مقالاتمقالات مختارة

صمتُ العربِ الرسمي عجزٌ ومهانةٌ

صمتُ العربِ الرسمي عجزٌ ومهانةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بعد تسعة أيامٍ من الحرب الضارية الضروس التي يشنها العدو الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، والتي ما زالت مستمرة وتتصاعد عنفاً وتزداد ضراوةً، وتتوزع على أرجاء القطاع الصغير، وتتكسر قذائفه على جسده الضعيف، وتتوالى على أهله المدنيين دون رحمةٍ أو هوادةٍ، حيث يستخدم في حربه المقيتة أحدث ما لديه من أسلحةٍ متطورةٍ تمتلئ بها ترسانته العسكرية، تتقدمها القاذفات الأمريكية العملاقة، والطائرات الحربية المقاتلة، وعشرات القطع البحرية، ومعها مدافع الميدان والدبابات، التي تدك القطاع وتزلزل أرضه، فتهدم بنيانه وتدمر عمرانه، وتحرق حقوله وتسوي بالأرض مساكنه وبيوته، وتقتل أطفاله ونساءه، وشيوخه ورجاله، وتحدث في أرجاء القطاع خراباً غير مسبوقٍ في بنيته التحتية، وشوارعه وطرقه العامة والفرعية.

أمام هول المجازر اليومية والقصف الوحشي المجنون، تقف الدول العربية تراقب الأحداث وكأنها لا تعنيها، وتتابع مجرياتها وكأنها لا تهمها ولا شأن لها بها، فالحرب ليست عليها ولا تقلقها، وهي لا تنعكس عليها ولا تؤثر فيها، وإسرائيل ليست ضدها ولا تعاديها، فقد سالمها أكثرهم وعاهدوها، واعترفوا بها وطبعوا معها، فغدت صديقةً لا عدوةً، وجارةً مسالمةً لا عدواً بواقاً، وأصبحت بالنسبة لهم مهادنةً لا تنكث، وآمنةً لا تغدر، وصادقةً لا تكذب، ومظلومةً لا تظلم، ومضطهدةً لا تعتدي.

محطات التلفزة العربية الرسمية ما زالت على حالها لم تغير شيئاً من برامجها، ولم توقف مسلسلاتها وأفلامها، ولم تمتنع عن بث الأغاني وعرض الحفلات الراقصة، ولم تخصص جزءً من وقتها لتغطية الأحداث وتسليط الضوء على الجرائم الإسرائيلية، واكتفت بخبرٍ مجزوءٍ تبثه عبر نشرة أخبارها عن الأحداث الجارية، وقد يتقدم الخبر ولكنه دوماً يتأخر، ويعرض بطريقةٍ سرديةٍ عامةٍ، وكأن الأحداث وصفيةً عن شعبٍ آخر وأمةٍ غريبةٍ.

وقَلَّ أن تستضيف محطاتهم خبراء عسكريين أو محللين سياسيين، ليشرحوا ما يحدث، ويسلطوا الضوء على ما يجري، فالأمر لا يهمهم كثيراً ولا يعنيهم، ولا يريدون لشعوبهم أن تنشغل بها أو أن تقلق، ولا أن تتعاطف معها أو تتأثر، بل إن بعضهم إن استضافوهم يحمل المقاومة المسؤولية، ويعتبرها المسؤولة عما يقع في القطاع، إذ تجرمها في الدفاع عن أهلها، وتخطئها في إطلاق صواريخها، وتراها تتفرد في القرار الوطني ولا تشرك العرب فيه، وتطالبها بالكف عن العدوان والامتناع عن استهداف المدنيين الإسرائيليين، وتحمل فصائل المقاومة المسؤولية عن تفجير الأحداث واندلاع الحرب، إذ أنها بادرت بالقصف وبدأت الحرب.

يستغرب الفلسطينيون كثيراً هذه المواقف العربية الرسمية، التي تخلو من النخوة والشهامة، وتعوزها الرجولة والأصالة، وتفتقر إلى العزة والكرامة، وليس فيها شيءٌ من النبل أو أثرٌ أواصر القرابة، إذ كيف يقبلون على أنفسهم نصرة العدو على أبناء أمتهم، ويصمتون على جرائمه، ولا يحركون ساكناً ضده، علماً أن الفلسطينيين لا يطالبونهم بالقتال نيابةً عنهم، ولا يستحثونهم ليكونوا على الجبهات قبلهم، بل كل ما يتمنونه أن يقوموا بالتخذيل عنهم، وتحريض المجتمع الدولي ضد الكيان الصهيوني، ورفع الصوت السياسي للضغط عليه وعزله، ومحاسبته ومعاقبته، فهذا أقل القليل غير المكلف، وأضعف الإيمان غير المخزي.

ربما رأينا من حكومات بعض الدول الغربية والأجنبية مواقف مختلفة، أشرف وأكثر نبلاً، وأصدق وأكثر جرأةً، وسمعنا من مسؤولين غربيين أصواتاً أعلى ونبرةً أشد ضد العدو الإسرائيلي، يطالبونهم بالتوقف عن العدوان والكف عن اقتراف جرائم القتل والتدمير، ولكن الأنظمة لم تشعر بالغيرة والغضب، ولم تحركها النخوة أو تحرجها الشهامة، واستمر صمتها وتواصل عجزها، وشذ خطابها، وأهمل إعلامها وشوه بصوره قضيتنا، وحَرَّفَ بتصريحاته حقيقة الأحداث ومسؤولية الاحتلال وجرائم جيش العدوان.

لا يستغرب الفلسطينيون وحدهم صمت الأنظمة العربية وعجزها، بل إن شعوب البلاد العربية نفسها يستغربون استخذاء حكوماتهم وسلبية أنظمتهم، ولا يترددون في إبداء غضبهم والتعبير عن سخطهم، ولكن بطش السلطات كبير وسوطهم مؤلمٌ قاسي، لا يرحمون من يعارضهم، ولا يسكتون عمن يخالفهم، ولا يقبلون بمن يتهمهم، ولا يصغون السمع لمن يستحثهم أو يحرضهم، بل ينقلبون عليه ويتهمونه، ويسجنونه ويحاكمونه، وما علموا أن شعوبهم لن ترضى عنهم ولن تقبل مهم ما لم ينتصروا لفلسطين وأهلها، وأن العدو الصهيوني لن يرضى عنهم ولن يقبل بهم حتى ولو اتبعوهم وكانوا لهم عوناً، أو أيدوهم وكانوا لهم خدماً، تلك هي طبيعتهم، وهذه هي جبلتهم التي أخبرنا بها القرآن الكريم ونقلها لنا وحيُه جبريلُ الأمين.

(المصدر: رابطة علماء أهل السنة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى