مقالاتمقالات مختارة

حوار سريع حول العلمانية

حوار سريع حول العلمانية

بقلم مصطفى البدري

قلت لصاحبي التونسي: ما للشعب التونسي أصبح علمانيًّا؟!

فقال لي: الشعوب يئست من فكرة الدولة الإسلامية، والنموذج القابل للتطبيق؛ وبالمناسبة.. أنا نفسي علماني بنكهة إسلامية!!

فقلت له: وهل تعرف معنى العلمانية؟

قال: أخبرني.

قلت: قل أنت واعتبرني جاهلًا.

قال: أنت لست جاهلًا، ولا تتكلم معي بهذا الأسلوب.

فغضبتُ وأغلقتُ المكالمة، فأعاد الاتصال مبتسمًا متلطفًا يريد استكمال الحوار، فكان لزامًا عليَّ أن أقبل.

فقلت له: العلمانية ليست مجرد فصل الدين عن الدولة (وإن كان هذا كاف لأن نعاديها ونرفضها) لكن أهلها يعرّفونها بأنها: فصل الدين عن الحياة، بحيث لا يدخلون الدين في أي شأن من شؤون الحياة العامة أو حتى الخاصة إذا تداخلت مع الآخرين، كمن يترك لقاء أو اجتماعًا أو حصة دراسية من أجل الصلاة.

فالدين في العلمانية لا يدخل في الفن ولا في الرياضة ولا في العلوم.

والدين لا يدخل في البيع والشراء ولا المعاملات الإنسانية، وقد يقتصر في بعض الأحيان كما هو الحال في بلادنا على الأحوال الشخصية (الزواج والطلاق ومتعلقاتهما).

وعليه.. فليس هناك شيء اسمه مسلم علماني، فإما مسلم يقبل الإسلام عقيدة وشريعة (مع احترام العلوم والتخصصية)، وإما علماني يرفض دين الله وشرعه.

والمسلم يقول ويعتقد ويعيش قوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}.

واستطردتُ قائلًا: وأما النموذج القابل للتطبيق فإنه موجود على مدى مئات السنين حين كان الإسلام حاكمًا في دول متتابعة عُظمى (الأموية – العباسية – العثمانية)، ولو لم يسجل التاريخ إلا الحقبة النبوية والخلافة الراشدة من بعدها.. لكفى بها نموذجًا.

أما في العصر الحديث.. فهناك نقطتان مهمتان:

الأولى: لابد من التفريق بين تمكن الإسلام نفسه من الحكم، بحيث تكتب الدساتير وتصاغ القوانين بما يتوافق مع القرآن والسنة ومن بعدهما اجتهادات الأئمة، وبين وصول بعض المحسوبين على الحركة الإسلامية للحكم في ظل سيطرة الطغمة العسكرية الموالية للاحتلال على القوانين والسلطة والمقدرات.

الثانية: أن الحركة الإسلامية نفسها صار فيها من الدخن والوهن ما الله به عليم!! بحيث لم تعد كل جماعة منفردة تمثل الإسلام بنقائه وصفائه وعظمته وشموليته.

حتى إن حركة النهضة التونسية في ظل الغنوشي (على سبيل المثال) أصبحت علمانية (أو متعلمنة على الأقل)، وهذا الخلل الذي أصاب بعض المحسوبين على الحركة الإسلامية يجعلنا نرفض اعتبارهم نموذجًا للإسلام الذي نناهض العلمنة والعسكرة من أجله.

لكن عمومًا.. فشل أو غياب النموذج البشري القابل للتطبيق، لا يجيز لعموم المسلمين التوجه للعلمنة!! بل يوجب عليهم أن يقوموا بدورهم لإيجاد وإبراز وتمكين النموذج الذي يمثل الإسلام كما أراده الله عز وجل.

بمعنى: إن أخطاء البعض لا تجيز انصراف الآخرين عن الدين.

ثم ختمتُ له: لذلك لا أرضى لمسلم فضلًا عن إنسان قريب مني مثلك أن يقول عن نفسه (أنا علماني).

فقال لي: يا أستاذي.. أنا إسلامي حتى النخاع، لكني أخطأت التعبير، أو بمعنى أصح: لم أفهم العلمانية بهذا الوصف الذي شرحتَه لي.

فقبلت ذلك منه.

ثم عاتبني هو في قولي: إن الشعب التونسي أصبح علمانيًا.

فاعتذرت له، وبينت أنني أقصد أنه أصبح متأثرًا بالعلمانية كبقية شعوبنا العربية، لكنه في الجملة مازال متمسكًا بالإسلام مريدًا له متمنيًا انتصاره.

وقد أكد لي مشكورًا هذا المعنى، ومثَّل لي بالمظاهرات التي خرجت في تونس رفضًا لقانون المساواة في المواريث الذي تولى كبره السبسي في تونس.

ثم تحول الحديث ليصبح دردشة حول كلمة كارل ماركس (الدين أفيون الشعوب).

وللحديث (حول العلمانية ومصادمتها لأصل الإسلام) بقية إن شاء الله.

والله من وراء القصد.

المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى