مقالاتمقالات مختارة

جماعة كفتارو إلى أين؟

جماعة كفتارو إلى أين؟

بقلم محمد خير موسى

بعد أكثر من عشر سنوات على قيام الثّورة السّوريّة شهدت فيها عموم الجماعات الدّعويّة السّوريّة تغيّرات بنيويّة؛ غير أنّ جماعة كفتارو شهدت تغيّرات جذريّة في ماهيّة الجماعة ووجودها وإمكان استمرارها.

أين هي جماعة كفتارو اليوم؟

بالنّظر إلى مراكز الجماعة المركزيّة الثلاثة وهي جامع الشيخ أحمد كفتارو “أبو النور”، ومجمع الشّيخ أحمد كفتارو، وجمعيّة الأنصار الخيريّة يمكننا القول: إنّ وزارة الأوقاف ومن خلفها الأجهزة الأمنيّة قد أحكمت سيطرتها على هذه المراكز بطريقةٍ أسهمت في محوٍ ممنهج لهويّتها النقشبنديّة وارتباطها الحقيقيّ بجماعة كفتارو.

في الخامس من نيسان “إبريل” عام 2011م أصدر بشّار الأسد المرسوم التشريعي رقم 48 وينص على إحداث معهد الشّام العالي ويتبع وزير الأوقاف، وفي السّادس والعشرين من كانون الثّاني “يناير” من عام 2017م صدر المرسوم التشريعي رقم 8 وينص في مادته الأولى على:

“تعدل تسمية (معهد الشام للعلوم الشرعية واللغة العربية والدراسات والبحوث الإسلامية) المحدث بموجب أحكام المرسوم التشريعي رقم /48/ تاريخ 4/4/2011 إلى جامعة (بلاد الشام للعلوم الشرعية) أينما وردت في القوانين والأنظمة النافذة”.

وهذه الجامعة لها ثلاثة فروع: الفرع الأوّل: مجمع الشيخ أحمد كفتارو، الفرع الثّاني: مجمع الفتح الإسلامي، الفرع الثّالث: مجمع السيدة رقية.

وكان هذا المعهد الذي غدا فيما بعد جامعة خطوة للتأميم التام للمؤسسات الشرعيّة من جهة، وترسيم الحضور الشّيعيّ بطريقة قانونيّة في وزارة الأوقاف من جهة أخرى.

وبالنّظر إلى رؤوس الجماعة الثلاثة التي برزت عقب وفاة الشّيخ أحمد كفتارو وهم الشّيخ رجب ديب والأستاذ غسّان الجبّان وشريف صوّاف؛ فقد فشل الشّيخ رجب ديب في تقديم نفسه خليفةً للشيخ أحمد كفتارو وشيخًا للطريقة النقشبنديّة في سوريا لأسباب أهمها أنّ كثيرًا من رؤوس الجماعة يعرفون أنّ الشّيخ كفتارو لم يعهد بخلافة الطريقة لأحد، ولأنّ الشّيخ رجب طغى عليه الخطاب السّاذج تحت عنوان التزكية، ولكبر سنّه وضعف قوّته؛ وقد وافاه الأجل عصر يوم الخامس عشر من شهر حزيران “يونيو” من عام 2016م.

أمّا الأستاذ غسّان الجبّان فلم يعد له دور حقيقيّ فبعد أن كان ينتظم في حلقته في أيّام قوّة الجماعة قرابة أربعمئة شخص فبالكاد يصل اليوم مرتادو حلقته إلى خمسين شخصًا، وهو يحاول أن يستنسخ منهم شخصيّات تطابقه هو في فكره وسلوكه ونمط تفكيره بغضّ النّظر عن الانتماء إلى الطّريقة النقشبنديّة، فالأستاذ غسّان الجبّان خبا بريقه وانتهى دورُه وتمّ تهميشه وهو يحاول أن يتشبّت بمجرّد البقاء في السّاحة لا التّأثير فيها.

وأمّا شريف الصّواف فهو وإن كان قد خرج من رحم جماعة كفتارو غير أنّه من أكثر العاقّين لها وذلك بتحوّله إلى أحد أفراد جوقة وزير الأوقاف محمّد عبد الستّار السيّد المسبّحين بحمده المنفّذين لأوامره دون أدنى تردّد، علمًا أنّ الوزير ابن عبد الستّار السيّد كان هو المعول الحقيقيّ الذي هدم أركان جماعة كفتارو برغبة ذاتيّة منه قبل أن تكون توجيهاتٍ أمنيّة؛ فهو يحمل أحقادًا لا تخفى على جماعة كفتارو، ومع ذلك قَبِل شريف الصّواف أن يكون أحد أدواته الطيّعة.

