مقالاتمقالات مختارة

المتاجرة بالمرأة «1-2»

المتاجرة بالمرأة «1-2»

بقلم د. ياسر عبد التواب

مسكينة تلك المرأة.. تتنازعها أهواء متباينة وتتناوشها أفكار مختلفة الكل يدعي العناية بها ورعاية شؤونها.. الكل يتزلف لها.. وبها الكل يتاجر فيها.. ويتاجر في قضاياها بعضهم صادقين بلا شك.. حتى من الذين ضلوا الطريق السوي!

لكن ليس صدق النية وحده ولا طيبة القلب وحدها بكافيان لترشد الأعمال..

لابد من اكتمال المنهج وسلامته وإلا فكثيرة هي أعمال البشر التي كانت نياتهم فيها حسنة بينما أفضى ذلك إلى الويلات والخراب..

فهل من اخترع المفاعل النووي كان يخطر بباله أن يستخدم تلك الاستخدامات التي أفنت وشوهت؟

وهل اطلع أصحاب الأفكار الشيوعية والاشتراكية والفلسفات الرأسمالية على الأضرار التي خلفتها أفكارهم على البشرية ..

لاعتمادهم العقل وحده والنية وحدها ميزانا للأمور من دون الاتكاء على منهج سوي يستقون منه ما ينفعهم ويرشد طريقهم

وقديما قالها القرآن في الذين ادعوا الإصلاح دون منهج بل غرتهم نياتهم الحسنة فأعرضوا عن منهج الله تعالى بدعوى أنهم على هدى..

فلما دعاهم الله إليه وإلى ترك ما سواه وبين لهم فساد حلهم في بعدهم عن منهجه قالوا إنما نحن مصلحون فرد الله تعالى عليهم بقوله:

(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (البقرة:12)

وقضية المرأة كذلك من ضمن القضايا التي للجميع فيها باع وأحاديث وآراء وكلام وتفاصيل

لكنها -كما لغيرها- لابد لها من ضوابط ولابد لنا من معرفة الغث من السمين

إن ما يهمنا هنا هو المرأة في مجتمعاتنا والحق أننا في هذه المرحلة من تاريخنا نعاني في منطقتنا العربية من عدم القدرة على الاستفادة من تجاربنا نفسها ..!

المرأة في مصر.. محاولات تمرد

لقد مرت مصر على سبيل المثال بكل ما تمر به المرأة في الخليج مثلا من محاولات تمرد على وضعها

ومن تحويل قضيتها إلى صراع مع الرجل وإلى اختزال حريتها في حرية الانحراف والتمرد على الدين

ولكن هل استفادت المرأة هنا مما مر بأختها هناك والتي استبانت زيف تلك الدعوى فعادت الكثيرات إلى حصنهن الأول وإلى فكرهن الأصيل

لا تزال نفس شبهات التقدم ودعاوى الانفتاح وأوهام سقوط الحواجز تجذب بعض الأغرار في سباق زادته خسة التجارب المتعلقة بالإنترنت والفضائيات

وما تقدمه من تهوين للعري وتورية بالإباحية في الفن والفيديو كليب

بل وفي البرامج الحوارية التي صارت تناقش أمورا مثل ممارسة الجنس قبل الزواج وماذا عن مصارحة الطرف الآخر بذلك

وعن عادات محرجة وعن المثليين وعن غشاء البكارة ..إلخ

وكأن الأمر ليس فيه حلال وحرام وليس فيه حقوق ولا حدود شرعية لرب العالمين ولا كرامة لأسرة كريمة ولا لامرأة عفيفة يريدون أن يطرحوها فريسة لشرك التقليد للغرب والانبهار به..

المثير للسخرية أن يتهم الإسلام بأنه يؤذي المرأة وهو الذي أعاد لها كرامتها وحافظ عليها أما وزوجة وبنتا ..

وأوصى بها وجعل الرجل مأمورا ببرها والنفقة عليها ومراعاة لحوائجها وأعدها عن الفتن والأذى الذي وقعوا فيه ..

بينما الغرب نفسه يعاني أسريا ومجتمعيا من ذلك الانحراف الذي يبشر به بعض بني جلدتنا

فكم من الجرائم هناك المادية والمعنوية التي تؤذى فيها المرأة ..بينما أهلنا هنا غافلون..!

كم تهمل النساء العجائز وكم تهان الدميمات وكم تستخدم الجميلات كسلعة للترويج للبضائع ..

ثم بعد ذلك يتبجحون وبكل وقاحة ليزعموا أنهم من المدافعين عن المرأة وحقوقها

بل ويجعلون همم الأكبر عند احتلال الشعوب هو إفساد المرأة ودعوتها إلى الإباحية والعري ..

وأيضا تحت دعوى إصلاح شأنها .. وكأنها تعيش بين وحوش

وهم واهمون كمن ذكرناهم سابقا يحسبون أنهم مهتدون قال تعالى :

( وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)

(لأعراف: من الآية30)

(وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)

(الزخرف:37)

الأمم المتحدة والمرأة المسلمة

وتحت شعارات مضللة ومزيفة عن حرية المرأة والحفاظ على حقوقها

تعقد الأمم المتحدة مؤتمراتها الدولية منذ عام 1975م وحتى اليوم لتؤكد هذه المعاني الفاسدة الكفيلة بالقضاء على الأسرة في وثائقها ..

ورغم أن الشعوب المسلمة والعديد من الحكومات في العالم الإسلامي والكثير من المنظمات الغربية

وحتى الفاتيكان قد أعلنوا رفضهم لما جاء في هذه الوثائق وأكدوا خطورتها على المجتمعات الإنسانية ومازالوا يؤكدون ذلك،

إلا أن تلك المنظمات الشيطانية التي تمتطي الأمم المتحدة لتحقيق مشروعها لتدمير الفرد والأسرة والمجتمع لا تكف عن مواصلة مساعيها لذلك،

ولم تتوقف عن عقد تلك المؤتمرات الدولية المشبوهة التي صارت أشبه بتقليد سنوي تفرضه الأمم المتحدة على العالم لتشغله بما يسمى زوراً وبهتاناً بحقوق المرأة

والغريب أن الأمم المتحدة تهمل معظم قضايا المرأة والطفل التي تهدد حياتهما ومستقبلهما وأوضاعهما المأساوية في عالم الحروب والكوارث والنكبات والشتات

وتجاهل محن أكثر من 100 مليون سيدة وفتاة يفترسهن الحرمان من الرعاية الغذائية، وأكثر من مليون فتاة تتم المتاجرة بهن في الدعارة.

ولننظر في شهادة شاهد من أهلها في تقرير صادر عن القنصلية الأمريكية العامة في القدس ومنشور على موقعها على الإنترنت

يتحدث التقرير (22/2/2005)عن بعض أوضاع حقوق الإنسان عند اليهود

وسنجتزئ منه ما يتعلق بحقوق المرأة وكيف أنهم أهانوها وما رسوا العنف ضدها والتي منها :

واستمر وجود التمييز ضد المرأة والعنف الذي تتعرض له من المجتمع، مع أن الحكومة استمرت في معالجة هذه المشاكل.

ومشاكل المتاجرة بالمرأة والعمال الأجانب وإساءة معاملتهم لا تزال قائمة. واستمر التمييز ضد المعوقين…) انتهى..

وما يحدث في أوروبا وأمريكا ليس ببعيد عن هذا

 كما تكرس الأمم المتحدة جل اهتمامها عبر ما يقرب من ثلاثين عاماً لتقنين حرية المرأة الإباحية وحريتها في الخروج على الأسرة وتدمير المجتمعات تحت مزاعم وشعارات كاذبة،

 الأمر الذي يفضح رسالة تلك المؤتمرات ويؤكد أن منظمات الهوس الفكري والشذوذ الجنسي الغربية قد فرضت سطوتها على المنظمة الدولية.

مؤتمرات تجد صداها في عدد من البلاد الإسلامية

وللأسف الشديد فإن تلك الدعاوى التي تروج لها تلك المؤتمرات تجد لها صدى في عدد من البلاد الإسلامية عبر المنظمات المعنية بشؤون المرأة ،

خداعاً للجماهير ومحاولة لتضليل البسطاء..

وبين الحين والآخر تخرج علينا مجموعات ما تسمى بحقوق المرأة وحريتها بآراء وكتابات

وتصريحات تصب في مجملها وفحواها في التخديم على ما تروج له مؤتمرات الأمم المتحدة عن المرأة والتي هي محل رفض من الشعوب المسلمة،

وتتترس هذه المجموعات خلف المنظمة الدولية . فالأمر ليس جنة بل نار وعار وضياع وشنار ..

وبين الحين والآخر تخرج علينا مجموعات ما تسمى بحقوق المرأة وحريتها بآراء

وكتابات وتصريحات تصب في مجملها وفحواها في التخديم على ما تروج له مؤتمرات الأمم المتحدة عن المرأة

والتي هي محل رفض من الشعوب المسلمة ونستكمل الحديث فنقول لقد أصبح من ضغط الواقع على الأمة أن يتم إقحام موضوع المرأة في جميع الأمور

 وكأننا ندفع تهمة عن أنفسنا بأن المرأة عندنا مظلومة مضطهدة ومن ثم نحرص في كل الأحوال على التأكيد على عدم اضطهادها وأنها تأخذ حقها كاملا إلى غير ذلك

ومن ثم تجد تصرفات ساذجة في التعامل مع الموضوع مثل إقحام المرأة فيما قد لا تكون أهلا له من الوزارات والمسؤوليات وفقا للتدرج الوظيفي والعلمي

فقد تسند مهمة ما أو منصب لامرأة ما في الوقت الذي لو رشح رجل لنفس المنصب لما تم اختياره له أبدا لأنه ليس له أهل

فالأمر ليس استجابة لواقع المجتمع وليس منحا للمرأة فرصة تتناسب مع مؤهلاتها

وليس درءا لاضطهاد وقع على المرأة بل هو رضوخ لشبهات الأعداء ودفاع عن تهمة لا تعشش إلا في أذهان قائليها

وإلا فأي جديد في الأمر من ناحية العدل أن يتم فرض بعض النساء بدون مواهب على بعض الأماكن دون استحقاقهن لذلك؟

التعامل بموضوعية وثقة فيما يصلح للمرأة

 لابد من أن نتعامل مع الموضوع بموضوعية وثقة فإن وجد مكان يصلح للمرأة وتصلح له فما المانع من توليتها إياه..

أما أن تكون لا تصلح له فمن الظلم للمجتمع ولها أيضا أن يسند لها

فمحاولة اتخاذ موضوع المرأة وادعاء إنصافها تكئة لقلب الأمور وإشاعة الفوضى في المجتمعات استجابة لضغوط الواقع

أو مجاملة للغرب هو نو ع من المتاجرة بالمرأة ..وهو من صور الفساد الذي تسعى الدول إلى التخلص منه ومن آثاره

ولأننا ننسى فإن موضوع المرأة واضطهادها هو دوما أحد التهم الجاهزة ضدنا لدى الغرب بكافة أطيافه الفكرية والسياسية والاجتماعية ..

كأنهم يزعجهم شرف المرأة لدينا والتزامها بقيم الإسلام وارتدائها لحجابها واعتزازها بأسرتها

في الوقت الذي تدعو قلة من عقلائهم إلى العودة إلى قيم الشرف والطهر والترفع عن مستنقعات الفحش والهوى والرذائل الذي وقعوا فيه

الغريب أنهم في الوقت الذي يزعجهم وضعية المرأة في بلادنا وحجابها على رأسها..

فإنهم لا يعبئون بكون المرأة إن أرادت التدين والتفرغ للكنيسة عندهم ترتدي ملابس هي شبيهة إلى حد كبير بالحجاب !

حتى إنني رأيت بعضهن من ظهورهن في إسبانيا فظننتهن خليجيات

بسبب أنهن يرتدين عباءات رأس تغطي المرأة من أعلاها لأسفلها فلا تشك أنهن مسلمات.. لولا أنهن يرتدين الصليب!

ومن المشكلات الدينية لديهم هناك أنهم يمنعون من كانت حالها كما وصفت من الزواج بدعوى الرهبنة..

وهذا نوع آخر من المتاجرة بالمرأة بمنعها من حقوقها -.

وإن كان يشاركها فيه الرجال المنخرطون في سلك الترهب أيضا- وهذه لعمري سوءة كبيرة في هذه الحضارة ..لكونها تمنع الزواج الذي هو فطرة الإنسان.

المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى