جماعة كفتارو.. المواقف من الثورة السوريّة
مع اندلاع الثّورة السّوريّة في آذار عام 2011م وقعت المؤسّسة الدّينيّة عمومًا في إرباك شديد، وشعرت بأزمةٍ بالغةٍ في اتّخاذ الموقف فتأخّرت عموم مدارسها بعض الوقت في بلورة مواقفها المؤيّدة للثّورة أو المنحازة إلى النّظام على حدٍّ سواء، وذلك يرجع إلى أسباب عديدة متعلّقة في البنية العضويّة للمؤسّسة الدّينيّة وتركيبها التفكيريّ وليسَ مجال تفصيله هنا.
-
دخول زمن الثّورة بثلاثة رؤوس
دخلت جماعة كفتارو زمن الثّورة وهي جماعةٌ مفكّكةٌ في الصورة الذّهنيّة والواقع العمليّ، قد عصفت بها خلافات المريدين وإرادات أجهزة الأمن فمزّقتها إلى مزق شتّى لا تستقرّ على رأس واحد ولا تصدر عن قرار موحّد.
ويمكن القول: إنّ جماعة كفتارو استقبلت الثّورة السوريّة وهي ذات رؤوس ثلاثة، الرّأس الأول؛ الشّيخ رجب ديب ويمثّل التوجّه المسلكيّ الطّرقيّ المغرق في النّقشبنديّة، والرّأس الثاني: شريف صوّاف ويمثّل مجمع الشّيخ أحمد كفتارو كونه المشرف عليه، والرأس الثّالث؛ الأستاذ غسّان الجبّان ويمثّل التوجّه الأكثر ترتيبًا وتنظيمًا داخل الجماعة.
وكان لكلّ رأس من هذه الرؤوس الثلاثة أتباعه ومريدوه والمؤتمرون بأوامره، حيث أصبح كلّ رأس من هؤلاء الثلاثة يمثّل جماعةً داخل الجماعة.
وتعدّد الرؤوس هذا كان يمكن أن يشكّل فرصةً كبيرةً في إدارة متنوّعة لموقف جماعة كفتارو من أحداث الثّورة السّوريّة غير أنّ حالة الخصومة بين هذه الرؤوس والمعاداة فيما بينها فوّتت على الجماعة مجدّدًا فرصةً كبيرة في أن تكون فاعلًا حقيقيًّا في الحدث الكبير الذي سيغيّر وجه سوريّا.
-
مواقف رؤوس ورموز الجماعة من الثّورة
كانت مواقف رؤوس الجماعة ومشايخها الكبار والمتصدّرين منهم في وسائل الإعلام ظاهرةً في رفض الثّورة ونهجها في التغيير، وموالاة النّظام وتأييده.
فالشّيخ رجب ديب قال في بعض دروسه العامة في بدايات الثّورة: “هؤلاء الذين يخرجون في المظاهرات؛ الله تعالى لا يرضى عنهم ولا عن أفعالهم وخروجهم هذا سيسبب لنا الإحراج، فبعد أن تفرك أجهزة الأمن آذانهم سيجعلوننا نركض من أجل إخراجهم وأقول لكم: نحن لن نركض لإخراج أحد منهم”.
أمّا الأستاذ غسّان الجبّان فقد بقي حريصًا من بداية الثّورة على ألّا يتمّ تسجيل أيّ موقف معلن له سواء في تأييد النّظام أو في تأييد الثّورة، لكن ما كان يتناقله مريدوه من جلساته الخاصة مع رؤساء الحلقات وما يعرف في الجماعة أيضًا رؤساء الأرهاط ـ ورئيس الرّهط هو من عنده من المريدين ما دون عدد الحلقة ـ وقد كان يأمر في تلكم اللقاءات بعدم التسجيل الصّوتي والمرئي بأنّه كان يقول لهم: “نحن مع النّظام وإيّاكم أن تحرجونا ونبّهوا على الحلقات الصّغيرة ألّا يخرج أحد منهم في أيّة مظاهرة، لأنّ خروجهم هذا سيحسب على الجماعة كلّها ونحن لا نرضى بذلك وشيخنا الشيخ أحمد كفتارو لا يرضى بذلك وهو في قبره، وأيّ خروج في المظاهرات سيتسبّب في تخريب عمل الجماعة والإساءة للدّعوة”.
أمّا شريف الصّوّاف فقد انحاز انحيازًا بالغ الفجاجة للنّظام من بداية الثّورة، وكانت تتمّ استضافته في قنوات إعلام النّظام السّوري بوصفه أبرز أصوات جماعة الشيخ أحمد كفتارو المدافعة عن النّظام والمهاجمة للثّورة.
ومن أبرز الأصوات التي كانت تستضاف في وسائل إعلام النّظام الدّكتور عبد السلام راجح وهو من أبرز شخصيّات مجمع الشيخ أحمد كفتارو وهو ابن الشّيخ أحمد راجح أحد أكبر رموز الجماعة، وعضو مجلس الشعب السوري كذلك، وكان من أكثر المنحازين للنّظام في مواقفه الإعلاميّة إلى جانب شريف صواف.
حاول مشايخ جماعة كفتارو تسويغ موقفهم الدّاعم للنّظام بالسرديّة ذاتها التي تبنّتها عموم المؤسّسات الدّينيّة التي انحازت للنّظام وهي الحفاظ على مكتسبات الدّعوة ومنجزاتها، وعدم تخريب ما تمّ بناؤه عبر عقود في لحظة ثورة شبابيّة عاطفيّة، ووجوب التحلّي بالحكمة في التّعامل مع النظام للوصول إلى التّغيير المنشود.
وكان بعض هؤلاء المشايخ وأبرزهم الدّكتور عبد السلام راجح يعمد إلى إخراج بعض المعتقلين من مريدي الجماعة الذين شاركوا في المظاهرات في إطار التّدليل على صحة موقفه وأنّه إنّما اتخذ موقفه المنحاز للنّظام خدمةً للجماعة وحفاظًا على أبنائها، وهي ذريعة كان النّظام يساعد في ترسيخها من خلال قبول وساطات بعض المشايخ من مختلف المدارس الدّينيّة المنحازة له ليعزّز صورتهم في أعين تلاميذهم ومريديهم.
-
مواقف المريدين والمشايخ الشّباب في الجماعة من الثّورة
كانت الثّورة السوريّة نقطة بدايةٍ لنقاشات حقيقيّة وساخنة داخل عموم الجماعات ومنها جماعة الشّيخ أحمد كفتارو، فقد أخذ النقاش يتصاعد طردًا مع اتساع رقعة المظاهرات واستمرار شلال الدّم.
ومن البديهي أن يكون سياق هذه النقاشات بين المريدين في المناطق السّاخنة المشتعلة مختلفًا عنه في المناطق الهادئة.
ويمكننا الذّهاب إلى أنّ مريدي جماعة الشيخ أحمد كفتارو من شريحة الشباب انقسموا إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: وهم المؤيّدون للنّظام المستجيبون لأوامر مشايخهم الرّافضون للثّورة ونهجها في التغيير.
الفئة الثّانية: فئة الحيارى الذين لم يستقرّوا على رأي فلا هم مؤيّدون للنّظام ولا هم مؤيّدون للثّورة فمنهم من كان يرى الفريقين على باطل ومنهم من كان لا يستطيع أصلًا اتّخاذ موقف ولو كان رماديًّا.
الفئة الثّالثة: وهم فئة المنخرطين في الثّورة بشقيّها الشّعبيّة والمسلّحة، فهؤلاء كان معظمهم من أبناء المناطق المشتعلة الذين انحازوا إلى أهليهم في مواجهة ما يرونه من الظّلم، وقد خرجوا من ثوب الطّاعة فاعتقل منهم المئات واستشهد كذلك المئات في مناطق مختلفة لا سيما في الأرياف، فقد استشهد العديد من شباب جماعة كفتارو في داريا ودوما وقدسيا والمعضميّة وريف درعا وغير ذلك من المحافظات.
ومن أبرز هؤلاء الشّيخ أسامة عبد الحقّ وهو من المشايخ الشباب في جماعة كفتارو وقد استشهد تحت التعذيب مع والده واعتقل سائر إخوته، وهذا نموذج من نماذج عديدة لشباب جماعة كفتارو الذين خرجوا من عباءة المريد وانحازوا إلى الثّورة السوريّة، على أنّه من نافلة القول التّأكيد على أنّ هؤلاء الشباب لا يمثّلون جماعة الشّيخ أحمد كفتارو وإنّما هم شريحةٌ لا يمكن تجاهلها من أبناء الجماعة عند الحديث عن موقف الجماعة من الثّورة السّوريّة.
-
دلالات تعيين الشّيخ عدنان الأفيوني مفتيًا لدمشق
لم يكن الأفيوني المولود عام 1954م من الطبقة الأولى من مشايخ جماعة كفتارو والطريقة النّقشبنديّة، فهو من تلاميذ الشّيخ رجب ديب المقربين.