وأمّا أبناء الشّيخ كفتارو؛ فمحمود لم يعد له ارتباط بالجماعة منذ أبعده والده عن إدارة المجمع وسلّم المقاليد لابنه صلاح الدّين، وصلاح الدّين منذ خروجه من السّجن في السّادس والعشرين من شهر آب “أغسطس” عام 2010م فقد لزم بيته وانزوى عن اللقاءات العامّة وما عاد له أيّ تأثير مباشر في الجماعة وإن كان ما يزال يحمل بذور القدرة على التأثير بسبب ما له من مكانة عند شريحةٍ لا يستهان بها ممّن تبقى من أبناء الجماعة.

خلاصة القول: إنّ جماعة كفتارو بوصفها جماعة مشيخيّةً قد انتهت برحيل الصّف الأوّل من مشايخها، وأما مشايخ الصّف الثاني والثالث في الجماعة فقد تمزّقوا وتفرّقوا وإن كان بعضهم ما يزال محافظًا على نظام الحلقات لكنها كالحبّات المتناثرة التي لا يجمعها خيط ولا تنتظم في عقد.

وأمّا الجماعة بوصفها المؤسّسي المنتمي إلى المجمع فقد تمّ تأميمها وإحكام السيطرة عليها تمامًا حيث يظهر للنّاظر أنّها انتهت لكنّها في الحقيقة موجودة بالرّغم من مظاهر التّأميم التي تكاد تمحو صورتها الظّاهرة.

هل لجماعة كفتارو فرصة للإحياء والفاعليّة من جديد؟

في ظلّ النّظام السياسيّ الحاكم وفروعه الأمنيّة المحكمةِ قبضتَها يغدو تغيير المشهد بالغ الصّعوبة داخل سوريا.

غير أنّ جماعة كفتارو وغيرها من الجماعات ذات الامتدادات الفكريّة والطُّرقيّة العابرة للحدود يمكنها أن تناور بالعمل على استبقاء دورٍ للجماعة من خلال بناء هياكل لها خارج سوريا.

فجماعة كفتارو لها امتدادات خارج سوريا من خلال المريدين الذين رجعوا إلى بلدانهم وأصبحوا رموزًا دعويّة ومنهم من تقلّد منصب الإفتاء وما يزال يحمل الوفاء الكامل لشيخ الطّريقة الشّيخ أحمد كفتارو ومستمرًا على الطّريقة النقشبنديّة في دعوته وسلوكه، كما هو الحال في بعض الدّول والجاليات ذات الصّبغة الإسلاميّة في أوروبا وآسيا وأميركا الشماليّة.

أمّا في سوريا فتكمن مصلحة الجماعات الدّعويّة كلّها على السّواء المؤيّدة للنّظام والمعارضة له والصّامتة عليه لإعادة إحياء ذواتها ولملمة شتاتها في سقوط وتغيير نظام بشّار الأسد.

وفي حال سقوط النّظام سيكون بإمكان جماعة كفتارو إعادة إحياء نفسها وبناء ذاتها؛ ومن أهمّ مؤشرات قدرتها على فعل ذلك:

أولًا: إعادة السّيطرة الحقيقيّة على مجمّع الشيخ أحمد كفتارو ورفع يد السّلطة السياسيّة والأمنيّة والتنفيذيّة عنه، واتّخاذ المجمع نقطة انطلاق لبناء الجماعة، والمجمّع مؤهّل للعب هذا الدّور لما يحمله من مقوّمات بشريّة ولوجستيّة.

ثانيًا: قدرة صلاح الدّين كفتارو على لعب دور حقيقيّ في ذلك بوصفه ابن الشّيخ أحمد كفتارو، ومستنده في ذلك وصيّة الشّيخ التي تعهد له بإدارة المجمع من جهة، وخبرته السابقة في إدارة المجمع من جهة ثانية، وعلاقاته الواسعة مع الطّيف الدّيني والوسط الخيري المموّل من جهة ثالثة.

ثالثًا: وجود شريحةٍ من الأكاديميين من عمداء الكليّات ومديري المعاهد والأساتذة الجامعيين من أبناء جماعة كفتارو الذين ضاقوا ذرعًا بشريف صواف وهيمنة الأوقاف، ويتابعون على غير رضا منهم ما يجري من عمليّة محوٍ ممنهَج لمكتسبات الجماعة في المجمع، فهؤلاء إن زالت قبضة النّظام عنهم فسوف يلتفون مجددًا حول شخصيّة محورية ويسهمون جميعًا في إعادة الرّوح والحياة للجماعة لتأخذ موقعها في الجماعات الفاعلة في المشهد السّوري.

فالمصلحة كلّ المصلحة لكلّ الفاعلين في المشهد الدّينيّ من مؤسسات وجماعات على اختلاف توجهاتها ومواقفها من النظام تأييدًا ومعارضةً يكمن في زوال هذا النّظام الذي يمثّل العائق الرئيس لكلّ محاولات الإصلاح وإثبات الذّات وتحقيق الفاعليّة في مجتمع يتم تهشيمه وتهميشُه بطريقة لم يسبق لها مثيل.

(المصدر: سوريا تي في TV)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى