مقالاتمقالات مختارة

حتى لا تتحول (افعل ولا حرج) إلى فقه أعوج

حتى لا تتحول (افعل ولا حرج) إلى فقه أعوج

بقلم د. أكرم كساب

هناك جملة نبوية رائعة حفظتها كتب السنة وهي (افعل ولا حرج)، وبعض الناس يسيء استخدام هذه الكلمة حين يضعها في غير موضعها، وذلك حين يجعلها قاعدة عامة تحت دعوى التيسير ورفع الحرج، فما هي قصة هذه الجملة النبوية وكيف نفهمها؟

أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج:

في حجة الوداع وقف النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس مبلغا ما أمره الله به، وقد تلخصت أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة في نقاط ثلاث:

  1. الإجابة عن أسئلة الحجيج معه، روى أحمد عن الْفَضْل بْن عَبَّاسٍ،قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ، فَقَالَتْ: يَارَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَ ايَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى دَابَّتِهِ، قَالَ: ” فَحُجِّي عَنِ أبِيكِ “، (قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين).
  2. إبراز مقاصد الإسلام العظمى ومعالمه الكبرى : كما في قوله صلى الله عليه وسلم: “اعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ،وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ “، (رواه أحمد وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم)، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: “تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ” (رواه مسلم).
  3. بيان كبائر الذنوب والتحذير منها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:” فَإِنَّاللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا” (متفق عليه).

(لتأخذوا عني مناسككم) قبل (افعل ولا حرج)؟

والحق أن الجملة النبوية الرائعة (افعل ولا حرج) لم تكن حاضرة في الحج كله، وإنما حضرت في وقت معين وظرف معين لأناس معينين، ويمكن أن تكون لكل من تتشابه مواقفهم مع السائلين السابقين، لأن هذه الجملة النبوية ترافقها جملة أخرى، وهي:(لتأخذوا عني مناسككم) روى مسلم عن جابر قال: قال النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من نوى الحج عن أخيه قبل نفسه أن يغير نيته، ولم يقل له (افعل ولا حرج)، روى أبوداود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟» قَالَ: أَخٌ لِي – أَوْقَرِيبٌ لِي – قَالَ: «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ».

محظورات الحج لا تقبل (افعل ولا حرج):

ولذلك كانت محظورات الحرج بعيدة كل البعد عن (افعل ولا حرج) وإنما كانت في إطار (خذوا عني مناسككم)، ومن ثم يحرم على الحاج الجماع، وعقد النكاح أو الخطبة، ويحرم عليه إزالة الشعر من الرأس والجسم، وكذلك الطيب، وإزالة الأظافر، كما يحرم تغطية الرأس للرجل، ولبس النقاب أو القفازين للمرأة.ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأشياء (افعل ولا حرج)، وإنما أمر بالفدية، روى الشيخان عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ بُرْمَةٍ، وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَنْ رَأْسِي، فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْأَطْعِمْ سِتَّةً، أَوْانْسُكْ نَسِيكَةً».

ولهذا لم يقل أحد من الفقهاء لأحد من السائلين في (المحظورات): (افعل ولا حرج)، وإنما كانت جملة (لتأخذوا عني مناسككم) هي الحاضرة، ومن خالف وقع في الحرج.

ضوابط (افعل ولاحرج):

أما (افعل ولا حرج) فهي جملة نبوية تمثل فقه: الواقع والحال والزمان والمكان، ولا يمكن الاستغناء عنها أبدا، لكنها ليست قاعدة مطلقة لا في الحج ولا في غيره من العبادات، إنها محصورة في أمرين:

  1. في أعمال يوم النحر (الطواف- السعي- النحر- الرمي- الحلق أو التقصير) فمن أتى بشيء قبل غيره فحجه صحيح ولا إثم ولا حرج عليه، ولا فدية من صيام ولا نسك.
  2. عند الضروة فللمرء أن يفعل ما حرم عليه من قبل دون إثم أو حرج، والله يقول:{وَمَاجَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، ويقول سبحانه: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَاعَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173].

لا تجعلوا (افعل ولا حرج) فقها أعوجا:

وأخيرا فإن من وضع هذه الجملة (افعل ولا حرج) في غير موضعها مدعيا بذلك التيسير فقد ضل الطريق، وكان فهمه أعوجا أعرجا، لأنه استخدم التسير من غير دليل، ومن ثم فإن:

من حلق قبل عرفة وقع في الحرج.

ومن تحلل قبل يوم النحر وقع في الحرج.

وقف بغير عرفة وقع في الحرج.

ومن جعل السجود قبل الركوع فعليه الإثم والحرج.

ومن قرأ التشهد في الركعة الأولى عليه الإثم والحرج.

ومن أحرج بالحج قبل أشهر الحج عليه الإثم والحرج.

ومن أفطر قبل المغرب فعليه الإثم والحرج.

إن وضع استخدام (أفعل ولا حرج) دون وعي أو فهم هو استخدم مشبوه، ولا يأتي بهذا الفهم إلا جاهل يجب تعليمه وتقويمه، أو ناس يجب تذكيره وتبصيره، أو أن يكون مبددا للدين لا مجددا فهذا ينبغي تحذيره وتوبيخه.

المصدر: رابطة علماء أهل السنة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى