مقالات مختارة

أرطغرل وثبات السلطان

بقلم أحمد أبو دقة – مجلة البيان

يؤمن حزب العدالة والتنمية التركي بأن النهوض بالمجتمع والأمة مهمة متكاملة الأركان وأهم تحديات هذه المهمة هي معركة الوعي، لذلك ركز على دعم الإعلام الموجه وحركة التواصل بين الشعب التركي وشعوب العالم الإسلامي عبر وسائل مختلفة تتعلق بالسلم والحرب، لكن آخر إبداعات الأتراك مسلسل “قيامة أرطغرل” الذي يسرد تفاصيل نشأة مؤسس الدولة العثمانية والد عثمان الأول “أرطغرل” الذي كان يقود مسار قبيلة “كايي” التي هربت من ملاحقات المغول لتقع أسيرة مكائد الصليبيين وهجماتهم، حتى أضحت جزءاً من حروب السلاجقة ضد الغزو البيزنطي للعالم الإسلامي.

من الإنصاف الحديث عن النمط الدرامي التقليدي للأتراك في المسلسل سواء من خلال قصص العشق التي لا تنتهي مع أبطاله، أو كذلك من خلال تمجيد دور الصوفية وتأُثيرها في تلك الفترة على وحدة العالم الإسلامي وإظهار محي الدين ابن العربي الأندلسي على أنه الملهم الروحي للمجاهدين والخصم الأبرز لفرسان المعبد الصليبيين الذين كانوا في تلك الفترة يخططون لاحتلال القدس. كذلك أظهر المسلسل دوراً بارزاً للدراويش والزوايا الصوفية باعتبارها مكاناً للعبادة وملاذاً للضعفاء والمكلومين، ومركزاً لصناعة القرار، قد يكون ذلك إشارة لأهمية دور المساجد في الحكم الإسلامي، لكن لم تكن المساجد مراكزاً لبعض العادات الصوفية الخارجة عن عقيدة المسلمين.

حصل المسلسل على دعم ومباركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ومن خلال متابعته فإننا نجده رسالياً بدرجة كبيرة جداً، ويحمل كثيراً من المضامين التي يدعو إليها حزب العدالة والتنمية؛ فمن جانب عرض المسلسل طبيعة المؤامرة التي كانت تعيشها ممالك المسلمين في تلك الفترة وتكالب الصليبيين عليها وطرق زرع بذور الخيانة في كل قصر سلطاني في بلاد المسلمين، من خلال الحديث عن صف طويل من كهنة فرسان المعبد الذين يصنعون القرارات داخل قصر السلطان علاء الدين السلجوقي، ومن جانب آخر استعرض نماذج من الخونة في صفوف المسلمين أنفسهم لولاهم لما تمكن الصليبيون من اختراق الأمة، كذلك ركز المسلسل على تعزيز القيم الدينية على أنها أعلى وأهم من المصالح الوطنية والقبلية وجعل شعار الدين والدفاع عنه وإعلاء رايته أهم من النظر للمصالح الشخصية أو مصالح القبيلة.

يرى المشاهد أن المسلسل يستعرض أخلاق المسلمين في السلم والحرب مقابل جرائم الصليبيين ومكرهم وخديعتهم، ويحاول إبراز دور العلماء في قيادة الأمة ومكانتهم عند السلاطين والمجاهدين في تلك الحقبة التاريخية، كما يجعل من الوطن والراية وكلمة التوحيد شعاراً للوحدة والتماسك لا تفرقان بين عرق وآخر، ويستطرد المسلسل بمعالجة عميقة في فضح فرسان المعبد الصليبيين وكيفية استغلالهم للفقراء والضعفاء لجمع الأموال والذهب تحت ذريعة تحرير القدس من “الاحتلال الإسلامي”، وهشاشة بنيانهم من الداخل رغم محاولات تلميعه.

يحاول حزب العدالة والتنمية أن يربط الأتراك بتاريخهم وتاريخ مؤسس الإمبراطورية العثمانية من خلال الدراما، فالرسالية العالية التي يحتويها المسلسل تمثل جرعات وعي سياسي وفكري عالية الجودة بالنسبة للمشاهد البسيط، فهو مادة للترفيه مع حبكة درامية متكاملة تمنح العقول جرعة من الوعي السياسي والفكري تعزز الروابط وتبث روح الثقة في نفوس المتابعين.

كذلك يحاول المسلسل ربط التاريخ بالواقع السياسي التركي اليوم، سواء فيما يتعلق باستهداف حلب في عهد السلاجقة أو في عهد أردوغان، فالوجوه تغيرت لكن المؤامرة بأدواتها لا تزال مستمرة. يأتي هذا العمل متتابعاً بعد مسلسل وادي الذئاب الذي تناول صراع الأمة مع الاحتلال الصهيوني، ليؤكد على أهمية الإعلام ورسالته في الوعي ويعزز عوامل الوحدة والتمكين لهذه الأمة. ورغم وجود بعض المشاهد التي قد نختلف عليها إلا أن هذه التجربة تستحق التعميم والاستثمار من كثير من وسائل الإعلام الإسلامي التي لا تزال غائبة عن المنافسة والقيام بدور مشابه ينافس الأدوار الشيطانية التي تقوم بها فضائيات غايتها استهداف الأمة في عقيدتها ووحدتها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى