مقالاتمقالات مختارة

تركستان الشرقية والتبت.. هل هي إبادة جماعية موازية؟

تركستان الشرقية والتبت.. هل هي إبادة جماعية موازية؟

بقلم ماسيمو إنروفيجنيا – ترجمة: رضوى عادل

جدل مثير للإهتمام بين عالم التبت، روبرت بارنيت ونشطاء حقوق الإنسان التبتيين (والدوليين).

 يعد البروفيسور روبرت بارنيت من كلية لندن للدراسات الشرقية والأفريقية وكلية كينجز أحد أبرز علماء التبت الأحياء (نعلم من المراسلات معه أنه يقرأ صحيفة بيتر وينتر أيضاً). فقد نشر في مدونة “آسيا غير المقيدة” “Asia Unbound” التابعة لمجلس العلاقات الخارجية (CFR) مقالة إستفزازية انتقد فيها أولئك الذين يزعمون أن التبتيين يتعرضون “لإنتهاكات مماثلة” مثل الإنتهاكات التي يواجهها الأويغور وغيرهم من السكان المسلمين الأتراك في تركستان الشرقية. وذكر على وجه الخصوص “الإدعاءات” التي قدمها الباحث الألماني أدريان زينز وسياسيون وعلماء على صلة بالإدارة التبتية في الشتات، بدعم من بعض الزملاء الغربيين. احتج بعض النشطاء التبتيين على مقال بارنيت، وطلب أحدهم من مجلس العلاقات الخارجية نشر دحضه.

 وقد نوقش الجدل في العديد من وسائل الإعلام الدولية وهو يستحق بعض التعليقات. أولاً، من المهم توضيح ما لم يقله بارنيت. لم يجادل في أن أدريان زينز باحث حزبي أو باحث غير موثوق به. على العكس من ذلك، كتب بارنيت أن زينز قام بعمل مرموق في التبت وتركستان الشرقية في الماضي. تعرضت أعماله الأخيرة للهجوم والإساءة من قبل وسائل الإعلام الحكومية الصينية وغيرها، بما في ذلك التشهير بمعتقداته الدينية من قبل أحد المؤيدين للصين الذي يُدعى ماكس بلومنثال، مما يدل على النفاق الكبير للصين.

 لم يجادل بارنيت بأن التبتيين لا يتعرضون للإساءة من قبل الحزب الشيوعي الصيني أيضاً. وذكر أن السياسات الصينية في التبت هي سياسات مقيدة وقمعية بشكل استثنائي، وأن المعسكرات أُنشئت لإحتجاز التبتيين دون اتهامهم بأي جريمة، وأن الإنتهاكات الجسيمة، بما في ذلك التحرش الجنسي، حدثت في المعسكرات التي تم إنشاؤها في عام 2017 لإيواء الرهبان والراهبات الذين طُردوا من عدد من الأديرة في مناطق التبت الشرقية، ولا سيما لارونج جار. تم إنشاء معسكرات أخرى مؤقتاً في الفنادق أو المدارس أو قواعد الجيش التي تم تحويلها لإحتجاز التبتيين لأغراض مثل”التعليم القانوني”. يقر بارنيت أيضاً بأهمية حقيقة أن سكرتير الحزب الشيوعي الصيني الحالي لتركستان الشرقية كان يشغل سابقاً نفس المنصب في التبت.

 أين الخلاف إذن؟ يدعي بارنيت أنه بغض النظر عن فظاعة الإنتهاكات التي تلحق بالراهبات التبتيين، والرهبان، والأشخاص العاديين، هناك اختلاف في “الحجم والدرجة” مع ما يحدث في تركستان الشرقية، يجعل المساواة بين الحالتين غير صحيحة. يعتقد بارنيت أن ما بين 6000 إلى 7000 تبتي تم إحتجازهم في معسكرات إعادة التعليم، مقارنة بما لا يقل عن مليون من الأويغور وغيرهم من المسلمين في تركستان الشرقية، وأن الفظائع، رغم أنها لم تكن غائبة، كانت أقل انتشاراً بكثير من تركستان الشرقية. يقول بارنيت إنه تم اعتقال العديد في التبت بتهمة “الإنفصالية”، ولكن تم تنفيذ عدد قليل منهم فقط، بينما بلغ عدد عمليات الإعدام في تركستان الشرقية الآلاف. يناقش بارنيت أيضاً دراسات زينز حول العمل القسري في التبت مدعياً أنه على عكس البحث القيّم الذي أجراه نفس الباحث حول تركستان الشرقية، هناك الكثير من التكهنات. يقول بارنيت إنه من المحتمل أن يكون عدد التبتيين الذين تم نقلهم للعمل قد تم المبالغة فيه من قبل بيروقراطيين الحزب الشيوعي الصيني لأغراضهم الخاصة، كما أن درجة الإكراه أو العنف غير واضحة.

 إن إدعاء بارنيت الأكثر إثارة للجدل هو أنه لا يوجد جهد للقضاء على الثقافة التبتية، بل يتم بذل الجهد في السيطرة عليها، و “تصيينها”، وإستيعابها، كما يتضح من حقيقة أن بعض قطاعات هذه الثقافة تزدهر، ولا يوجد نقص في نشر النصوص الدينية، وهو مرة أخرى وضع مختلف تماماً عن تركستان الشرقية.

يجادل بارنيت بأن الإختلاف بين تركستان الشرقية والتبت له جذور ثقافية عميقة تعود إلى ما قبل الشيوعية. يُنظر إلى البوذية التبتية على أنها جزء من “التعاليم الثلاثة” (الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية) ، كما أنها تتمتع بالتأكيد بخصائصها الخاصة التي يجب السيطرة عليها، ولكنها ليست “غريبة” عن التقاليد الصينية وهو أمر مختلف حيث يفترض أن يكون الإسلام هو السائد في تركستان الشرقية. يوجد داخل الحزب الشيوعي الصيني أيضاً تقليد “التدرج” في “تصيين” الثقافة والمجتمع التبتي، على الرغم من أن هذه المدرسة الفكرية لم تسود دائماً، بينما يُنظر إلى الإسلام على أنه “تهديد”، ووصف نشاط الأويغور بأنه “إرهاب، “خاصة بعد 11 سبتمبر (وبموافقة مبدئية من الغرب).

 جاء رد معارضو بارنيت بأن العمال التبتيين يتم حشدهم من خلال “الإكراه”، حتى لو لم يكن من خلال “العنف”، وبغض النظر عن عدد الكتب الدينية التي تُطبع في التبت، فإن الأداة الأولى للإبادة الجماعية الثقافية هي القضاء على اللغة، وهذا هو ما يجري تدريجياً من قبل الحزب الشيوعي الصيني فيما يتعلق بالتبت. (في الواقع، فوجئ بارنيت نفسه بالهجوم الموازي الأخير على اللغة المنغولية في منغوليا الداخلية، والذي يتعارض مع تقليد مماثل للحزب الشيوعي الصيني يتمثل في “التدرج” في استيعاب المنغوليين).

 إن منشورات المدونة ليست مقالات علمية، وهناك دائماً خطر المبالغة في الحجج. وعند قراءته بعناية، فإنه يبدو أن بارنيت ونقاده يتفقون على عدة نقاط رئيسية. حيث يتعرض الأويغور وغيرهم من المسلمين في تركستان الشرقية للإضطهاد، ويتعرض التبتيون في التبت للإضطهاد. ربما يكون بارنيت محقاً في زعمه أن الأرقام والسمات المروعة للإضطهاد في تركستان الشرقية لا يمكن مقارنتها في أي مكان آخر. هذا هو بالضبط سبب إعلان العديد من الدول رسمياً أن ما يحدث في تركستان الشرقية (ولكن ليس في التبت) هو إبادة جماعية.

 ومثله كمثل غيره من العلماء، يشعر بارنيت بالإنزعاج من حقيقة أن زملاء مثل زينز يعملون جنباً إلى جنب مع مؤسسات ناشطة ليست أكاديمية ولا تستخدم لغة أكاديمية أو توخي الحذر. أنا مهتم شخصياً بهذه المناقشة، حيث قمت بإتخاذ قرار مماثل، أن أواصل كتابة الكتب والمقالات العلمية التي تنشرها المطابع والمجلات الأكاديمية حول الدين الصيني (وموضوعات أخرى)، لكني أًحرر مجلة يومية وأشارك في جهود النشطاء للدفاع عن الحرية الدينية وحقوق الإنسان في الصين. إنني أحترم اختيارات الزملاء الذين يعتقدون بضرورة حصر أنفسهم في المساعي الأكاديمية البحتة. من ناحية أخرى، عندما أسست صحيفة بيتر وينتر Winter Bitter في عام 2018، خلصت إلى أن ما كان يفعله الحزب الشيوعي الصيني مع جميع الأديان كان فظيعاً للغاية، ليس فقط في تركستان الشرقية أو التبت، وكان له العديد من سمات الإبادة الجماعية – أن معرفة شيء ما حول هذا الموضوع، يجب أن أتحدث، بدلاً من أن أقصر نفسي على كتابة نصوص أكاديمية لدائرة صغيرة من الزملاء.

(المصدر: تركستان تايمز)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى