مقالاتمقالات مختارة

لماذا أوروبا في حملة مطاردة ضد الإسلام السياسي؟

بقلم كودري محمد رفيق

هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: Why is Europe on a witch hunt against ‘political Islam’ لكاتبته: Farid Hafez في موقع: middleeasteye.net. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.

تسير ألمانيا على خُطى فرنسا والنمسا، باقتراحات قانونية قمعية متزايدة ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا.

شبحٌ يُطارد أوروبا؛ هو شبح الإسلام السياسي. من حرب فرنسا ضد “اليسار الإسلامي” إلى معركة النمسا ضد “الإسلام السياسي”، يتعرّض المسلمون وجماعات المجتمع المدني الإسلامية المناهِضة للإسْلاموفوبيا والعنصرية إلى ضغوطات متزايدة مُسلّطة عليهم من مؤسسات الدولة.

في كلا البلدين، أغلقت الحكومات العديد من المنظمات الإسلامية غير الحكومية والمساجد، كما قيّدت حرية التعبير، بل وداهمت قُوّاتُها الأمنية المنازل والمؤسسات الإسلامية بحجة “الحرب على الإرهاب”. وإنّ هذه الإجراءات قد تكثّفت واشتدّت بعد الهجمات الإرهابية التي شهدها العام الماضي.

في ألمانيا، يبدو أن الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة “أنجيلا ميركل” سوف يتبع خُطى الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” والمستشار النمساوي “سيباستيان كورتز”. وبينما قوبِل ماكرون بانتقادات دولية وشعبية قاسية بسبب تشريعاته القمعية، فإن تحرّكات سيباستيان كورتز قد مرّت دون أن يلاحظها أحدٌ تقريبًا. لكنّ الواضح أنهم جميعًا يلعبون نفس اللعبة؛ يدّعون حماية غالبية المسلمين المسالِمين الملتزمين بالقانون، بينما يستهدفون المسلمين “الخطِرين” فقط. وهم في الواقع وفي الوقت ذاته، يُوسِّعون دائرة “المسلمين الخطِرين” المحتَملين، وقد يأتي زمنٌ إن استمرّ سير المُعالجَات بهذه الوتيرة تشمل فيه الدائرة حتى المسلم الذي لا نشاط له غير الصلوات الخمس.

وفقًا لوثيقةٍ حديثةٍ أصدرها ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي في البرلمان الألماني فإنّ: “الإسلاموية لا تقتصر على عدد مُعين من التهديدات العنيفة، بل إن الأيديولوجية التي تقف وراءها تُسمم مجتمعنا الليبرالي. إنها من خلال تحريض المسلمين على ديمقراطيتنا، تُعرِّض الوحدة والتماسك الاجتماعي للخطر.”

إنّ هذا النوع من الخطاب الصليبي لا يأتي من فراغ؛ فإن مثل هذه التصريحات تستند إلى تاريخٍ طويلٍ وإشكاليّ “لعمليّة مُكافحة التطرف”، و”برامج مكافحة التطرّف”، التي ظهرت بعد إطلاق “الحرب على الإرهاب” قبل عقدين من الزمن.

رقابة الدولة

الإسلام السياسي

إنّ التطوّر الأحدث الذي نشهده اليوم هو توسيع مفهوم “مكافحة التطرّف العنيف” ليشمل ما أسْمَوه بـ “التطرّف غير العنيف”. يُشير هذا إلى أن الجماعات المسلمة غير العُنيفة تشترك في نفس الأهداف مع الجماعات العنيفة، وإنما يكمن الاختلاف بين الاثنين في “المنهجية” فقط، كما هو مذكورٌ في تقريرٍ استخباراتيٍّ بافاريّ.

سوف يعني هذا التوجه -من خلال استهدافه المنظمات الإسلامية التي تعمل ضمن النظام السياسي الديمقراطيّ الغربي والتي ترفض العنف- إلى إقصاء هذه المنظمات الإسلامية من المجتمع المدني. وبحسب التقرير، فإن هذه الوسائل القانونية غير العنيفة تشمَل تشغيل وتنشيط الجمعيات الثقافية والمساجد التي تعمل على تجنيد الأعضاء من جهة، وتأهيلهم لنشر الأيديولوجية الإسلامية من جهةٍ أخرى. وإنّهم من خلال منظماتهم الجامعة، يُحاولون تقديم أنفسهم للدولة على أنّهم “الناطقون بلسان المسلمين”.

يستهدف هذا المفهوم الجماعات الإسلامية العامة والسائدة، بدلًا من الحركات المختبئة في الظل. يمكن القول: إن هناك شيءٌ من الارتياب العام تجاه المسلمين. لقد خضعت معظم المنظمات الإسلامية السائدة لرقابة الدولة لسنوات في ألمانيا.

المصطلح السائد على نطاقٍ واسع هو “الإسلام السياسي”، ولكن ليس بالمعنى والطريقة التي يستخدمها الأكاديميون للتمييز بين المظاهر المتنوعة للتقاطع بين السياسة والدين. تكمن المشكلة في الاستخدام الغامض لمصطلح “الإسلام السياسي” في بلدان مثل النمسا في أن الحكومة تستخدمه لتجرِيم الممارسات الإسلامية ولإسكاتِ المسلمين الذين يُعبرون عن آراء سياسية تنتقد الحكومة.

بمعنى ما، فقد أصبح هذا المفهوم هو الأساس الفكري الذي يتم على أساسه إضفاء الطابع المؤسسيّ القانونيّ على عملية “الشّيطنة العامة” للمسلمين، إنّه يُذكرنا بـ “المَكارثِيّة” في خمسينيات القرن الماضي ومطاردة الجماعات اليسارية تحت راية مناهضة الشيوعية.

مواقفٌ متشددة

الإسلام السياسي

يبدو أن المواقف المتشددة والمتزايدة للدول الأوروبية مثل النمسا وفرنسا وألمانيا تأتي جنبًا إلى جنب. في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وقّعت مجموعة من الكُتّاب والسياسيين المعروفين من ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي في ألمانيا على رسالةٍ مفتوحة اقترحت خمس توصيات من أجل “تعزيز النظام الديمقراطي الحر لمواجهة الإسلام السياسيّ”. وجاء في الرسالة: “لقد حان الوقت لمواجهة مشكلات مجتمع المهاجرين بشكلٍ علَنيٍّ دون الخوف من اتهامات الإسلاموفوبيا ومعاداة المسلمين التي لا أساس لها”.

على غرار الحرب الثقافية الفرنسية ضد دراسات قضايا الجنسين وما بعد الاستعمار وقضايا العنصرية، فإنّ هؤلاء العلماء يحاولون تحصين الوضع الراهن ضد أي نقد أو توجهٍ مخالف.

هل حصلت هذه الرسالة على زحمٍ بعد الهجمات التي تعرّضت لها فرنسا والنمسا العام الماضي؟ ليس حقًا؛ لأنّها تدّعي بشكلٍ أخرق أن “الإسلام السياسي” أخطر من العنف المسلح على المجتمع الأوروبي.

وتشمل التوصيات الخمس إنشاء “مركز توثيق” على أساس النموذج النمساوي، يتم فيه “دراسة وتحليل وكشف هياكل واستراتيجيات ومَنابع تمويل الإسلام السياسي”. إنشاء 10 كراسي جامعية مُخصصة لتحليل ودراسة هياكل “الإسلام السياسي” في ألمانيا. وتشكيل فريق خبراء داخل وزارة الداخلية لتقديم توصيات في محاربة الإسلام السياسي.

أفكارٌ مثل هذه تُثير أسئلة جدية، فمَركز التوثيق النمساوي يُديره إلى حدٍّ كبير شخصيات متطرفة في مجال القانون والنظام ولها تاريخ طويل في دعم التشريعات القمعية ضد المسلمين، بما في ذلك أشخاص مثل مهند خورشيد وسوزان شروتر ولورنزو فيدينو.

إن الوثيقة التي أصدرها ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي تجادل أيضًا أن سلطات الدولة يجب أن تتوقف عن تقديم أي دعمٍ إلى الجمعيات التي تندرج تحت فئة “الإسلام السياسي”. كما تقترح صناعة “إمامٍ جِرماني”؛ أي أئِمّةٌ متدربون في ألمانيا يكون ولاؤهم أولًا وقبل كل شيء للهوية الوطنية الألمانية، وتكون مهمتهم إعادة إنتاج هياكل تتناسب مع الدولة. كما تُطالب الوثيقة بضوابط مالية أكثر صرامة على الجماعات الإسلامية النشطة هناك.

الهدف من هذه الإجراءات التي تنتهك مفهوم العلمانية في فصل سلطات الدولة عن المجتمعات الدينية هو مراقبة المسلمين قدر الإمكان. وبما أنّ سلطات الدولة لم تتخذ أي إجراءات مماثلة ضد الطوائف الدينية الأخرى، واضحٌ أن المستهدف هو الإسلام والمسلمين.

المصدر: موقع تبيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى