بيان رابطة علماء المسلمين حول المجازر المروعة للمسلمين في أفريقيا الوسطى
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد ظلت القارة الأفريقية محط أنظار القوى الدولية الطامعة في فرض سيادتها ونهب ثروات الشعوب ومواردها وتعطيل نموها ونهضتها واستخدام كافة الوسائل في تحقيق طموحاتها، لا يردعها عن ذلك قوانين دولية ولا مؤسسات أممية؛ لأنها توظف كل ذلك لصالح أجندتها ومشاريعها المختلفة!
وبطبيعة الحال فإن هذه السياسات تروح ضحيتها الشعوب والأمم المستضعفة في شتى بقاع العالم ومن بينها الشعوب الإفريقية.
ومنذ سنوات خلت يتعرض المسلمون في أفريقيا الوسطى لإبادة جماعية ومجازر وحشية وتطهير ديني تحت حجج وذرائع شتى وعلى يد قوى محلية ودولية وفي ظل صمت عالمي مريب!
وإن رابطة علماء المسلمين ترقب ما يدور بدولة إفريقيا الوسطى بكل أسف وألم، وتتابع عن كثب أحداث التطهير العرقي فيها ابتداء من عام 1434هـ- 2013 م، والتي راح ضحيتها الكثير من المسلمين، منهم أئمة مساجد، وعلماء ودعاة، ونساء وأطفال، مع تصفية واستهداف القيادات المسلمة في المؤسسات العسكرية والأمنية.
وقد نبَّهت الرابطة العالم حينها بخطورة ما يجري للمسلمين في أفريقيا الوسطى من إبادة وجرائم ضد الإنسانية، لعل خطابها يجد آذانًا مصغية، وقلوبًا واعية، ومواقف راشدة تنصر المظلوم وتردع الظالم، ولكن وللأسف يتجاهل العالم المدَّعِي للحضارة تلك الجرائم بل ويساعد المجرمين على الإفلات من العقاب!
وها هي تتكرر اليوم تلك المجازر بذات الوحشية مع اختلاف القاتل؛ حيث كانت فرنسا الجهة الدولية الراعية لتلك الجرائم، واليوم يتحول الأمر إلى المليشيات الروسية (فاغنر) بعد سيطرتها على مقاليد البلاد عام 1438هـ- 2017م، في ظل صراعات عبثية تقودها قوى دولية لنهب وسرقة موارد الشعوب، دون أي اعتبار لحقوق الإنسان في تلك البلدان، وبدوافع وأحقاد دينية تستهدف المكون المسلم تحديدًا في تلك البلدان!
إنَّ ما يجري ليؤكد على الحقيقة القرآنية في قوله تعالى:(وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217].
ولقد ظلت تلك الانتهاكات الحقوقية مستمرة طوال السنوات الماضية وكان آخرها ما حصل في أوائل شهر ذي القعدة 1442هـ- منتصف شهر يونيو 2021م، حيث نفذ المرتزقة الروس والقوات الحكومية مذبحة بحقِّ فارِّين مدنيين احتمَوا بمسجد التقوى في مدينة (بامباري) وسط البلاد، وقتلوا العشرات منهم، وقد أكَّدت ذلك العديدُ من التقارير الحقوقية والإعلامية واصفة ذلك بأنَّه جرائم ضد الإنسانية!
وإزاء هذه الجرائم المتكررة فإن رابطة علماء المسلمين تؤكد على ما يلي:
١- إدانة هذه الجرائم المتكررة من الأطراف المحلية والمليشيات العابرة للحدود، واعتبار الصمت المريب على تلك الجرائم من المؤسسات والهيئات الدولية هو تشجيعًا للإجرام الدولي، ومساهمة في غياب الأمن والاستقرار، وخلق مُناخ للفوضى والخراب، ونكوصًا عمَّا تزعم تلك المؤسسات والهيئات أنها أنشئت لأجله، فكيف إذا كانت تلك المليشيات مدعومة ومحميَّة من دول لها ثقلها الدولي في مجلس الأمن مثل روسيا؟!
٢- التأكيد على أهمية مناصرة المستضعفين في تلك البلاد بكافة الوسائل المشروعة والمتاحة، وأنَّ ذلك مما يمليه الواجب الديني وحقوق الأخوة الإسلامية، والموالاة بين أهل الإيمان، وغياب ذلك يحدث الفتنة والفساد الكبير؛ لقوله تعالى:(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:73].
وقال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) [النساء:75].
وقد قال النبي ﷺ: (المسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ) أخرجه مسلم. وفي لفظ عند البخاري (المسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ…). ومن خذلان المسلم: ترك إعانته في دفع الظلم عنه، وعدم نصرته على عدوِّه الظالم.
٣- تذكير حكومات العالم الإسلامي بواجبها المنوط بها؛ بضرورة توفير الحماية القانونية والحقوقية للأقليَّة المسلمة، من خلال المنابر الإقليمية والدولية، وخاصَّة الاتحاد الإفريقي، وملاحقة المجرمين ومنعهم من الإفلات من العقاب.
٤- التنبيه على مخاطر وجود تلك المليشيات الروسية المستأجرة، وضرر تجاهل تلك الجرائم والانتهاكات، أو التعاون مع القوى الإجرامية بأي شكل من الأشكال، كتمرير السلاح لهم، أو الصمت على جرائمهم، كما هو حال بعض الدول المسلمة المجاورة لأفريقيا الوسطى! وإنَّ ذلك يعد مشاركة في قتل المسلمين، ويُعرِّض صاحبَه لسخط الله وعذابه في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2].
والله نسأل أن يحقن دماء المسلمين، وأن ينتقم ممن اعتدى على الأبرياء، وأن يوفِّق العقلاء لحفظ الحقوق وحقن الدماء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)