر التَّكوين: إصحاح 32، آية 28). ومنذ تجلّي الرَّبّ أمام سبعين من شيوخ بني إسرائيل في سيناء “وَكَانَ مَنْظَرُ مَجْدِ الرَّبِّ كَنَارٍ اكِلَةٍ عَلَى رَاسِ الْجَبَلِ أمَامَ عُيُونِ بَنِي اسْرَائِيلَ” (سفر الخروج: إصحاح 24، آية 17)، ومنذ تلقّي نبيّهم موسى ألواح الوحي الإلهي من الرَّبّ ” قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اصْعَدْ إِلَيَّ إِلَى الْجَبَلِ، وَكُنْ هُنَاكَ، فَأُعْطِيَكَ لَوْحَيِ الْحِجَارَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِهِمْ». فَقَامَ مُوسَى وَيَشُوعُ خَادِمُهُ. وَصَعِدَ مُوسَى إِلَى جَبَلِ اللهِ” (سفر الخروج: إصحاح 24، آيتان 12-13)، صار بنو إسرائيل ملتزمين بشريعة موسى، أو التَّوراة. غير أنَّ ليس كلُّ عبدة يهوه يعتبرون أنفسهم إسرائيليين، كما أنَّ ليس كلّهم من سلالة الأسباط الاثني عشر.
نشأة المجتمع الإسرائيلي
سبقت الإشارة إلى أنَّ مملكة إسرائيل الموحَّدة انقسمت إلى مملكتي إسرائيل الشَّماليَّة، وتُعرف كذلك بالسامرة (Samaria) على اسم عاصمتها، ويهوذا (Judah)، عام 930 ق.م. تقريبًا، كما يروي سفرا الملوك الأوَّل وأخبار الأيَّام الأوَّل. يبدأ تاريخ إسرائيل في الكتاب المقدَّس، كما يتتبَّعه الباحث، بقصَّة خلْق الإنسان الأوَّل، أو آدم السَّماوي، في سفر التَّكوين (إصحاح 1)، وهجرة أبرام-أبراهام لاحقًا (سفر التَّكوين: إصحاح 17، آيتان 4-5) -من حاران إلى أرض كنعان ” وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ»” (سفر التَّكوين: إصحاح 12، آيات 1-3). وكان أبرام قد هاجر إلى حاران في رحلة استيطانيَّة بصحبة أبيه تارح وزوجته ساراي ولوط ابن أخيه هاران الَّذي توفَّى قبل أبيه “وَأَخَذَ تَارَحُ أَبْرَامَ ابْنَهُ، وَلُوطًا بْنَ هَارَانَ، ابْنَ ابْنِهِ، وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَأَةَ أَبْرَامَ ابْنِهِ، فَخَرَجُوا مَعًا مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى حَارَانَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ” (سفر التَّكوين: إصحاح 11، آية 31). غير أنَّ تارح مات قبل الهجرة إلى أرض كنعان؛ فاصطحب أبرام ساراي ولوطًا وحدهما إلى أرض كنعان، وبعدها قطَع الرَّبُّ عهده مع أبرام، بعد أن غيَّر اسمه إلى أبراهام، ومنحه وذريَّته مُلكًا أبديًّا على أرض كنعان ” «أَمَّا أَنَا فَهُوَ ذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ. فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ. وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلهَهُمْ» (سفر التَّكوين: إصحاح 17، آيات 4-8).
أمَّا عن المرحلة الفارقة التَّالية في تاريخ بني إسرائيل هي اصطفاء الرَّب ليعقوب ليكون وريثًا للأرض الَّتي وهبها لجدّه أبراهام “قَالَ لَهُ اللهُ: «اسْمُكَ يَعْقُوبُ. لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِسْرَائِيلَ». فَدَعَا اسْمَهُ «إِسْرَائِيلَ». وَقَالَ لَهُ اللهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. أَثْمِرْ وَاكْثُرْ. أُمَّةٌ وَجَمَاعَةُ أُمَمٍ تَكُونُ مِنْكَ، وَمُلُوكٌ سَيَخْرُجُونَ مِنْ صُلْبِكَ. وَالأَرْضُ الَّتِي أَعْطَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، لَكَ أُعْطِيهَا، وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أُعْطِي الأَرْضَ»” (سفر التَّكوين: إصحاح 35، آيات 10-12)، وميلاد أبناء إسرائيل الاثني عشر “وَكَانَ بَنُو يَعْقُوبَ اثْنَيْ عَشَرَ. بَنُو لَيْئَةَ: رَأُوبَيْنُ بِكْرُ يَعْقُوبَ، وَشِمْعُونُ وَلاَوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ. وَابْنَا رَاحِيلَ: يُوسُفُ وَبَنْيَامِينُ. وَابْنَا بِلْهَةَ جَارِيَةِ رَاحِيلَ: دَانُ وَنَفْتَالِي. وَابْنَا زِلْفَةَ جَارِيَةِ لَيْئَةَ: جَادُ وَأَشِيرُ. هؤُلاَءِ بَنُو يَعْقُوبَ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي فَدَّانِ أَرَامَ” (سفر التَّكوين: إصحاح 35، آيات 22-26). تأتي بعد ذلك مرحلة الانتقال إلى مصر بأمر من الرَّب ليعقوب “فَقَامَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ، وَحَمَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ أَبَاهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ فِي الْعَجَلاَتِ الَّتِي أَرْسَلَ فِرْعَوْنُ لِحَمْلِهِ. وَأَخَذُوا مَوَاشِيَهُمْ وَمُقْتَنَاهُمُ الَّذِي اقْتَنَوْا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَجَاءُوا إِلَى مِصْرَ. يَعْقُوبُ وَكُلُّ نَسْلِهِ مَعَهُ” (سفر التَّكوين: إصحاح 46، آيتان 5-6). أمَّا المرحلة التَّالية فكانت الخروج من مصر بعد معاناة بني إسرائيل من بطْش الفرعون حاكمها مع نبيّهم ومخلّصهم موسى (سفر الخروج: إصحاح 1)، ثمَّ تأسيس أوَّل مجتمع إسرائيلي في أرض كنعان (سفرا يشوع والقضاة)، ثمَّ تأسيس مملكة إسرائيل الموحَّدة (سفرا صموئيل) وتمزُّقها لاحقًا (سفر الملوك الثَّاني)، وبعدها مرحلة السَّبي البابلي (أسفار دانيال واشعياء وحزقيال وأستير)، وأخيرًا العودة من السَّبي وتأسيس مجتمع إسرائيلي جديد بتأثير من النُّفوذ الفارسي المجوسي (سفرا عزرا ونحميا). ويتَّفق المؤرّخون على أنَّ نهاية التَّاريخ الإسرائيلي الكتابي كانت مع تدمير الرُّومان للهيكل الثَّاني عام 70 ميلاديًّا، الَّذي تلاه انتهاء الوجود الإسرائيلي في الأرض المقدَّسة في أعقاب ما يُعرف بـ “ثورة بار كوخبا” (132-135 ميلاديًّا)، نسبة إلى القائد شمعون بار كوخبا، الَّذي قاد حركة تمرُّد ضدَّ الرُّومان انتهت بطرد الباقين من اليهود ومنعهم من دخول الأرض المقدَّسة أبدًا.
غير أنَّ ذلك التَّأريخ لنشأة بني إسرائيل وتأسيس دولتهم يبدو “معضلًا للغاية”، كما يشير كراتز؛ حيث أنَّه ينبني على تسلسُل لأسفار العهد القديم “لم يوجد إلَّا بعد عصر ما قبل المسيحيَّة” (ص10). أضف إلى ذلك أنَّ هذا النَّهج في تقسيم التَّاريخ الإسرائيلي يتجاهل حقيقة أنَّ الكتاب المقدَّس في نسخته العبريَّة، أو العهد القديم، “لا يوجد في إصدار واحد، إنَّما في إصدارات تختلف في تقسيمها للمحطَّات التَّاريخيَّة” (ص10). الأهم ممَّا سبق أنَّ هذا النَّهج لا يعتمد على مصادر أخرى، من بينها الاكتشافات الكتابيَّة الحديثة، ما يُعرف بالكتب المنحولة غير الموثوقة أو المعترَف بها (Apocrypha)، وكذلك المنسوبة إلى مؤلّف غير مؤلّفها الحقيقي (Pseudepigrapha)، علاوة على مخطوطات البحر الميّت (Dead Sea Scrolls). يعيب كراتز على الرُّواية التَّاريخيَّة المسلَّم بها عن نشأة المجتمع الإسرائيلي، بهجرة الأبّ المؤسس إبراهام إلى أرض كنعان تقريبًا في القرن التَّاسع عشر قبل الميلاد وحتَّى نهايته في القرن الأوَّل الميلادي، أنَّها تتجاهل ظهور يسوع النَّاصري، مستشهدًا بقول عالم دراسات الكتاب المقدَّس مارتن نوث في كتابه The History of Israel-تاريخ إسرائيل (1950م)، إنَّ “تاريخ إسرائيل يجد نهايته الحقيقيَّة” في يسوع النَّاصري (ص386)، نقلًا عن كراتز (ص10). يضيف الباحث الألماني إنَّ يسوع النَّاصري وأتباعه لعبوا دورًا هامًّا في مطلع تاريخ اليهوديَّة، وإن كانوا مجرَّد جماعة يهوديَّة ضمن جماعات كثيرة، معتبرًا أنَّ تاريخ يسوع يبدأ بموته صلبًا في النّصف الأوَّل من القرن الأوَّل الميلادي (ما بين عاميّ 30 و33 ميلاديًّا) الَّذي اعتقد البعض أنَّه بداية الخلاص الإلهي لبني البشر. غير أنَّ ذلك الدَّور لم يُؤرَّخ إلَّا في نهاية القرن الأوَّل الميلادي، سواءً في الأناجيل القانونيَّة (canonical gospels) أو المنحولة (apocryphal gospels).
ينقل رينهارد جي. كراتز عن مواطنته، عالمة المصريَّات الألمانيَّة ميريام ليشتهايم، ما أوردته في كتابهاAncient Egyptian Literature-الأدب المصري القديم، في مجلَّده الثَّالث (2006م)، وسبق وأن طرحه جيمس بريتشارد في كتابه Ancient Near Eastern Texts Relating to the Old Testament–نصوص الشرق الأدنى القديمة المتعلقة بالعهد القديم (1969م)، عن أنَّ لوحة انتصار الفرعون المصري مرنبتاح (حكم ما بين 1213 و1203 ق.م.) تتضمَّن نصًّا يقول “مقفرةٌ إسرائيل، ليس بها بذور”، نقلًا عن كراتز (ص15). يرجّح ذلك أنَّ حوالي عام 1200 ق.م.، عاشت جماعة من النَّاس عُرفت باسم إسرائيل بين جماعات من الكنعانيين، وخضعت تلك الجماعات كلُّها إلى حُكم الفرعون المصري. مع ذلك، لا توجد أدلَّة أثريَّة على أنَّ تلك الجماعة عاشت في السَّابق في بلاد الرَّافدين، كما يروي سفر التَّكوين (إصحاحان 11 و12)، أو في مصر، كما يذكر سفر الخروج (إصحاح 1). عاش بنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر وانتقالهم إلى أرض كنعان، بعد صراع مسلَّح دامٍ مع السُّكَّان الأصليين، سنوات من الاستقرار، انتشروا خلالها في أرجاء تلك المنطقة، كما يقول الباحث، مضيفًا أنَّهم خلال فترة العصر الحديدي الأوَّل (1150-900 ق.م.) عاشوا في تجمُّعات بحسب الانتماء القَبَلي لأحد الأسباط الاثني عشر، حتَّى تأسَّست مملكة إسرائيل الموحَّدة عام 1050 ق.م. تقريبًا، وحينها تلاشى التَّنظيم القَبَلي.
المصدر: رسالة بوست