مقالاتمقالات مختارة

رؤية استراتيجية في عبقرية تحريك القدس رمضان 1442

رؤية استراتيجية في عبقرية تحريك القدس رمضان 1442

بقلم د. إبراهيم الديب

التحرير هو التخلص المادي والمعنوي الكامل من المعتدى الغاصب والحصول على كافة الحقوق الوطنية وإعادة امتلاك السيطرة على كامل التراب الوطني، والإرادة والقرار السياسي، والذي يأتي بعد معركة طويلة متعددة المعارك التفصيلية منها العسكري الصلب ومنها التفاوضي، في شكل مقاومة ممتدة المعارك يتبادل فيها المعتدى وصاحب الحق جنى النقاط، حتى يتم الحسم في الجولة النهائية بالنقاط أو بالضربة القاضية.

والتحريك هو توجيه وإثارة وتحفيز والبدء في صناعة معركة معينة في لحظة تاريخية معينة وفي مكان محدد لتحقيق أهداف معينة في سياق منطق الفعل الاستراتيجي الرابط، بمعنى أنها تخدم في الهدف العام والكبير وهو التحرر، وتختلف معارك التحريك من حيث قوتها وقيمتها وفاعليتها من معركة لأخرى وفق الحسابات الجيواستراتجية لقادة المقاومة والتحرر.

فالقدس وبإيجاز كعبة الأحرار في العالم، والمساس بها معاداة لغالب سكان كوكب الأرض بأسره

في هذا السياق جاءت انتفاضة الأقصى المبارك رمضان 1442 هــ كمعركة تحريك، ولكنها ليست ككل معاراك التحريك السابقة، حيث تميزت بعدد من الخصائص والمميزات التي يجب النظر إليها في سياقها الجيواستراتيجى، والتي تكشف عن عبقرية المقاومة الفلسطينية وقدرتها السياسية على مغالبة وتجاوز الغدارة الاستراتيجية للكيان الصهيوني بالرغم من اختلال موازين القوة ، ولكن تجارب التاريخ  تؤكد انتصار العقل على الدبابة والصاروخ، فليست العبرة بالسلاح ولكن بالعقل الذي يفكر لليد التي تحمل السلاح.

الأدوار الوظيفية لمعارك التحرير

1 ـ إعادة إحياء وتعزيز القضية وفرضها على ساحة الاهتمام العالمي وصناعة وامتلاك أوراق ضغط جديدة على العدو.

2 ـ الإعلان عن مقومات متجددة للمقاومة وتأكيد رسائل معينة لإعادة رسم موازين القوة والردع.

3 ــ تأكيد وتعزيز الثبات والصمود وبث وتقوية الأمل في التحرر.

4 ــ كسب رائح جديدة من المناصرين للقضية.

5 ــ تدريب الكوادر الوطنية والتجمعات الشعبية على أنماط متجددة ومتنوعة من المقاومة.

أهم مميزات تحريك القدس الجاري 

عبقرية التوقيت: في وقت ظن فيه العالم والمنطقة العربية، نضب منابع ومقومات وأفول مشروع المقاومة، لحساب مشروع التطبيع، وقرب الإجهاز النهائي على فصائل المقاومة، خاصة مع الأفول المؤقت لحراك الربيع العربي الذي يمثل البنية التحتية الشعبية العربية لمشروع تحرير فلسطين والقدس. ولهذا جاءت معركة تحريك الأقصى لتنسف هذه الفرضية من أساسها، وتعيد وتبث وتقوى الأمل.

عبقرية المكان: القدس وما أدراك ما القدس في قلب كل عربي وكل مسلمي ومسيحي وكل أحرار العالم.

فالقدس وبإيجاز كعبة الأحرار في العالم، والمساس بها معاداة لغالب سكان كوكب الأرض بأسره، ولهذا جاءت معركة تحريك الأقصى لتنسف فرضية العاصمة الموحدة ونقل سفارات العالم لدى الكيان الصهيوني إليها.

عبقرية صناعة وتطوير الحدث إلى معركة تحريك: محاولة الاعتداء على سكان منطقة باب العامود، وأحد المحاولات الاستفزازية المتكررة للجماعات اليهودية بتوجيه ورعاية حكومية، ربما لأهداف تكتيكية ما لدى الكيان ثم تأتى عبقرية المقاومة في استثمار وصناعة الحدث، والفضل الكبير لأبناء القدس المرابطين، ثم يأتي من بعدهم صناع المرحلة العسكرية الثانية من غزة والضفة.

عبقرية وسائل وأدوات تحريك الحدث: والتي بدأت بصمود المرابطات والمرابطين والمقاومة الصلبة.

باليد والحجر، والأداء الإعلامي الرائع الذي فرض نفسه على الأحداث العالمية، ثم أبطال المرحلة الثانية العسكرية من غزة والضفة.

أهم الدلالات والرسائل الاستراتيجية في تحريك القدس رمضان 1442هجريا

1 ــ ضبط بوصلة كل فصائل المقاومة الفلسطينية، والشعوب العربية وأحرار العالم بالتأكيد على خيار المقاومة وسقوط كل خيارات السقوط والاستسلام.

2 ــ قوة وثبات ووحدة المقاومة ونموها الذاتي المستمر.

3 ــ تعزيز ثقة الشعب الفلسطيني والعربي وأحرار العالم في المقاومة والشعب والمرأة والطفل الفلسطيني رمز للثبات والصمود والتحرر.

4 ــ اليد الطويلة الدقيقة للمقاومة والتي يمكنها الوصول إلى أي مبنى وشخصية داخل الكيان الصهيوني.

5 ــ النمو المستمر لموازنة الردع لحساب المقاومة الفلسطينية.

6 ــ عبقرية المقاومة استراتيجيا في محافظتها على مسارها الأساسي المقاوم، والتزاماتها السياسية الداخلية والخاصة بملف الانتخابات.

7 ــ تعزيز روح المقاومة والتحرر من الاستعمار والاستبداد، وإعادة بث الأمل من جديد وبكل قوة للربيع العربي المقاوم للاستبداد.

8 ــ نسف فرضية تغييب الوعي العربي، وتهيئته وإعداده للقبول بمرحلة التطبيع والتركيع المزمع الدخول فيها، حتى وإن ندرت فعاليات الميادين والشوارع العربية لنصرة القضية تحت حراب القمع الأمني الذي بلغ القتل للمتظاهرين المدنيين، إلا أن السوشيال ميديا تعبر وبكل قوة عما هو كامن تحت الرماد.

لا شك أن معركة تحريك القدس رمضان 1442 هــ معركة خاصة وليست كسابقتها من معارك التحريك الفلسطينية، ولذلك وجب خدمتها وتنميتها وتفعيلها بكل ما أوتى أحرار العالم من قوة، كما أنه من الواجب استراتيجيا ترجمتها إلى مكاسب إستراتيجية عظيمة في كل ما يتعلق بالملفات الكبرى خاصة الحصار والقدس والمعتقلين وحق العودة، وبقدر ما تم ويتم وسيتم خلال الأيام والأسابيع القادمة، علما بأن طول الوقت يمنح المقاوم المزيد من الأوراق والمكاسب.

(المصدر: الجزيرة مباشر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى