مقالاتمقالات مختارة

شيعة جبل عامل بين ماض صفوي وخلف خميني

شيعة جبل عامل بين ماض صفوي وخلف خميني

بقلم د. عبد الكريم إبراهيم السمك

ترتبط ثورة الخميني رسمياً بسياسة القوى الغربية وأمريكا، والتي رسمت لهذا الإقليم خريطته السياسية والجغرافية، ومن ثم كان دور أبناء الإقليم تنفيذ هذه الخريطة، وليس من السهل دراسة ثورة الخميني في الذكرى الأربعين، فالتاريخ في ماضيه لم يكن بالأمر الهين، فقد بدأ رسمياً في الثورة العربية الكبرى سنة ١٩١٦م، والتي نكبت العرب بتبعاتها التي خطتها اتفاقية سايكس بيكو، فقد ترتب عليها تهويد فلسطين، وارتبط رسمياً أي عمل مستقبلي في الإقليم لدى دوائر القرار بالكيان الصهيوني. ومع إعلان «دولة إسرائيل» سنة ١٩٤٨م وقعت المنطقة بكاملها تحت الرعاية والعناية الأمريكية، وحتى تجهز أمريكا على دول الإقليم العربية أثقلتها بصبيةٍ عسكريين قادوا انقلابات عسكرية في بلدانهم، وكانت سوريا واحدة من هذه الدول، فجاء انقلاب حسني الزعيم سنة ١٩٤٩م، ثم تبعه انقلاب حزب البعث النصيري سنة 1963م، ثم انقلب حافظ الأسد على الحزب نفسه سنة ١٩٧٠م، ومن ثم سارعت القوى التي صنعته للاعتراف بحكمه وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد ترتب على هذا الانقلاب القضاء على قوة منظمة التحرير الفلسطينية لتأمين حدود الكيان الصهيوني الشمالية، وأخذت أمريكا في صناعة شرق أوسط جديد، فالسياسة الأمريكية التي صنعت حكم الأسد هي التي صنعت انقلاب الخميني، والذي كان من أهم وأخطر الأحداث التي شغلت العالم بتبعاته، وهي معروفة مقروءة نشهدها اليوم في العراق وسوريا واليمن، وكذلك لبنان في ظل سيطرة حزب الله، يد إيران الضاربه فيه، ولولاه لما انقاد أمر لبنان وسوريا اليوم لإيران.

جبل عامل في ذاكرة التاريخ:

يقع  جبل عامل جنوب لبنان، وهو ينسب إلى عاملة بن سبأ اليماني الذي استوطنه بعد خراب سد مأرب، كما عرف هذا الجبل بجبل الخليل، والجليل. ويقسم هذا الجبل إلى قسمين، قسم شمالي يدعى بلاد الشقيف وفيه قلعة الشقيف أرنون، وقسم جنوبي يدعى بلاد بشارة، ومع وقوع لبنان تحت الانتداب الفرنسي سنة ١٩٢٠م أصبح يعرف  باسم الجنوب اللبناني. وهو قليل السهول، كثير الأودية والهضاب، يمتد إلى البحر في أقصى الجنوب، وينتهي برأس النافورة، وطول الجبل ما يقارب ١٢ فرسخاً وعرضه نحو 8 فراسخ، ويدعون كذباً أن أبا ذر وأبا الدرداء وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي دفنوا في المنطقة. وعلى الأرجح فإن تشيع العامليين كان في ظل السيادة العبيدية على الشام بين ٣٥٩هـ و٤٦٩هـ، وقد فند المحقق وعلامة السنة في تاريخ لبنان الإسلامي الشيخ الفاضل عمر عبد السلام تدمري ادعاء شيعة لبنان أن التشيع في جبل عامل يعود إلى صدر الإسلام ونفى صلتهم بهؤلاء الصحابة الأربعة رضي الله عنهم.

التشيع والمجوسية الإيرانية:

حافظ عدد غير قليل من الفرس على مجوسيتهم، وكانوا في دهاقنة فارس، توارثوها عن أسلافهم الذين عاصروا العهد الكسروي، وكان هؤلاء القوم هم النواة الأولى في إحياء وبعث الانتماء القومي الفارسي في صدور الإيرانيين، وكانوا أيضاً وراء نشر التشيع في الوسط الفارسي، وساعدهم أن العباسيين كانوا يرون أبناء الفرس خير عون لهم في القضاء على الحكم الأموي وإقامة الحكم العباسي، وكان عهد المأمون العهد الذهبي لهم، حيث نشطت مدارس الفكر المنحرف، وظهرت الطوائف ومنها الشيعة، وانتشرت الكتابات التي تمجد التاريخ الفارسي، والوثنية المجوسية، وقد اختزن الفردوسي صاحب الشاهنامه (١٠٢٠-١٠٢٥هـ) في أبيات ملحمته الشعرية الشهيرة جانب الميثولوجيا الفارسية (الدين)، بوصفها شكلاً من أشكال الانتماء القومي الفارسي، وبرغم وثنيتها يذكر الأديب ضياء الدين بن الأثير (١١٦٣-١٢٣٩هـ) عن مكانة الشاهنامه بين الإيرانيين أنهم يحفظونها غيباً، وهي عندهم بمثابة «قرآن الفرس».

قد شاب التشيع إذن الكثير من الأصول الوثنية الفارسية، يقول ابن طاهر البغدادي إنَّ الباطنية خارجة عن فرق الأهواء، وداخلة في فرق الكفر الصريح، لأنها لم تتمسك بشيء من أحكام الإسلام، لا في أصوله ولا في فروعه. فكان التشيع غطاءً لتحريف رسالة الإسلام، من خلال بعث العقائد الوثنية من جديد، فتعددت فرقهم وتنوعت وكلها التقت على الكفر بالإسلام.

على الخطى نفسها مضى الخميني في تحريف الشريعة، الأمر الذي دفع الكثير من علماء إيران الشيعة إلى معارضته، ووضعه في ميزان الإسلام، بعد أن انفرد بجميع القرارات، سواء السياسية أو العسكرية أو الدينية أو الاقتصادية، وقد تصدى له آية الله طالقاني، الذي ذهب الخميني في تسميمه، وآية الله شريعتمداري الذي أنقذه من حبل المشنقة في عهد الشاه، إلا أنه تنكر له، وألزمه الإقامة الجبرية في منزله، كما عانى طلابه من الملاحقة والاعتقالات بعد وفاته، وأبو القاسم الخوئي الذي يعد أكبر مرجع ديني للطائفة لم يسلم من إيذاء الخميني، وقد انتقد آية الله حسين علي منتظري سياسة الخميني وكتب كتاباً عنونه بـ«الخميني، في ميزان الشرعية»، فبدأ بالنيل منه في دعوى أن «الإمامة أفضل من النبوة»، وقد أحصى منتظري عليه حملات الإبادة التي نزلت بالإيرانيين بعد معارضتهم له، الأمر الذي دفع الخميني إلى فرض الإقامة الجبرية عليه، ويؤكد منتظري أن الخميني خرج من الإسلام مرتداً إلى الفارسية الوثنية، وأخذ عليه معاداته للأقوام غير الفارسية، حيث جعل من أصول عقيدته قتل العرب وتكفيرهم.

السطان سليم العثماني والشاه إسماعيل الصفوي:

قبل الحديث عن العلاقات بين الشيعة العامليين (اللبنانيون) وبين إيران في العهد الصفوي إلى العهد الخميني، لا بد من الإشارة إلى السلطان سليم رحمه الله في قضائه على مشروع إحياء الدولة العبيدية.

كان السلطان سليم الأول رحمه الله والياً لوالده بايزيد الثاني، وكان في ظل ولايته هذه يشهد غزو الشاه إسماعيل لحدود إمارته وقتله لأبناء المسلمين السنة، وكان عاجزاً عن اتخاذ أي إجراء ما لم يوافق والده، وكان يرفع الرسائل لوالده مفيداً إياه عن حال إمارته وعدوان الصفويين عليها، لكن الصدر الأعظم كان يحجب عن أبيه الرسائل، وبوفاة بايزيد الثاني، استلم السلطة سليم ابنه، وقبل أي شيء رتب لتصفية حساباته مع الشاه إسماعيل، الذي لو تحقق له ما أراد لنزل بمسلمي السنة في بلاد الشام والعراق ومصر وغيرها من البلاد الإسلامية ما نزل بسنة إيران، هذه الصورة للانتصار العثماني الإسلامي أخرجها أستاذ  التاريخ العثماني الدكتور أحمد متولي، في كتابه الوثائقي النفيس «الفتح العثماني للشام ومصر ومقدماته من واقع الوثائق والمصادر التركية والعربية المعاصرة له»، مطبوعات دار النهضة العربية بالقاهرة سنة الطبع ١٩٧٦م، والكتاب غني عن التعريف.