انحاز الأفيوني للنّظام بشكلٍ صارخٍ مع بدايات الثّورة السّوريّة، ليعيّنه بشّار الأسد مفتيًا ثالثًا لدمشق بعد الشّيخ بشير عيد الباري والشيخ عبد الفتّاح البزم في عام 2013م لينتقل للخطابة في جامع التقوى في منطقة مشروع دمّر ويحلّ محلّه الشّيخ عادل مستو خطيبًا في جامع الصّحابة مع احتفاظ الأفيوني بدرسه الأسبوعيّ في مسجده الأم جامع الصّحابة.
كان تعيين الأفيوني مفتيًا لدمشق وريفها نابعًا من اعتباراتٍ عديدة ليس بينها الرّسوخ العلميّ وأهليّة الفتوى العلميّة أو حتّى الانتماء لجماعة كفتارو، بل من حاجة النّظام الماسّة إلى شخصيّة لها شعبيّتها في الرّيف الدمشقيّ ولها حضورها الدّينيّ لتكون عنوانًا لمفاوضات التسوية التي عرفت باسم “المصالحات” فكان الحضور الدّعويّ للأفيوني في منطقة من المناطق المتفجّرة وهي قدسيّا وما حولها من المؤهّلات المهمّة في هذا التّعيين.
كما تمّ تعيين الأفيوني مديرًا لمركز الشّام الإسلامي الدّولي لمواجهة الإرهاب والتّطرّف؛ الذي كان له دورٌ أساسيّ في صياغة الخطاب الدّعوي المتبني رواية النّظام فيما يتعلق بمواجهة الثّورة الشّعبيّة والمسلّحة على حدٍّ سواء.
وقد تمّ اغتياله بعبوة ناسفة على باب جامع الصّحابة في مدينة قدسيّا؛ إذ انفجرت سيّارته عقب خروجه من صلاة العشاء الخميس 22/10/2020م لتودي بحياته.
لا يمكن اعتبار تعيين الشّيخ عدنان الأفيوني محاولةً لاحتواء الجماعة من جهة، أو مكافأة تم تقديمها للجماعة على مواقفها من جهة أخرى، فهذان الاعتباران ليسا واردَين في تعامل النّظام مع الجماعة بعد مرور أكثر من سنتين على اندلاع الثّورة.
الاعتبار الأوحد في تعيين الشّيخ عدنان الأفيوني في هذا المنصب هو مصلحة النّظام في وجود شخصيّة تستطيع لعب دور عرّاب المصالحات مع الجماعات الثّائرة بالسّلاح.
فالتّفسيرات التي تحاول تصوير هذا التعيين على أنّه مرتبط بالجماعة تبعد النّجعة في التّحليل، فالأمر مرتبط بشخصيّة الأفيوني وشعبيّته في المكان الذي كان يخطب فيه وهو قدسيّا المشتعلة وقدرته على تأدية الدّور المراد منه بغض النّظر عن انتمائه إلى جماعة كفتارو من عدمه.
-
موقف النّظام من دور جماعة كفتارو في الثّورة
من مصلحة النّظام حشد الأصوات الدّينيّة من مختلف المدارس والجماعات التّابعة للمؤسسة الدّينيّة، وهو حريص على كسب الأصوات المشيخيّة كلّها لصالحه.
لكن هذا لا يخفي أنّ تعويل النّظام على جماعة كفتارو بوصفها جماعة فاعلة اختلف كثيرًا عنه في حياة الشّيخ أحمد كفتارو؛ ففي الثمانينات والتسعينات كان الاعتماد المركزيّ في تسويق مواقف النّظام على جماعة كفتارو.
فقدت جماعة كفتارو فاعليّتها الحقيقيّة ومركزيّتها في المشهد الدّينيّ السّوريّ بعد أن تمّ تمزيقها بأيدي أبنائها وأيدي وزير الأوقاف محمد عبد الستّار السيّد وإدارة أجهزة الأمن
ومع بداية الثّورة السّوريّة رأى النّظام جماعة كفتارو ممزّقةً مهلهلة مما يفقدها الفاعليّة الحقيقيّة في المشهد العام، فغيّر وجهته على الفور ولم يولها اهتمامًا مركزيًّا، ولم يحتج إلى كثير عناءٍ ليجد البديل فقد تقدّمت جماعة الفتح الإسلامي لتملأ الفراغ وترث المشهد وتغدو الجماعة الفاعلة في المؤسسة الدّينيّة التي يرتكز عليها النّظام في تصدير مواقفه.
(المصدر: سوريا تي في TV)