الهجرة ما كانت في المحرم فلماذا بدأ به العام؟
بقلم د. محمد الصغير
لم يعرف العرب قبل الإسلام التقويم أو التأريخ السنوي المسلسل بل كانوا يؤرخون بالأحداث الكبرى والوقائع المشهورة كقولهم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الفيل وهو العام الذي حاول فيه أبرهة الحبشي هدم الكعبة مستخدما الفيلة فأهلكه الله وجعله آية:
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ(4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5) )
وهناك أمم أخرى استخدمت التقويم من قديم، فكان الروم تؤرخ بميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وهو ما يعرف بالتاريخ الميلادي.
البداية
واستمر الصحابة على سنة أسلافهم فكانوا يؤرخون بغزوة بدر فيقولون ولد الحسن بن علي رضي الله عنهم بعد عام من غزوة بدرـ وولد الحسين بعد عامين من الغزوة. وبعد مرور سبعة عشر عاما على هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومع اتساع رقعة الدولة وظهور مؤسساتها ظهرت الحاجة إلى وضع تقويم وبداية تأريخ ، فجمع عمر الصحابة لحسم المسألة من خلال الشورى التي هي آلية الحاكم لاتخاذ القرار فيما لا نص فيه ، فكان مطروحا أن تكون البداية من مولد النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعثته أو من وفاته. واقترح عمر أن يكون التأريخ بالهجرة لأنها فرقت بين الحق والباطل ولأنها المرحلة الفاصلة بين الدعوة الإسلامية والدولة الإسلامية حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يدعون إلى الإسلام في مكة في بيئة جاهلية ومجتمع يتنكر لهم، وبعد الهجرة أصبحت يثرب هي المدينة النبوية التي رمزها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل أطياف المجتمع تحت حكومته؛ وعزز اختيار الهجرة دون غيرها الاختلاف في تاريخ المولد النبوي وتاريخ البعثة والنأي عن ذكرى يوم الوفاة.
ويأتي بعد ذلك ما رباهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التميز ومفارقة المخالفين في عاداتهم وعبادتهم وهيئاتهم فقال عليه الصلاة والسلام في صيام عاشوراء: صوموا يوما قبله أو يوما بعده خالفوا اليهود، ورفض استعمال الجرس أو البوق للنداء للصلاة قبل أن يشرع الأذان، وقال: قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين.
ثم جاءت مرحلة تحديد أي شهر يبدأ به العام الإسلامي وكانت الشهور القمرية بنفس أسمائها الحالية هي ما تستخدمه العرب.
قال الله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
ووافقهم عمر
وكانت العرب تحرم ذا القعدة وذا الحجة والمحرم ورجب الفرد وكانوا يسمونه رجب مضر لذا تم اقتراحه كبداية للعام أو رمضان شهر القرآن أو ربيع الأول مولد النبي عليه الصلاة والسلام، واقترح علي بن أبي طالب شهر المحرم وقال عثمان بن عفان نعم المحرم منصرف الناس من حجهم. ووافقهم عمر، وكأن العام ولد مع الحجاج الذين رجعوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم.
فتمت الموافقة على شهر الله المحرم وهو الشهر الوحيد الذي يضاف إلى الخالق تعالى وتقدس إضافة تكريم وتشريف كبيت الله وناقة الله وسقياها…
وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري رباطا بين المحرم والهجرة ووقوع اختيارهم عليها فقال : ( فَانْحَصَرَ فِي الْهِجْرَة، وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ مِنْ رَبِيع الْأَوَّل إِلَى الْمُحَرَّم لِأَنَّ اِبْتِدَاء الْعَزْم عَلَى الْهِجْرَة كَانَ فِي الْمُحَرَّم، إِذْ الْبَيْعَة وَقَعَتْ فِي أَثْنَاء ذِي الْحِجَّة وَهِيَ مُقَدِّمَة الْهِجْرَة، فَكَانَ أَوَّل هِلَال اِسْتَهَلَّ بَعْد الْبَيْعَة وَالْعَزْم عَلَى الْهِجْرَة هِلَال الْمُحَرَّم فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَل مُبْتَدَأ، وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقفت عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَة). والثابت أن الهجرة كانت في شهر ربيع الأول في النصف الأول منه، وتعتبر المملكة السعودية هي آخر دول العالم الإسلامي استخداما للتاريخ الهجري رسميا وقد تخلت عنه في عهدها الجديد قبل عامين تحت ذريعة أن التاريخ الميلادي سيوفر لميزانية الدولة أربعة مليارات ريال، وأفل التاريخ القمري من حسابات المسلمين مع أنه ليس اختيارا ولا من نافلة القول (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ ) أي أن مواقيت الناس في حجهم وصيامهم وسائر أعمالهم تكون حسب الأهلة ومنازل القمر، ولا يكاد المسلمون يتذكرون التاريخ الهجري إلا في شهر رمضان لمعرفة ما انقضى من الصيام أو ما تبقى على يوم العيد!
(المصدر: الاتحاد العالمي المسلمين)