وشاء الله لهذا القائد أن يحمي أمة الإسلام من خطر التشيع، في ظل المد الصفوي المتعاظم، والضعف السياسي والعسكري المملوكي الذي كان سبباً في تطلع الصفويين لإعادة بناء الدولة العبيدية، وما أشبه الليلة بالبارحة. فهل يكون أتراك اليوم خلفاً كريماً لأسلافهم الفضلاء؟

وهنا شرع الشاه إسماعيل في التواصل مع شارل الخامس ملك إسبانيا ومع قياصرة روسيا لمساعدته في الحرب ضد السلطان سليم، وقد قامت روسيا بتلبية الطلب، وقد وثق هذه العلاقة الكاتب الأمريكي «جستن الابن» في كتابه «حماة الدين»، وأرخ فيه أيضاً لحصار السلطان سليمان القانوني لمدينة فيينا سنة ١٥٣٦م، وهو كتاب مهم في أحداث تلك الفترة.

وقد ذهب الشاه طهامسب إلى ما ذهب إليه والده الشاه إسماعيل، في مد جسور التواصل مع قياصرة روسيا ودول الغرب لنصرته ضد السلطان سليمان القانوني، وقد لعب دوراً مؤثراً في فك الحصار عن مدينة فيينا، فتجد أن جذور التحالف الإيراني الغربي قديمة جداً، وهي تتجدد اليوم بأبرز تجلياتها في سوريا.

بيان بشاهات البيت الصفوي:

الشاه إسماعيل الصفوي.

الشاه طهامسب (الابن).

الشاه محمد خنده بنده الابن.

عباس الكبير.

حفيده (سام  حيرزا) وقد حمل اسم أبيه «صفي» الذي قتله أبوه بيده سنة ١٠٣٨هـ.

عباس الثاني بن صفي ١٠٥٢هـ.

صفي بن عباس ١٠٧٧هـ.

ابنه حسين ميرزا ١١٠٦هـ.

ابنه حسين طهامسب الثاني ١١٣٤هـ.

الرضيع عباس الثالث وهو آخرهم.

موسى الصدر محرك المياه الراكدة:

يعد وصول موسى الصدر إلى لبنان سنة ١٩٥٨م، بداية للعلاقات اللبنانية الشيعية مع إيران، وقد كان قدومه بتكليف رسمي من مدير الأمن العام الإيراني الجنرال بختيار، حيث زوده بالمال اللازم، ومنذ وصوله ونزوله ضيفاً على آل شرف الدين في مدينة صور، فقد اتصف بالذكاء والدهاء والأهلية في اختراق مجتمع لبنان الشيعي وغير الشيعي، وقد حصل على الجنسية اللبنانية من الرئيس فؤاد شهاب، وبدأ مسيرته الدعوية في المجتمع الشيعي للنهوض به، فأنشأ حركة «المحرومون»، في أواسط العقد السادس من القرن العشرين، وأنشأ حركة أمل العسكرية سنة ١٩٧٤م، واعتبر طائفة النصيرية التي ينتمي لها الأسد من طوائف الشيعة، مع أنها في كتبهم فرقة كافرة، ولكن من باب استجداء الأسد والتحالف معه، لصالح مستقبل الشيعة في لبنان، وساهم في مد الجسور بين الأسد وشاه إيران، حيث زار الأسد طهران سنة ١٩٧٥م، كما أنشأ المجلس الأعلى لشيعة لبنان، وقد أصبح رئيساً له، وأنشأ حركة أمل العسكرية التي تماثل حزب الله.

وقد مهدت رسالة موسى الصدر وسياسته في لبنان الطريق لسياسة إيران الخمينية لتصل إلى لبنان، ومن ثم بناء جيش حزب الله، الذي يرأسه حسن نصر الله اليوم.

وفي ظل وجود موسى الصدر وبالاتفاق مع الأسد تم تصفية الوجود الفلسطيني العسكري في لبنان، فيما عرف بمذابح المخيمات، ومن لم يقتل تم إخراجه من لبنان، حيث خرج نحو خمسة آلاف فلسطيني.

كل هذا قد تم تنفيذه لحفظ أمن الكيان الصهيوني في حدوده الشمالية مع لبنان، وشارك فيه الصدر والنظام السوري وحركة أمل، وبات الكيان الصهيوني آمناً في حدوده التي ضمنها له الشيعة وكبيرهم الصدر.

كان الخميني لا يثق بحركة أمل بعد غياب الصدر عام ١٩٧٨م، ومع نجاح ثورة الخميني استطاع حكام طهران بناء تنظيم عسكري تحت اسم «حزب الله»، وشرعت الحكومة الخمينية في دعم الحرب بالمال والسلاح، إضافة إلى دفع أبناء الشيعة اللبنانيين للتطوع في الجيش اللبناني والأمن الداخلي، ليزدادوا قوة إلى قوتهم العسكرية المتمثلة في حزب الله، وقد اصطبغ حكم لبنان اليوم بالصبغة الشيعية، برغم أن الشيعة كانوا حتى سنة ١٩٧٠م الطائفة الأضعف في الساحة السياسية اللبنانية، والشيعة اللبنانيون اليوم يعيشون عصرهم الذهبي.

رب رمية من غير رامٍ:

عبارة «الهلال الشيعي» التي غدت مصطلحاً سياسياً اليوم يجري على ألسن الناس والساسة والحكام نطق به ملك الأردن الملك عبد الله بن الحسين، بعد احتلال أمريكا للعراق وتسليم العراق للشيعة وإيران مطلع سنة ٢٠٠٤م، وحذر من التمدد الشيعي، وقد نشرت كلمته هذه في جريدة «واشنطن بوست» في ديسمبر من العام نفسه، وجاءت كلمته هذه محذرة لأوربا والغرب من الخطر الإيراني، لكن هؤلاء يريدون هذا الإسلام الشيعي، لما سيترتب عليه من حرب الإسلام بالإسلام، وقد صدَّق الواقع ذلك، والشيء المؤلم أن الذي حذر من هذا، كان في طليعة المباركين لنظام الأسد المجرم، في الخروج من الحصار عليه، بعد إبادته لشعبه.

العلماء العامليون في دواوين شاهات إيران:

مع نجاح الشاه إسماعيل في بسط سيادته على إيران فرض التشيع بالقوة على الغالبية السنية، وأعمل القتل في علماء السنة ومنهم شيخ الأحناف التفتازاني الذي قتله ومثل به، وفي ظل هذا الواقع الإجرامي تجاه علماء السنة كان في حاجة إلى علماء شيعة لسد الفراغ في المرجعيات العلمية، فوجد في علماء جبل «عامل» حاجته، فقصد الكثير منهم إيران لنشر التشيع، وقد أحسن شاهات إيران استقبالهم، وبهذا يعد عصر الشاه إسماعيل الصفوي التاريخ الرسمي لبداية التواصل بين الطرفين.

والعلماء العامليون الذين قصدوا إيران لنصرة الدولة الصفوية، لا يتسع المقام لذكرهم لكثرتهم، وقد أحصاهم كتاب «أمل الآمل، في علماء جبل عامل»، وفيما يلي بيان بأشهر هؤلاء وأكثرهم تأثيراً في عملية التشييع الصفوية:

الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي التركي، والذي عرف بالمحقق الثاني، كان في ديوان الشاه إسماعيل، ومن بعده ابنه طهامسب.

الشيخ حسين عبدالصمد الهمذاني الجبعي العاملي: (٩١٨-٩٨٤هـ/ ١٥١٠-١٥٧٦م) رحل إلى إيران في عهد طهامسب، ونزل أصفهان، وكان يتنقل للتدريس في عدد من المدن الإيرانية، ترك آثاراً كثيرة من الأعمال العلمية في علوم التشيع.

السيد حسين الموسوي العاملي الجبعي المتوفى ١٠٦٩هـ، سكن خراسان، وكان قاضي القضاة بالمشهد المقدس.

الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي الشغري الجبعي، هاجر إلى إيران سنة ١٠٧٣هـ/ ١٦٦٢م، واتصل بالشاه إسماعيل، الذي عينه قاضي القضاة وشيخ الإسلام. ومن آثاره كتاب «أمل الآمل في علماء جبل عامل»، وقد احتوى على أكثر من مئتي ترجمة، وكل ترجمة ألحق فيها أبناء وأحفاء المترجم له.

السيد ميرزا بن إبراهيم بن الحسن الموسوي، تولى مشيخة الإسلام في طهران.

الشيخ السيد عز الدين بن قمر الحسني الكركي العمالي، كان مفتي أصفهان، وتولي منصب القضاء والإفتاء في عهد طهامسب.

الشيخ السيد حسن بن السيد ضياء الدين أبو تراب، كان شيخ الاسلام، وكانت له منزلة عند الأمراء والسلاطين في إيران، وخاصة الشاه عباس الأول.

السيد ميرزا محمد مهدي الموسوي العاملي التركي، من علماء جبل عامل، حظي بمكانة عالية لدى الدولة.

السيد ميرزا علي رضاء الموسوي العاملي الكركي، من علماء عامل تولى منصب شيخ الإسلام في أصفهان، ومات سنة ١٠٩١هـ.

الشيخ علي بن صبيح العاملي، تولى مشيخة الإسلام في «يزد»، وعاصر صاحب الدعوة البهائية.

الشيخ ميرزا الحسيني الموسوي العاملي الكركي، كان عالماً كبيراً، استوطن أصفهان وكان قريباً من مجالس ملوك إيران حتى جعلوه صدر العلماء والأمراء.

السيد ميرزا العاملي الكركي، كان شيخ الإسلام في طهران.

السيد محمد علي بن محمد بن صالح بن محمد، له مجموعة كتب، وديوان شهير بالفارسية.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى